تسليم المشتبه في ضلوعهم بأعمال إرهابية يحظى بتأييد دائم من إدارة أوباما

قصة 3 أوروبيين اتهموا بدعم حركة «الشباب» الصومالية اعتقلوا في أفريقيا ويحاكمون في نيويورك

مهدي حاشي
TT

ألقي القبض على ثلاثة رجال أوروبيين من أصول صومالية لسبب مبهم في أغسطس (آب) بينما كانوا يعبرون حدود دولة جيبوتي الأفريقية الصغيرة. غير أنه سرعان ما اتضح السبب، حينما توافد على زيارتهم في زنازينهم بالسجن مجموعة من المحققين الأميركيين.

اتهم وكلاء أميركيون الرجال – منهم اثنان من السويد، والثالث مقيم منذ فترة طويلة في بريطانيا – بدعم ميلشيا «الشباب» - وهي ميلشيا من الإسلاميين في الصومال تعتبرها واشنطن جماعة إرهابية. وبعد شهرين من إلقاء القبض عليهم، تمت إدانة السجناء سرا من قبل هيئة محلفين فيدراليين ضخمة في نيويورك، ثم تم احتجازهم من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي وتم ترحيلهم بالطائرة إلى الولايات المتحدة لمواجهة المحاكمة.

تم كشف النقاب عن الاعتقالات والاحتجازات السرية في 21 ديسمبر (كانون الأول) حينما ظهر المشتبه بهم لفترة وجيزة في قاعات إحدى المحاكم في نيويورك.

يعتبر هؤلاء الرجال آخر مثال على تبني إدارة أوباما سياسة احتجاز المشتبه في ارتكابهم جرائم إرهابية وتسليمهم إلى دول أخرى تتولى التحقيق معهم من دون إجراءات قانونية – رغم الإدانة الواسعة لهذا الأسلوب في الأعوام التي تلت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2011. تتخذ عمليات تسليم المشتبه في ضلوعهم في عمليات إرهابية أهمية جديدة نظرا لأن الإدارة الأميركية والكونغرس لم يتوصلا إلى اتفاق بشأن مسار قانوني متسق لتسليمهم لدول خارجية وتقديمهم للعدالة.

لقد عرقل الكونغرس تعهد الرئيس باراك أوباما بإغلاق معتقل غوانتانامو في كوبا، ووضع معوقات تحول دون إخضاع المشتبه بهم من تنظيم القاعدة لمحاكمات مدنية، بما في ذلك قيود جديدة في مشروع قانون خاص بسلطة الدفاع تم تمريره الشهر الماضي. وفي الوقت نفسه، عارض البيت الأبيض جهود المشرعين الرامية إلى احتجاز المشتبه بهم على ذمة التحقيق ومحاكمتهم أمام محاكم عسكرية.

ويقول معارضون إن المأزق الحالي والافتقار إلى خيارات خاصة بالاحتجاز قد أفضيا إلى سياسة الأمر الواقع التي بموجبها تجد الإدارة أن من الأسهل قتل المشتبه بهم في جرائم إرهابية، وهو سبب رئيسي وراء زيادة الهجمات بطائرات أميركية من دون طيار في باكستان واليمن والصومال. وتمثل عمليات تسليم المشتبه في ضلوعهم في أعمال إرهابية، رغم كونها مثيرة للجدل ومعقدة، أحد البدائل المحدودة المتاحة.

تقول كلارا غاتريدج، مدير منتدى المساواة في العدل، الجماعة الحقوقية التي تتخذ من لندن مقرا لها والتي تتولى التحقيق في قضايا الأمن القومي والتي تعارض تلك الممارسة: «نوعا ما، أصبحت تلك الممارسة أكثر أهمية من ذي قبل».

ونظرا للسرية التي تكتنف تلك الممارسة، فإنه ليس من المعروف تحديدا عدد عمليات تسليم المشتبه بهم التي تمت منذ فترة رئاسة أوباما الأولى. لكن إدارته لم تتنصل من مسؤوليتها عن تلك الممارسة. في عام 2009، اقترح فريق عمل بالبيت الأبيض مختص بالتحقيقات ونقل المحتجزين أن يسمح للحكومة بالاستمرار في انتهاج تلك السياسة، ولكن مع مزيد من المراقبة، بحيث لا يخضع المشتبه بهم لأساليب تحقيق قاسية، مثلما حدث مع البعض أثناء إدارة جورج بوش الابن.

وقد كشفت الحكومة الأميركية عن قليل من المعلومات فيما يتعلق بالظروف التي تم بموجبها اعتقال الثلاثة أفراد الذين يزعم أنهم من مؤيدي ميليشيا شباب المجاهدين. ما زال معظم أوراق المحكمة سريا لا يجوز الاطلاع عليها.

في بيان، ذكر مكتب التحقيقات الفيدرالي والمدعون العموميون الفيدراليون بالمنطقة الشرقية من نيويورك أن المدعى عليهم «تم اعتقالهم في أفريقيا على يد سلطات محلية وهم متجهون إلى اليمن» في مطلع أغسطس. ولم يوضح البيان الموقع الذي تم احتجازهم فيه أو سبب احتجازهم. لم يشر مكتب التحقيقات الفيدرالي مطلقا إلى أي تدخل من جانب الولايات المتحدة بشأن المشتبه بهم حتى 18 أكتوبر (تشرين الأول) عندما قامت هيئة محلفين فيدرالية ضخمة بتسليم قرار الاتهام المختوم. وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي إن وكلاءه احتجزوا الرجال المشتبه بهم يوم 14 نوفمبر (تشرين الثاني)، غير أن المكتب لم يوضح على وجه التحديد المكان الذي أخذوا منه أو الطرف الذي قام بتسليمهم. ولم يرد متحدث باسم المدعين العموميين الفيدراليين في المنطقة الشرقية من نيويورك على رسالة هاتفية ورسالة بريد إلكتروني تطلب تعليقه.

غير أن محامي الدفاع وآخرين مطلعين على تفاصيل القضية قالوا: إنه تم إلقاء القبض على الرجال في جيبوتي، التي تعتبر من أقوى حلفاء واشنطن. يوجد بالدولة الأفريقية الصغيرة قاعدة عسكرية أميركية رئيسية، هي «كامب ليمونيير»، التي تعمل كمركز قتالي للطائرات من دون طيار وعمليات مكافحة الإرهاب. علاوة على ذلك، فإن لجيبوتي أيضا تاريخا يعود إلى عقد مضى من التعاون مع الولايات المتحدة في عمليات تسليم المشتبه في ضلوعهم في عمليات إرهابية.

وأكدت وزارة الخارجية السويدية على أن اثنين من المشتبه بهم – هما علي ياسين أحمد، 23 عاما، ومحمد يوسف، 29 عاما – مواطنان سويديان وتم اعتقالهما في جيبوتي في أغسطس.

وقال أندرس جورل، المتحدث باسم الوزارة في أستوكهولم، إنه قد سمح للدبلوماسيين السويديين بزيارة الرجال في جيبوتي ونيويورك لتقديم الدعم القنصلي لهما.

وقال جورل في حوار هاتفي: «هذا لا يعني أن الحكومة السويدية قد تبنت أي موقف بشأن ما إذا كانوا مذنبين أم أبرياء. إنها مسألة يختص بها النظام القضائي الأميركي».

وأشار محامون معينون لتمثيل المدعى عليهم في المحكمة الفيدرالية في بروكلين إلى أنه تم استجواب الرجال على مدى أشهر في جيبوتي رغم أنه لم تكن هناك أي اتهامات موجهة ضدهم – وهو أمر قد يحظر في الولايات المتحدة.

«كان الجيبوتيون مهتمين بها فحسب لاهتمام الولايات المتحدة بها»، هكذا تحدث أفرايم سافيت، محامي يوسف. وأضاف: «ليس بالضرورة أن أكون أينشتاين كي أفهم ذلك». واتفق معه في الرأي هاري باتشلدر، محامي المشتبه به الثالث، مهدي حاشي، 23 عاما. وقال باتشلدر، الذي يعتبر موكله مواطنا صوماليا نشأ في بريطانيا: «لنشرح الأمر بهذه الصورة: كانوا يقيمون بشكل مؤقت في جيبوتي، وعلى حين غرة، بعد لقائهم بوكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الودودين وعملاء وكالة الاستخبارات المركزية – الذين لم يكشفوا عن هويتهم – وجد موكلي نفسه بلا جنسية ويحاكمون أمام محكمة أميركية».

يحاكي تسلسل الأحداث الذي وصفه المحامون نمطا من حالات أخرى لتسليم مجرمين مشتبه في تورطهم في عمليات إرهابية والتي يقوم فيها عملاء استخباراتيون بالتحقيق سرا مع مشتبه بهم لعدة أشهر من دون إشراف قانوني قبل تسليم السجناء إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي لمحاكمتهم.

وفي ديسمبر، كشفت جلسة استماع أمام محكمة فيدرالية لمتهم آخر يشتبه في انتمائه لميلشيا الشباب، وهو مواطن إريتري يحمل اسم محمد إبراهيم أحمد، عن أنه قد تم استجوابه في سجن نيجيري على يد فريق «بغيض» من الوكلاء الأميركيين الذين تجاهلوا حق المشتبه به في التزام الصمت أو توكيل محام، بحسب محاضر جلسات المحكمة.

وفي وقت لاحق، أجرى فريق «مهذب» من العملاء الأميركيين مقابلة مع الرجل الإريتري، حيث توخى هذا الفريق الحذر في إخطاره بحقوق ميراندا خاصته وفي الحصول على اعترافات منه لمحاكمته. وبمجرد إتمام المهمة، تم نقله إلى محكمة فيدرالية أميركية في مانهاتن ليواجه اتهامات بالإرهاب. وسعى محاموه الأميركيون إلى رفض اعترافاته استنادا إلى كونه قد أكره عليها بشكل غير قانوني، غير أنه ثبت كون المدعى عليه مذنبا قبل أن يتسنى للقاضي إصدار حكم في هذا الشأن.

وأظهرت برقية دبلوماسية كشف عنها موقع «ويكيليكس» لمكافحة السرية جليا أن السلطات النيجيرية كانت ممانعة لاحتجاز أحمد واحتجزته لمدة أربعة أشهر تحت ضغط من مسؤولين أميركيين.

ووبخ روبين ساندرز، السفير الأميركي في نيجيريا في ذلك الوقت، مسؤولين رفيعي المستوى هناك في اجتماع عقد في فبراير (شباط) 2010 على السماح لأحمد بالرحيل على متن طائرة دولية «نظرا لأنهم لم يرغبوا في احتجازه لفترة أطول». وبحسب برقية دبلوماسية سرية تلخص وقائع الاجتماع، تم تسليمه في نهاية المطاف إلى وكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالي، لكن فقط بعد أن تمت إدانته من قبل هيئة محلفين أميركية. وفي أحدث عملية تسليم لمشتبه بهم في جيبوتي، تحدى محامو الدفاع السلطة القضائية للمحاكم الأميركية، قائلين إنه لا يوجد دليل على أن المدعى عليهم استهدفوا الأميركيين أو المصالح الأميركية أو هددوها.

تقول سوزان كيلمان، المحامية التي تمثل علي ياسين أحمد، أحد المدعى عليم السويديين: «هذا هو السؤال الذي تبلغ قيمته 64 ألف دولار. توجهت بسؤالي لمساعد المدعي العام الأميركي: «هل قاموا بتفجير سفارة؟ كلا. إذن، لماذا نحتجزهم؟ ما الإساءة التي وجهوها إلينا؟».

لقد صنفت وزارة الخارجية الأميركية ميلشيا «الشباب» رسميا بوصفها منظمة إرهابية في عام 2008، مما يجعل دعم الأميركيين أو غيرهم لهذه الجماعة إجراء غير قانوني.

غير أن مسؤولين بإدارة أوباما ما زالوا يقرون بأن معظم مقاتلي ميلشيا الشباب هم مجرد مشاركين في حرب أهلية دائرة منذ وقت طويل في الصومال وأن عددا محدودا منهم فقط هم المشاركون في عمليات إرهابية دولية.

وأقر سافيت، محامي يوسف، بأن موكله قد حارب باسم ميلشيا «الشباب» ضد القوات الصومالية المدعومة من الولايات المتحدة.

وقال: «حسنا. إنني لن أنكر ذلك الاتهام».

إلا أن سافيت قال: إنه لم يكن مبررا مشروعا لمحاكمة يوسف في الولايات المتحدة. وقال: «آخر شيء نحتاجه في العالم بحق هو اعتقال مقاتلي ميلشيا الشباب البالغ عددهم 10 آلاف أو تقديمهم للمحاكمة».

لقد راقبت السلطات في السويد وبريطانيا الرجال الثلاثة لعدة أعوام أثناء سفرهم جيئة وذهابا إلى الصومال، غير أنه لم تجمع أي من الدولتين أدلة كافية لتوجيه اتهامات جنائية لهم.

وقال مسؤول سويدي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته نظرا لمناقشته قضايا استخباراتية حساسة: «هؤلاء الرفاق معروفون جدا لقوات الأمن السويدية».

لقد تعاونت وكالات الأمن السويدية فيما مضى مع مسؤولين أميركيين في قضايا تسليم مشتبه بهم عن طريق مشاركة المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالأفراد المستهدفين. ورفض مارك فاداسز، المتحدث باسم شرطة الأمن السويدية، التعليق على ما إذا كانت الوكالة قد لعبت دورا في القضايا المتورط فيها كل من يوسف وأحمد أم لا.

في الصيف الماضي، قبل احتجاز حاشي في جيبوتي، أخطرت السلطات البريطانية أسرة حاشي بأنهم يتخذون خطوة غير معتادة ممثلة في تجريده من جنسيته، مستشهدة بأنشطته «المتطرفة».

وقد أنكر حاشي وأسرته التهم الموجهة إليه. وفي عام 2009. أقام حاشي دعوى ضد وكالة الاستخبارات المحلية البريطانية MI5، زاعما أن عملاء بالوكالة قد أجبروه على أن يصبح مخبرا.

ورفض متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية، التي أصدرت طلب الجنسية، التعليق أو تحديد ما إذا كان مسؤولون بريطانيون قد تعاونوا مع الولايات المتحدة في عملية تسليم المشتبه بهم أم لا.

وقال عاصم قريشي، المدير التنفيذي لمنظمة «كيدج بريزونرز»، وهي جماعة حقوقية بريطانية وقفت في صف حاشي، إن القضية من الضعف بحيث لا يمكن أن يتم تقييمها بوصفها مقبولة في محكمة أوروبية.

«قد يقول شخص متشائم إن توجيه اتهام بموجب أدلة زائفة في الولايات المتحدة أسهل منه في أي مكان آخر. مجرد اتهام شخص بأنه عضو في ميلشيا الشباب لن يقودك إلى أي إنجاز في المملكة المتحدة. فكل ما سيفعله القاضي هو رفض القضية من قبل حتى أن تبدأ».

* ساهمت جولي تات في كتابة التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»