شائعات عن الملح تفاقم الأزمة الصحية في باكستان

باكستانيون يعيشون على وقع نظرية مؤامرة تروج لتسبب مادة اليود في العقم

باكستانية تحمل رضيعا يعاني مرض الحصبة في مستشفى بمدينة سكر الباكستانية أمس. وقالت منظمة الصحة أمس إن الحصبة باتت تتسبب في مقتل مئات الأطفال في باكستان (أ.ب)
TT

في متجر عام مكتظ بلاهور، المركز الحضري الرئيس للثقافة والتعليم، طرح الأفراد الكثير من الأسئلة حول منتج بريء على ما يبدو: ملح الطعام. ويقول محمد وقاص فيكي، مالك المتجر: «إذا كان الملح محتويا على اليود، فسوف يرفض نحو 40% من العملاء شراءه، لأنهم لن يسمحوا لعائلاتهم بتناول ما سموه (ملحا مخلوطا)، اعتقادا منهم أنه يسبب العقم».

وقال فيكي، إن غالبية الباكستانيين من جميع الطوائف، ومن بينهم رجال أعمال ورجال دين، يتناقلون شائعات عن أخطار مزعومة للملح المعالج باليود منذ قرابة عقدين، لكن عدم وجود اليود في الوجبات الغذائية قد يتسبب في حدوث الإجهاض وولادة الجنين ميتا وتضخم الغدة الدرقية والتخلف العقلي ومشاكل النمو والعيوب الخلقية.

كانت حملات مكافحة شلل الأطفال في باكستان عرضة لهجمات قاتلة نتجت عن شائعات مماثلة، لكن المسؤولين ألقوا باللوم على شائعات العقم المرتبطة باليود، بأنها تتسبب، بصورة جزئية على الأقل، في الأزمة الصحية الكبيرة التي تشهدها باكستان، حيث يعاني أكثر من نصف عدد السكان، البالغ عددهم 200 مليون نسمة، بعض الاضطرابات الناتجة عن نقص اليود، بحسب مسح التغذية الوطني للعام الماضي الذي نفذته أكاديميات علمية والـ«يونيسيف» ووزارة الصحة الباكستانية.

وكانت تقارير عدة قد ربطت بين ظهور أعراض، مثل الخمول وانخفاض معدلات الذكاء، وانخفاض معدل الإنتاجية على مستوى باكستان الذي قد يتسبب في مزيد من الأضرار لاقتصاد هش لدولة كباكستان، التي تعني استمرار الأزمة الاقتصادية.

كيف حدث ذلك؟ بعض الخبراء يرون نوعا من الغموض في تطور ما أصبح واحدا من نظريات المؤامرة المدمرة الأطول والأكثر غرابة في باكستان. قبل سبعة عشر عاما، دشن مسؤولون حكوميون بدوافع من نوايا طيبة حملة للحفاظ على الصحة العقلية في مواجهة ارتفاع نسبة المواليد. وحتى هذا اليوم، لا يزال الناس يتذكرون عرض الشرائح على شاشة التلفزيون الرسمي الباكستاني (عندما كان البث التلفزيوني مقصورا على قناة واحدة) الذي دعم الرعاية الأبوية والوعي بالأطعمة الحيوية. كانت الشريحة قبيل الأخيرة تروج لعنصر واحد هو اليود.

ويتذكر المسؤولون أن الشريحة الأخيرة جاءت بدعم من قسم الصحة الأساسية الحكومي وتنظيم الأسرة. ويقول طارق عزيز، وهو خبير إنتاج ملح اليود، في برنامج تلفزيوني تم بثه عام 1995: «كان هناك خطأ في التواصل، لقد اعتقد الأفراد أن هذه ليست سوى مبادرة لتحديد النسل».

بعد خلط الباكستانيين بين اليود وخطة تحديد النسل التي فرضتها الدولة، انطلقت الشائعات بشأن خطة دولية للحد من تزايد أعداد المسلمين باستخدام اليود. وازدادت الشائعات قوة في مجتمع يولي أهمية خاصة للعائلات الكبيرة ويندر فيه استخدام وسائل منع الحمل.

وبحلول عام 2001، كانت 17% من الأسر في باكستان تستخدم الملح المعالج باليود، بحسب تقرير الـ«يونيسيف»، مقارنة ببنغلاديش حيث تصل نسبة استهلاكه إلى 78%. وبحسب عزيز، الذي يعمل في لاهور ضمن مبادرة المغذيات الدقيقة غير الربحية، البرنامج الذي تموله الحكومة الكندية والذي يشجع على استهلاك اليود وفيتامين إيه والزنك والحديد: «في الوقت الراهن، هناك ما يقرب من 30% من الباكستانيين لا يزالون يرفضون وجود هذا العنصر على موائدهم».

وفي الولايات المتحدة، بدأ الباحثون الطبيون برامج للوقاية من تضخم الغدة الدرقية باستخدام اليود في عشرينات القرن الماضي، واستخدام الملح المعالج باليود أمر شائع وعالمي في الكثير من الدول المتقدمة. وبحسب البحث الذي نشر العام الماضي في مجلة «التغذية»، هناك نحو 242 مليون طفل لا يحصلون على اليود الكافي، ونحو 30% من سكان الأرض لا يحصلون على جرعات كافية من اليود، رغم التقدم الملموس. وفي الفترة من عام 2003 وحتى عام 2011، انخفض عدد الدول التي تعاني نقص اليود من 54 إلى 32.

الأزمة الصحية في باكستان ليست مجرد خطأ لشائعة، فالتربة الباكستانية تعاني بالفعل نقصا في اليود بسبب الفيضانات والتآكل، وفشل الإدارات المتعاقبة في الإنصات للنداءات المطالبة بالقوانين الملزمة لليود.

عبث السياسيون لسنوات قبل صياغة تشريع لطلب تشريع اليود العالمي رغم الأضرار التي لحقت بالأطفال، ولم يتم التصديق على قانوني فيدرالي، وفي عام 2010 آلت مسؤوليات للكثير من الوظائف الفيدرالية إلى الأقاليم تحت تعديل الدستور.

لكن المنتقدين قالوا إن قوانين الملح المعالج ليست موحدة ويتم تطبيقها بشكل عشوائي على المستويات المحلية. الولايات الأكثر تضررا نتيجة نقص اليود، هي بلوشستان حيث تستخدم 41% من المنازل الملح المعالج باليود، والسند حيث يستخدم 52% منهم الملح المعالج باليود، بحسب مسح التغذية الوطنية.

ويقول العاملون في مجال الصحة إن الامتناع عن اليود يكون أكثر شيوعا في المناطق الريفية، حيث ترتفع نسبة الأمية، لكنها تمتد لتشمل البلاد ككل. ففي إحدى المدارس القريبة من لاهور، أظهر نصف ما يقرب من طلاب المدرسة الذين يبلغ عددهم 1.200 طالب علامات اضطرابات نقص اليود، بحسب «مبادرة الوجبة الصغيرة». وفي قرية صغيرة على مشارف إسلام آباد، العاصمة، أصيبوا بمرض الغدة الدرقية، بحسب روبينا بهاتي من شبكة حماية المستهلك، التي تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الصحة. وفي المناطق الريفية من إقليم البنجاب والمناطق الأخرى، يميل الأفراد إلى استخدام ملح الصخور الطبيعية الذي يقومون باستخراجه وطحنه بأنفسهم.

وقال محمد ظفار، عامل من قرية تقع على بعد 60 كيلومترا من لاهور: «عندما اشتريت عبوة من الملح مع بعض الأغراض المنزلية الأخرى، رفضت زوجتي استخدامه، حتى إن بعض أصدقائي أخبروني بروايات أن الأطباء أوصوهم بعدم استخدام الملح المعالج باليود إذا أرادوا تجنب العقم».

ويواصل شيوخ المساجد أيضا الحديث بأن اليود مضر بالصحة أو على الأقل أنه جزء من مؤامرة غربية. وقال مولانا محمد آسيم، أحد علماء لاهور: «أنا لا أستخدم الملح المعالج باليود، وقد أوصيت أقاربي وأصدقائي بعدم استخدامه أيضا». وأضاف: «لا توجد لدي أدلة تثبت أنه يسبب العقم، لكن سؤالي هو: لماذا تبدي الولايات المتحدة والغرب قلقا بشأن صحة الشعب الباكستاني حتى إنهم يجبروننا على استخدام اليود؟ إن لديهم أجندة».

وفي باكستان، لجأت بعض المنظمات غير الحكومية إلى ما يرقى إلى تعزيز استخدام اليود بتقديم إعانات لأصحاب مصانع الملح الذين يضيفون نسبا ضئيلة للغاية خلال عملية الإنتاج.

عادة ما يصل الملح إلى الأسواق غير معبأ كي يباع بالوزن. وقال محمد ياسين، الذي يعمل ضمن «مبادرة وجبة صغيرة»: «إنه يباع بالجملة دون وضع علامة تجارية؛ يباع بالكيس ولن يعرف المستهلكون ما إذا كان الملح يحتوي على اليود. ويحصلون على فوائد صحية حتى وإن لم يعلموا».

* ساهم باربار دوغار في إعداد هذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»