السوريون يتحدون الموت بحفلات صامتة في دمشق

أكثر من 500 زفاف بمخيم اليرموك في 2012

TT

قبل اشتعال الحرب الأخيرة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بأيام، زُفّت صبية تقطن في المخيم لشاب تقدم لطلب يدها، يقيم في حي التضامن المجاور. كان الشاب يعرف الصبية منذ فترة ما قبل اندلاع الثورة السورية، لكن عُسر الحال، وسوء الأحوال، دفعاه لتأجيل زفافه إلى مطلع الشهر الماضي.

وتجاوز العروسان كل التقاليد والأعراف الاجتماعية بالمرتبطة بحفلات الزفاف الدمشقية، حيث تم الاستغناء عن العراضة (نوع من الرقص الشعبي المصاحب للزفاف) الشامية أمام منزل العروس المعروفة في الأعراس الدمشقية، كما استغنى العروسان عن الحفلة التي تُقام عادة في مناسبات الفرح في صالات الأفراح. بصمت، زُفت من منزل ذويها، بعد أن ارتدت فستان الزفاف وأشرفت أخصائية تجميل محلية على وضع ماكياجها، كما جرى عقد قران العروسين في منزلها وأقيم حفلة تهاني بسيطة جدا في المنزل قبل انتقالهما إلى منزل العريس.

ويوضح ناشط من مخيم اليرموك لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الاحتفال، على بساطته، «جرى من غير بهرجة؛ لأن الوضع الأمني لا يسمح بذلك»، لافتا إلى أن تلك الإجراءات البسيطة، الطارئة على أعراس دمشق منذ اندلاع الثورة، «باتت حالة عامة، في ظل الموت والقتل اليومي في ريف دمشق».

لكن الوضع في محافظات أخرى، يختلف عما عليه في دمشق التي «تحاصر القوات النظامية أحياءها، ويتحضّر ساكنوها يوميا لاقتحام مباغت من القوات الأمنية التي لا تزال تدهم بعض الأحياء على الرغم من سيطرة المعارضين عليها». ففي دير الزور مثلا، يقول أحد الناشطين إن «الأفراح تحولت إلى مظاهرات منددة بالنظام ومطالبة برحيله، كما في ريف إدلب حيث تحولت العراضة إلى مبارزة بلاغية لقول ما يعبر عن قناعاتهم تجاه الثورة السورية». وشهدت المدن السورية، بحسب صفحات المعارضة السورية على «فيس بوك»، عددا من الأعراس، منها حفلات زواج ثورية بين مقاتلين وداعمين للثورة.

وعلى الرغم من القتل اليومي والحرب المتواصلة منذ أكثر من 21 شهرا، يتحدى أهالي ريف دمشق الوضع الراهن بالأفراح وحفلات الزواج. ففي مخيم اليرموك وحده، يقول الناشط الميداني من المخيم لـ«الشرق الأوسط»، إن عدد المتزوجين في عام 2012 تخطى الـ500 زيجة، غير أن تلك المناسبات لم يجرِ الاحتفال بها كما السابق، إذ اقتصرت على احتفالات بسيطة، ذات تكلفة متدنية، بمشاركة أبناء العائلة من غير أن يتوسع الحضور إلى أهالي الأحياء الأخرى.

ويضيف الناشط: «يتحايل الدمشقيون على الظروف العصيبة التي تمر بها مدينتهم، لكنها لم تمنعهم من الفرح على الرغم من اقتصارها على إجراءات بسيطة لا تراعي العادات والتقاليد الدمشقية المرتبطة بالأفراح». وإذ يؤكد أن «الحياة ستستمر»، يشير إلى أن التكاليف التي يدفعها الدمشقيون في هذه الأيام «زهيدة جدا»، فضلا عن أن مظاهر الفرح والابتهاج «جرى تخفيفها إلى حد كبير، مراعاة لمشاعر أهالي ضحايا الثورة السورية الذين يقيمون في المنطقة». ولم يتخلّ الثوريون عن الزفاف بسبب الحرب في سوريا، إذ أوردت وكالة الصحافة الفرنسية في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي خبرا يتناول قصة زواج بين أحد القناصين في حلب، وممرضة أشرفت على تغيير ضمادة جرحه. وذكرت الوكالة أن حفل الزفاف الاعتيادي في منطقة سيف الدولة في مدينة حلب، «جمع قناصا من المعارضة يدعى أبو خالد مع الممرضة حنان التي تولت معالجة قدمه المصابة».. وقالت إن العروسين «قاما بتقطيع الكاتو المغطى بالشوكولاته؛ في حين لوح زملاؤها بالأعلام ليعبروا عن حبهم للحياة.. وعن وجودهم هناك».