«طوابير الموت».. فخ المدنيين في سوريا

مجزرتان أمام مخبزين وأخرى في محطة للوقود في ريف دمشق أمس

أطفال ونساء خلال فرارهم على متن سيارة لنقل البضائع من أحد أحياء حلب أمس (رويترز)
TT

هي مأساة طوابير الموت التي لا تنتهي في سوريا حاصدة في كل مرّة، عشرات القتلى من المواطنين السوريين الذين «يلهثون» وراء لقمة العيش وأدنى متطلبات الحياة. من المخابز إلى محطات الوقود وحتى المدارس، آلة الموت نفسها تلاحقهم من مكان إلى آخر من دون أن تميز بين المقاتلين والأطفال والنساء وكبار السن الذين أصبحوا يعيشون في كل لحظة وكأنهم مشاريع شهداء أينما كانوا.

حلقة جديدة من هذا المسلسل المرعب كانت أمس في مخبزين في معضمية الشام بريف دمشق، حيث تعرضا لقصف بالطيران الحربي ذهب ضحيته أكثر من 12 قتيلا وعدد من الجرحى، بحسب ما ذكرت لجان التنسيق المحلية. والمشهد نفسه لم يكن مختلفا في بلدة المليحة، في ريف دمشق، حيث استهدف الطيران المواطنين وهم ينتظرون أدوارهم أمام محطة للوقود، مما أدى إلى مقتل أكثر من 70 شخصا - حصيلة أولية - وعشرات الجرحى وسط حالة ذعر وهلع بين المواطنين واستمرار القصف على البلدة واحتراق السيارات وصعوبة التعرف على الجثث نتيجة تفحمها، بحسب ما أفادت لجان التنسيق المحلية. كما قال الناشط أبو سعيد الذي وصل إلى موقع المجزرة، بعد ساعة من وقوعها لوكالة «رويترز»، إن القتلى تحولوا إلى جثث هامدة مقطعة الأوصال.

ولفت ناشط آخر يدعى أبو فؤاد إلى أن طائرات حربية قصفت المنطقة أثناء وصول شحنة وقود وتجمع المواطنين عند المحطة. فيما أظهرت لقطات فيديو صورها نشطاء جثة رجل يرتدي خوذة على دراجة نارية وسط ألسنة لهب طوقت المكان، وذلك خلال انتظاره في طابور من المركبات، كما شوهد رجل وهو يحمل جثة مقطعة الأوصال. كما أوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، أن «المعلومات الأولية تفيد عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، ومن بينهم عناصر من كتائب مقاتلة عدة ومن مناطق عدة في ريف دمشق».

وفي هذا الإطار، اعتبر مصدر قيادي في الجيش الحر، أن النظام يعمد إلى معاقبة المواطنين وأهالي المناطق «الخارجة عن سيطرته» لترهيب المواطنين وتأليبهم ضد المعارضة، مستهدفا بذلك التجمعات البشرية للقضاء على أكبر عدد منهم، وللقول إنه «ليس هناك أي مواطن بمعزل عن آلة القتل». ولفت المصدر إلى أن النظام الذي لا يقوى على التحرك على الأرض في هذه المناطق لمواجهة الجيش الحر، يعمد إلى قصفها مستهدفا المدنيين، مشيرا بذلك إلى أن هناك مجازر يومية يرتكبها النظام في سوريا ولا يتم إلقاء الضوء عليها. مضيفا «النظام يقوم بحرب إبادة ضد الشعب، وهو لن يتوانى عن ارتكاب المزيد من المجازر».

وفيما يتعلق بالمساعدات التي تقوم المعارضة والجيش الحر بتقديمها للمواطنين للتخفيف قدر الإمكان من الخسائر البشرية، لفت المصدر إلى أن لجان التنسيق تقوم بتوزيع ما توفر لها من خبز على الناس بدل أن يخرجوا من منازلهم لشرائها، مضيفا: «منذ يومين تم الاستيلاء على معمل للبرغل والطحين والقمح في حلب، يحوي على 600 طن من القمح، فعمدنا إلى طحنها وتوزيعها على المدنيين والأفران التي لا يصلها الطحين. مع العلم، أنه أيضا قد تم تحديد مركز معين لتوزيع الخبز في كل كل حي على حدة، ونحاول قدر الإمكان إبلاغ المواطنين في حال اكتشافنا تحليقا للطيران، لكن ما نعاني منه بشكل رئيسي هو القصف المدفعي المفاجئ الذي يطلق من المناطق القريبة».

وكانت هذه السياسة الإجرامية المتبعة من قبل النظام السوري قد بدأت منذ منتصف عام 2012 الماضي، واتهمت منظمة «هيومان رايتس» في 30 أغسطس (آب) الماضي، قوات النظام بارتكاب جرائم حرب عبر قصف عشرة مخابز على الأقل في ثلاثة أسابيع في محافظة حلب شمال البلاد.

وأفادت المنظمة التي زار مندوبوها ستة من تلك المخابز وتحدثوا مع شهود أن الهجمات على صفوف الانتظار عند مداخل المخابز أدت إلى مقتل عشرات المدنيين من بينهم 60 شخصا في حي قاضي عسكر في حلب في 16 أغسطس (آب).

وكانت مجزرة مخبز حلفايا الشهر الماضي، هي الأكثر دموية، سقط خلالها أكثر من 200 قتيل، وعشرات الجرحى في قصف لطائرة «ميغ» بعد ساعات من استعادة قوات النظام السيطرة على المنطقة. وبعد ذلك بأيام معدودة، قصف مخبز في بلدة البصيرة في ريف دير الزور أدى إلى مقتل 15 شخصا، وآخر في بلدة تلبيسة في ريف حمص، سقط خلاله ما لا يقل عن عشرة مدنيين بينهم أطفال، وفي بداية الشهر الأخير من عام 2012 كان القصف نفسه استهدف مخبزا في حي بستان القصر في حلب. وللمدارس حصتها أيضا، من طيران النظام، إذ كانت مدرسة البطيحة الأولى في مخيم الوافدين قرب دمشق، مما أسفر عن مقتل تسعة طلاب ومدرس، فيما أعلن التلفزيون السوري عن مقتل 29 طالبا وإحدى المعلمات، متهما ما يصفهم بالـ«إرهابيين» بارتكاب المجزرة.