ليبيا: ارتباك سياسي وأمني مفاجئ بعد اقتحام البرلمان من عناصر أمنية وقطع الاتصالات بين طرابلس وبنغازي

اللجنة الأمنية بالعاصمة تتحدى قرار حكومة زيدان بضم عناصرها لوزارة الداخلية

TT

ارتبك المشهد السياسي والأمني في ليبيا بشكل مفاجئ، وساد الغموض مساء أمس الموقف في العاصمة طرابلس، بعدما تم قطع شبكة الاتصالات الدولية وخدمة الإنترنت، حيث اقتحمت عناصر اللجنة الأمنية العليا في طرابلس مقر المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، واعتدت بالضرب على بعض أعضائه، على خلفية رفض اللجنة تنفيذ قرار وزير الداخلية الليبي عاشور شوايل بضم عناصر اللجنة الأمنية إلى وزارة الداخلية.

وطبقا لما أبلغه ناشطون إعلاميون وسياسيون وأعضاء في المؤتمر الوطني لـ«الشرق الأوسط»، فقد تطورت الأحداث سريعا، من اعتصام نفذته بعض العناصر المسلحة من اللجنة الأمنية العليا إلى عملية اقتحام لمقر المؤتمر الذي من المفترض أنها هي التي تتولى حمايته.

وروت بعض المصادر أن دوي إطلاق النار سمع في أرجاء المؤتمر، وحول مقره، لكن مصادر أخرى على مقربة من مقر المؤتمر نفت صحة هذه المعلومات، بينما لم تتلق «الشرق الأوسط» أي تقارير عن وقوع قتلى أو جرحى، كما تعذر على الفور الاتصال برئيس الحكومة الدكتور علي زيدان أو وزير الداخلية على هواتفهما الجوالة، نظرا لانقطاع الاتصالات الدولية من خارج البلاد.

وشمل الانقطاع المفاجئ للاتصالات كلا من طرابلس وبنغازي دون وجود أي تفسير رسمي، لكن شركة «هاتف ليبيا» أكدت حدوث انقطاع الاتصالات بين المنطقة الشرقية والغربية نتيجة «أعمال تخريبية» تمثلت في نشوب حريق في كوابل الألياف البصرية بمنطقة سوق الثلاثاء في طرابلس، مما نتج عنه تذبذب في الاتصالات وخدمة الإنترنت.

وقالت الشركة في بيان لها تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه إن «العمل جار حاليا لإصلاح هذه الأعطال الناتجة عن أعمال تخريبية، والقيام بأعمال الصيانة اللازمة لإرجاع الخدمة في أقرب وقت ممكن».

وطالب أعضاء اللجنة الأمنية فرع طرابلس بإقالة كل من زيدان وشوايل احتجاجا على قرار الحكومة الانتقالية بضمهما إلى وزارة الداخلية، وتفكيك الجسم الإداري والتنظيمي للجنة التي تولت مهام عملها بعد تحرير طرابلس وإسقاط نظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي العام الماضي.

وكان مقررا أن يحسم المؤتمر الوطني قبل عملية اقتحامه مصير الوزراء المرشحين لشغل حقائب الإعلام ورعاية أسر الشهداء والمفقودين والتربية والتعليم في حكومة زيدان، التي تولت مهام منصبها الشهر الماضي فقط.

وفي تحدٍّ واضح لقرار الحكومة المثير للجدل، أكد العقيد محمد سويسي، رئيس اللجنة الأمنية العليا المؤقتة أن اللجنة الأمنية مستمرة في أداء مهامها، مشيرا في تصريحات بثتها وكالة الأنباء الحكومية إلى الاستمرار في صرف جميع مرتبات أعضاء اللجنة.

وقال سويسي: «إن أي عضو من أعضاء اللجنة الأمنية العليا لديه الرغبة في الانتساب إلى هيئة الشرطة يبقى الأمر متروكا له شخصيا ولا أحد يفرض عليه رأيا مخالفا».

وتلقت «الشرق الأوسط» روايات عن تعرض عضوين على الأقل من أعضاء المؤتمر الوطني العام للضرب، هما توفيق الشهيبي من كتلة تحالف القوى الوطنية، ومفتاح حبلوص.

وقال الشهيبي في بيان مقتضب: «لقد تم الاعتداء علينا أنا وزميلي عند مدخل المؤتمر الوطني من قبل مجموعة من المعتصمين أمام القاعة، ونلنا منهم بداية كل أنواع الشتم، ولكن شخصيا عندما وصل الأمر إلى سب أبي وأمي نزلت من السيارة التي تمت محاصرتها، وحدث ما حدث من همجية واعتداء سافر علينا».

وأضاف الشهيبي: «وهنا أقولها وبأعلى صوت: لن أتنازل عن حق الدولة الليبية في الاعتداء على أحد نوابها، ولن أتنازل عن حق مدينة طبرق التي انتخبتني، ولن أتنازل عن حق أبي وأمي، والموضوع لن أتركه يمر مرور الكرام».

وجرت هذه التطورات في حين كان منتسبو وزارة الداخلية الليبية يحتفلون بالعيد الـ61 لاستقلال ليبيا، في احتفال تم تنظيمه بمقر كلية ضباط الشرطة في طرابلس، بحضور محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني العام والدكتور علي زيدان رئيس الحكومة الانتقالية وعاشور شوايل وزير الداخلية وعدد من القيادات الأمنية ورؤساء البعثات السياسية المعتمدة لدى ليبيا.

ودعا المقريف رجال الشرطة إلى تعويض كل الفرص التي فاتت ليبيا على امتداد 4 عقود في التقدم نحو البناء وتحقيق الرخاء، مشددا على أن أمن الوطن والمواطن يعتبر ركيزة أساسية في بناء ليبيا الحديثة، ويقع على رجال الأمن مسؤولية المساهمة بفاعلية فيها.

وأشاد المقريف بالجيل الذي أسهم في بناء دولة الاستقلال الحديثة من العدم، وصنعها من المستحيل، برعاية وقيادة من وصفه بالملك الصالح محمد المهدي السنوسي، في الوقت الذي كانت توصف فيه ليبيا بأنها ثاني أفقر دولة في العالم، ولم يكن أحد في المجتمع الدولي يراهن على أن تبقى موحدة مستقلة، على حد قوله.

في المقابل، وصف رئيس الوزراء الليبي جهاز الشرطة الذي ولد مع دولة الاستقلال وحماها بأنه كان جهازا فاعلا ووطنيا ومنظما ومهنيا ورائدا، على الرغم من ضعف الإمكانيات في ذلك الوقت.

وقال زيدان في الكلمة التي ألقاها في الاحتفال: «نأتي لنقول لكم إن رجل الأمن عزيز على ثورة السابع عشر من فبراير (كانون الثاني)، وإن من أولويات عمل الحكومة في المرحلة المقبلة الاهتمام بجهاز الشرطة وتوفير الإمكانيات التي تعيد له قدرته وفعاليته ليساهم منتسبوه في عملية البناء والتنمية في ليبيا الجديدة». ودعا زيدان مجددا عناصر جهاز الشرطة إلى استثمار كل الإمكانيات وشحذ الهمم والعزائم واستحداث الإرادة والتسلح بالانضباطية والكفاءة والمهنية للبدء في بناء دولة يسودها القانون وتُحترم فيها الحريات.

من جهته, أكد وزير الداخلية الليبي أن إحدى دعائم بناء هذه المرحلة تبدأ ببناء المؤسسات الأمنية كهيئة نظامية لفرض الأمن والاستقرار داخل المجتمع، وطالب رجال الشرطة ومنتسبي اللجان الأمنية بالعمل معا دون تردد، وعدم الالتفات لكل من يريد غير ذلك، والسعي للمجاهرة بالأمن، بما يحقق ضبط الشارع العام وضمان حقوق الأفراد وحرياتهم، والبدء في البناء والتنمية ضمانا لمستقبل الأجيال المقبلة.