ليبيا: المقريف ينصح الليبيين بالصبر بعد خطف مسؤول أمني كبير في بنغازي

مصادر: تهديدات بالقتل وراء رفض الأوجلي تولي «الخارجية»

TT

«الأمن قبل السياسة».. هكذا كان المشهد الليبي أمس معبرا عن التدهور الأمني الحاصل في الدولة التي خرجت لتوها من حرب شبه أهلية العام الماضي، حيث تعرض ضابط أمن رفيع المستوى في مدينة بنغازي، ثاني كبرى المدن الليبية، للاختطاف، بينما تلقت حكومة رئيس الوزراء الانتقالي علي زيدان ضربة سياسية بعدما اعتذر علي الأوجلي، سفير ليبيا لدى واشنطن، عن عدم تولي حقيبة الخارجية.

وكان مقررا أن يعقد زيدان وعدد من وزرائه مؤتمرا صحافيا في الساعة الثامنة من مساء أمس بالتوقيت المحلي لطرابلس وقت إعداد هذا التقرير، حيث قالت مصادر ليبية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إنه سيتناول كل التطورات الدراماتيكية التي جرت مؤخرا على الساحة وفي مقدمتها محاصرة مسلحين غاضبين من عناصر اللجنة الأمنية لمقر المؤتمر الوطني العام (البرلمان) والاعتداء على بعض أعضائه اعتراضا على قرار ضمهم لوزارة الداخلية.

وفي محاولة لامتصاص غضب قوات الشرطة والأمن، تفقد وزير الداخلية الليبي عاشور شوايل غرفة عمليات العاصمة التابعة لمديرية أمن طرابلس لمتابعة آلية العمل لتنفيذ الخطة الأمنية التي شرعت المديرية في تنفيذها للمجاهرة بالأمن داخل المدينة.

وحث شوايل جميع العاملين بالغرفة على ضرورة التركيز في أداء المهام المنوطة بهم على تنفيذ هذه الخطة الأمنية، مؤكدا أن الوزارة ستمنح حوافز مشجعة للعناصر المتميزة تقديرا ودعما لجهودها في خدمة الوطن.

في المقابل، عاود العقيد محمد سويسي، رئيس اللجنة الأمنية العليا المؤقتة، الدفاع عن اللجنة، حيث قال إن اللجنة التي صدر قرار بإنشائها العام الماضي تشكلت من الأطباء والممرضين والمهندسين والفلاحين والمعلمين والطلاب والمتقاعدين ومن حملة الشهادات العليا في التخصصات بهدف القضاء على النظام الفاسد الاستبدادي. وأوضح سويسي، في تصريحات بثتها وكالة الأنباء الليبية، أن هؤلاء المواطنين الثوار منهم من يعمل في الدولة وآخرون إما أنهم يعملون لحساب أنفسهم وإما أنهم غير معينين في الدولة، وأن وزارة الداخلية أعدت خطة لاستيعابهم رغم أنها ليست الوزارة الوحيدة المعنية بتعيينهم، مطالبا بقية الوزارات بالمشاركة في هذه الخطة باستيعاب الثوار الذين يحملون مؤهلات تؤهلهم للعمل فيها بالإضافة إلى الثوار الذين لديهم الرغبة في الاتجاه للعمل الخاص. وأعلن سويسي أن اللجنة وضعت خطة سواء تم تنفيذها عبر اللجنة أو أجهزة الأمن الأخرى في الدولة لتوفير الأمن للشركات العالمية الراغبة في العودة إلى ليبيا لاستئناف العمل في تنفيذ المشاريع التنموية المتوقفة مثل مشروع السكة الحديدية واستكمال مشروع مطار طرابلس الدولي، والمشاريع الإسكانية الأخرى في كل المدن والقرى الليبية.

لكن مصادر ليبية وصفت لـ«الشرق الأوسط» تصريحات سويسي بأنها «محاولة لفرض الأمر الواقع واستعراض القوة في مواجهة محاولة وزير الداخلية شوايل تفكيك اللجنة الأمنية العليا، وتسريح أعضائها إذا لم ينضموا إلى قوات الشرطة التابعة لوزارة الداخلية».

وفي مؤشر جديد على التدهور الأمني في مدينة بنغازي معقل الثوار ومهد الانتفاضة الشعبية العام قبل الماضي ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي، اختطف مجهولون المقدم عبد السلام المهدوي، رئيس قسم البحث الجنائي بمديرية الأمن الوطني في المدينة.

وقالت مصادر أمنية في بنغازي لـ«الشرق الأوسط» إن مسلحين ملثمين هاجموا سيارة المهدوي برفقة اثنين من زملائه في منطقة الهواري جنوب المدينة واختطفوه تحت تهديد السلاح مساء أول من أمس.

وعبر وزير الداخلية الليبي لوكالة الصحافة الفرنسية عن أمله في ألا ترجع هذه التصرفات الأمن في ليبيا إلى درجة الصفر، لافتا إلى وجود ما وصفه باحتقان كبير لدى رجال الشرطة بسبب الحادث.

ورددت مصادر العثور على جثة متفحمة يعتقد أنها للمقدم المختطف، لكن مديرية الأمن الوطني في بنغازي قالت في المقابل عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» إنها ما زالت غير متأكدة من أنها جثة الضابط حيث ما زالت المعاينة جارية لها. وتعرض المهدوي في السابق لعملية اختطاف لكن سرعان ما أطلق سراحه، بينما تقول مصادر وشهود عيان إن خاطفيه هذه المرة كانوا ملتحين ولحاهم واضحة من تحت اللثام، في إشارة إلى احتمال تورط إسلاميين متشددين في خطفه.

وأثارت عملية الخطف عناصر شرطة بنغازي الذين تجمهروا في وسط المدينة لمطالبة وزارتي الداخلية والدفاع بالتدخل لإطلاق سراح زميلهم المختطف، علما أن مركز البحث الجنائي كان هدفا لهجوم من مجموعة مسلحة الأسبوع الماضي، على خلفية اعتقال أحد أعضائها بتهمة سرقة سيارة.

إلى ذلك، دعا محمد المقريف، رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، مواطنيه إلى التحلي مجددا بالصبر، حيث قال أمس لدى لقائه مع قيادات محلية في مدينة سبها بجنوب البلاد «لا تظلمونا ولا تظلموا أعضاء المؤتمر، صبرنا على الظلم 42 سنة، ألا نستطيع الصبر بضعة أسابيع أو أشهر لتحقيق ما نصبو إليه؟! الله (سبحانه وتعالى) خلق الكون في ستة أيام، المهم أن النية صادقة والإرادة السياسية موجودة والعمل دؤوب».

وأضاف المقريف، خلال اللقاء الذي بثته قناة «ليبيا» الرسمية على الهواء مباشرة، أن مهمة المؤتمر الأساسية هي وضع الدستور الجديد للبلاد، «وكل وقتنا يجب أن يخصص لبناء مؤسسات الدولة، المطالب العاجلة والملحة هذه مسؤولية الحكومة والسلطة التنفيذية».

واعتبر المقريف أن قانون العزل السياسي الذي يناقشه المؤتمر حاليا ليس هدفه إقصاء من يريد خدمة ليبيا وتحقيق أهداف الثورة، متعهدا بأن القانون لن يخرج إلا بحوار وطني موسع. وأضاف: «أطمئن الناس أن الهدف ليس إقصاء أي إنسان خير يريد خدمة ليبيا، لكن هناك فئة من الناس عاشت على امتداد سنوات في أجواء تتنفس فيها الفساد والفوضى وقمع الحريات وغياب الشفافية، هذه المجموعات من الأفضل للشعب الليبي أن يبعدوا عن قيادة مسيرة البلد خلال المرحلة القادمة».

ولكنه استطرد قائلا: «من ارتكب جرائم قتل أو اعتداء على الأعراض أو تعذيب أو نهب للمال العام ليس لهم صلة بهذا القانون سيمثلون أمام القضاء العادل».

إلى ذلك، أبلغت مصادر ليبية مطلعة «الشرق الأوسط» بأن السبب الرئيسي وراء اعتذار علي الأوجلي، سفير ليبيا السابق في واشنطن، عن عدم تولي حقيبة الخارجية في حكومة زيدان يرجع إلى تلقيه عدة تهديدات بالقتل والتصفية الجسدية في حال موافقته على تولي المنصب.

ووجه الأوجلي رسالة اعتذار رسمية إلى زيدان قال خلالها إنه يرفض تولي المنصب في الوقت الحالي لأسباب قال إنها موضوعية وشخصية، لم يفصح عنها.

وكان زيدان قد أعلن أنه سيتولى بنفسه منصب وزير الخارجية الشاغر في انتظار حسم مصير الأوجلي الذي وافقت الهيئة الوطنية العليا لتطبيق معايير النزاهة والوطنية على انضمامه لحكومة زيدان المكونة من ثلاثين وزيرا.

يشار إلى أن الأوجلي شغل منصب سفير ليبيا لدى الولايات المتحدة خلال الثورة الشعبية التي أطاحت بالقذافي العام قبل الماضي، كما أظهرت برقية قدمت إلى هيئة النزاهة المعنية بإقصاء المحسوبين على نظام القذافي ومنعهم من تولي أي مناصب سيادية، أن الأوجلي انشق على نظام القذافي بعد شهر من بدء الانتفاضة.