تونس: الغنوشي يلتقي الشابي لأول مرة منذ 2009.. ويدعوه للالتحاق بالحكومة

أنباء عن احتمال تولي زعيم «الجمهوري» المعارض لوزارة الخارجية

ايوب المسعودي المستشار السابق للرئيس التونسي منصف المرزوقي لدى وصول الى المحكمة العسكرية في تونس العاصمة امس ( أ ف ب)
TT

تمكنت قيادة حركة النهضة الإسلامية في تونس من قطع الطريق أمام تحالف سياسي محتمل بين الحزب الجمهوري، الذي يتزعمه أحمد نجيب الشابي، وحركة نداء تونس، التي يقودها الباجي قائد السبسي، ونظمت لقاء مباشرا الليلة قبل الماضية بين رئيسها راشد الغنوشي والشابي، الذي ترأس لسنوات الحزب الديمقراطي التقدمي قبل أن يتزعم سنة 2012 تحالفا سياسيا جديدا أطلق عليه اسم «الحزب الجمهوري».

ويعد اللقاء بين الرجلين هو الأول من نوعه بعد الثورة التونسية. ويعود تاريخ آخر لقاء بينهما إلى سنة 2009 في العاصمة البريطانية لندن. وتسعى حركة النهضة إلى فك التحالف المنتظر بين حركة نداء تونس والحزب الجمهوري والمسار الديمقراطي الاجتماعي، الذي يقوده أحمد إبراهيم، رئيس حركة التجديد المعارضة. وتعتمد في ذلك على التحاق الحزب الجمهوري بالتركيبة الحكومية الجديدة التي من المنتظر الإعلان عنها في أفق 14 يناير (كانون الثاني) الحالي.

ويرى مراقبون أنه بإمكان هذه الخطوة شق صفوف المعارضة اليسارية التي تسعى منذ فوز حركة النهضة بانتخابات المجلس التأسيسي (البرلمان) في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 إلى خلق جبهة معارضة موحدة هدفها إنهاء سيطرة حركة النهضة على المشهد السياسي. وذكرت مصادر مقربة من الحزب الجمهوري أن الشابي لم يرفض طلب الغنوشي بشأن الالتحاق بالتشكيلة الحكومية، بيد أنه قرر الرجوع إلى هياكل الحزب لاستشارتها بشأن ذلك.

وكان الشابي، ومعه مية الجريبي، الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي، قد رفض نهاية سنة 2011، قبل تكوين تحالف الحزب الجمهوري، الانضمام إلى حكومة تقودها حركة النهضة، كما عبر عن ذلك في أكثر من مناسبة، ورفضت الجريبي بدورها تولي وزارة المرأة.

وتعد الدعوة الجديدة الموجهة من قبل حركة النهضة إلى الحزب الجمهوري للالتحاق بالحكومة ذات تأثير سياسي عميق على المشهد السياسي التونسي. وقال نجيب الغربي، القيادي في حركة النهضة، إن اللقاء الذي جمع الغنوشي مع الشابي تطرق إلى مسألة توسيع الائتلاف الحكومي. وأضاف أن الشابي اعتبر «الدعوة مهمة». وقال أيضا إن المقترحات التي تحاورا بشأنها ستعرض على الائتلاف الثلاثي الحاكم، وأن الشابي تمسك بضرورة التوافق حول خارطة طريق واضحة المعالم لما تبقى من الفترة الانتقالية، إلى جانب توضيح طبيعة النظام السياسي القادم، وصلاحيات كل طرف من المعادلة السياسية خاصة رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، إلى جانب الاتفاق النهائي حول موعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، وتوفير الظروف السياسية والأمنية الملائمة لإجرائها.

وتساءل الشابي أيضا، كما يضيف الغربي، عن المنهجية التي ستعتمدها الحكومة بخصوص التعديل الوزاري المرتقب، وهل سيكون جزئيا أم مصغرا أم هو مجرد ملء للفراغ. وأضاف الغربي أن الشابي يتمسك بضرورة تكوين حكومة كفاءات مصغرة تدير المرحلة الانتقالية إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الجديدة.

وكانت مصادر مقربة من الائتلاف الثلاثي الحاكم قد أشارت إلى احتمال تولي الشابي حقيبة «الخارجية» خلفا لرفيق عبد السلام، الذي ضعف موقفه السياسي كثيرا بعد نشر اتهامات حول سوء تصرفه في أموال الوزارة، في ما بات يعرف بـ«قضية الشيراتون». وأضافت المصادر ذاتها أن التعديل المنتظر قد يسعى أيضا إلى إشراك «حركة وفاء»، التي يقودها عبد الرؤوف العيادي، وأن هذا الأخير قد يكون تلقى اقتراحا بتولي حقيبة «العدل» خلفا لنور الدين البحيري، القيادي في حركة النهضة. وبذلك تكون الحركة قد استجابت ولو جزئيا لمطلب أحزاب المعارضة التونسية بتحييد وزارات السيادة.

ومن المنتظر أن يعرض حمادي الجبالي، رئيس الحكومة التونسية، التركيبة الجديدة لحكومته على أنظار مجلس شورى حركة النهضة، الذي يعقد اجتماعه اليوم وغدا، وإذا حصلت على التزكية الضرورية سيتم عرضها على المجلس التأسيسي (البرلمان).

وبخصوص التأثير المحتمل لالتحاق الحزب الجمهوري بالتركيبة الحكومية على بقية مكونات المشهد الحكومي، قال عماد الدايمي، القيادي في حزب المؤتمر (حزب الرئيس المرزوقي) لـ«الشرق الأوسط» إن عملية توسيع دائرة المشاركة السياسية اقتنع الائتلاف الثلاثي الحاكم بجدواها من خلال التنسيقية التي تجمع «الترويكا الحاكمة»، مشيرا إلى أن هذا التوسيع لن يتم لصالح طرف سياسي على حساب آخر. واعتبر أن حركة النهضة التي تقود تونس منذ انتخابات المجلس التأسيسي الماضية هي المعنية الأولى بعملية التعديل الوزاري نظرا لأن أحزاب المعارضة استهدفت في المقام الأول وزارات السيادة (العدل، والداخلية، والخارجية) وكلها يديرها وزراء من حركة النهضة.

وأضاف الدايمي أن محدودية المدة المتمثلة في أقل من ستة أشهر، وهي الفترة المتبقية حتى موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة مبدئيا يوم 23 يونيو (حزيران) القادم، قد لا تكون ذات تأثيرات كبرى بالنسبة للتعديل الوزاري المرتقب. واعتبر أن التعديل برمته قد طال انتظاره، وأن درجة فاعليته تراجعت بمرور الوقت.

وبدوره، قال الهادي بن عباس، الناطق الرسمي باسم المؤتمر، ووزير الدولة في الخارجية المكلف بأميركا وآسيا، ردا على سؤال حول إمكانية خروج «المؤتمر» من الترويكا الحكومية، إنه يستبعد ذلك، ونفى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن يكون الحزب يفكر في مغادرة «الترويكا»، وأن علاقته بحزب النهضة متوترة على خلفية اتهام «المؤتمر» بالوقوف وراء الفضيحة التي تعرض لها مؤخرا وزير الخارجية، وصهر الغنوشي.

ووصف بن عباس علاقة حزبه وحركة النهضة بأنها علاقة حوار وتشاور، وأن التحالف بينهما هو خيار استراتيجي، مؤكدا في المقابل وجود اختلافات بين الحزبين في ملفات معينة نتيجة اختلاف المرجعية الفكرية والآيديولوجية بين حزب إسلامي وآخر علماني. وقال بن عباس إنه لا علاقة لحزبه بما حدث لوزير الخارجية، رغم أن المدونة التي فجرت القضية لا تخفي قربها من «المؤتمر».

وتجدر الإشارة إلى أن محمد عبو، أمين عام «المؤتمر»، قال في وقت سابق إن حزبه كانت لديه كل الوثائق المتعلقة بإقامة وزير الخارجية في فندق «شيراتون»، وإنه كان سيعتمدها كورقة عند التشاور بشأن التعديل الوزاري الذي انطلق يوم أول يناير، وما زال متواصلا. بيد أن بن عباس قال إن ما قاله عبو أخرج من سياقه باعتبار أنه قال إن الحزب سيناقش الموضوع داخل تنسيقية الترويكا ولم يقل سيكون ورقة ضغط.

إلى ذلك، قال بلقاسم حسن، الأمين العام لحزب الثقافة والعمل، الذي قاد سلسلة من الحوارات مع حركة النهضة من أجل بناء تحالف سياسي معها، لـ«الشرق الأوسط»، إن حركة النهضة تبحث منذ فترة عن تحالفات جديدة بعد أن نخرت الخلافات شريكيها في قيادة البلاد. وقال إن فرصة استجابة الحزب الجمهوري لدعوة الالتحاق بالحكومة تمثل الفرصة الأفضل لبناء تحالفات جديدة على أنقاض الائتلاف الثلاثي الحاكم الذي يبدو أن صلاحيته السياسية الفعلية قد انتهت. وأضاف أن المحاصصة الحزبية بالطريقة التي وزعت فيها المسؤوليات كبلت العمل الحكومي، وجعلت الخلافات بين شركاء الحكم أكثر من توافقاتهم، مشيرا إلى أن حركة النهضة استشعرت دخول منافسين سياسيين على درجة من الأهمية إلى الحياة السياسية على غرار حركة نداء تونس، وهي قد لا تعول على حزب المؤتمر، وحزب التكتل في ضمان وجودها السياسي كحزب حاكم.

ويرى بلقاسم أن الرصيد النضالي للحزب الجمهوري قد يخدم «النهضة» من الناحية السياسية باعتباره سيخلط الكثير من الأوراق خاصة في صفوف المعارضة اليسارية، على حد تعبيره.