رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي لـ«الشرق الأوسط»: الثورة السورية انحرفت عن مسارها.. وتحولت إلى صراع على السلطة

نفى أن يكون حزبه فرعا للكردستاني.. ودعا تركيا إلى عدم التدخل في الشأن السوري

صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري
TT

أكد صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، الذي يدير السلطة الفعلية على الأرض بالمناطق الكردية بسوريا، أن «غيوما سوداء تحوم اليوم فوق سماء سوريا.. والنظام الحالي إذا رحل أو سقط غدا، فإن أمورا كثيرا ستفاجئ الوطن، بما فيه الاقتتال الداخلي بين المنتصرين»، منوها أن «الثورة السورية انحرفت عن مسارها الديمقراطي، وتحولت إلى صراع بغيض على السلطة». ودفع عن حزبه الاتهامات المتكررة الموجهة إليه بموالاة النظام الحالي، مؤكدا أن «ثورة الشعب الكردي بدأت عام 2004 قبل الثورة الحالية بسبع سنوات»، وأن حزبه «قدم كثيرا من الشهداء على طريق النضال ضد النظام الديكتاتوري الحاكم».

ومن مقر إقامته بأحد فنادق مدينة أربيل بإقليم كردستان، التي يزورها بحثا عن دعم الأحزاب والقوى الكردستانية لأكراد سوريا لمواجهة ما يسميه بمحاولات تركيا لفرض هيمنتها على سوريا، وتحديدا على المناطق الكردية، التقت «الشرق الأوسط» بالقيادي الكردي السوري، وكان هذا الحوار.

* بصفتك رئيسا لأبرز الأحزاب الكردية السورية، ما هو الموقف المتبادل بينكم وبين تركيا حاليا؟

- حزبنا لا يعادي تركيا، وليس في نيتنا التدخل في الشأن الكردي هناك؛ بل إن تركيا هي التي تتدخل وبكل قوة في الشأن السوري، وهذا ما لا نريده، ولا نريد أن تمد تركيا يدها إلينا وتلوث بيوتنا بالدم.. ولكن ذلك لا يعني أننا نرفض التعاون معها على أساس مصالحنا المشتركة. فتركيا التي كانت تصف قيادات إقليم كردستان بأنهم مجرد رؤساء قبائل وعشائر، اضطرت أخيرا إلى الرضوخ للأمر الواقع، وتعاملت معهم بصفتهم قيادات سياسية لها دورها الفاعل في المنطقة. وعلى هذا الأساس نحن مستعدون لإجراء الحوار معها لأن هناك حدودا مشتركة بيننا تتطلب أن تكون علاقتنا متوازنة وطبيعية.

* وماذا عن المخاوف التركية من سيطرة حزبكم على مقاليد الإدارة والأمن في المناطق الكردية حاليا، وانفراده بحكم تلك المناطق مستقبلا عبر لجان الحماية الشعبية المسلحة، مما يثير مخاوف أنقرة.. خاصة أنها تعتبر الحزب جناحا سوريا لحزب العمال الكردستاني المعارض لها؟

- ليس هناك أي مبرر لمخاوف تركيا، فنحن ننظم أنفسنا بالداخل ونسعى إلى إعادة تأهيل الإدارات التي تخلت عنها أجهزة النظام، ونحاول أن نحمي مناطقنا لكي لا يدخلها من هب ودب من الجانب الآخر للحدود.. أما ما يتعلق بالاتهامات الموجهة إلينا، فإن تركيا دأبت على تسويق تلك الاتهامات منذ أمد بعيد، فالوجود الكردي يخوف تركيا أينما كان. ونتذكر أن سليمان ديميريل عبر عن ذلك بكل صراحة حينما قال بأنهم يخافون من الكردي الذي يطالب بحقوقه؛ حتى لو كان في جنوب أفريقيا.. هذه هي النظرة الرسمية للدولة التركية تجاه القضية الكردية، وأود أن أوضح وبكل صراحة بأننا في الحزب أيديولوجيا نحبذ فلسفة عبد الله أوجلان، ونستقي أفكارنا وطروحاتنا من أفكاره، ولكننا بالمقابل لا نتلقى الأوامر من أحد ولسنا على علاقة عضوية بأي حزب أو طرف كردستاني خارج إطار سوريا. نحن نتعامل مع الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني والعمال الكردستاني وكذلك مع أحزاب شرق كردستان بمعيار واحد يقوم على أساس علاقات التعاون والصداقة والمصير المشترك، ولا شيء أكثر من ذلك.

* تتحدث عن علاقات طبيعية مع الأحزاب الكردية الأخرى، ولكن هناك تقارير تتحدث عن مساعٍ من حزبي مسعود بارزاني (رئيس إقليم كردستان العراق) وجلال طالباني (الرئيس العراقي) لاستقطاب القوى الكردية السورية، بمعنى فرض كل واحد منهما هيمنته على بعض أطراف المعارضة الكردية بسوريا؟

- أكدنا - وما زلنا - أن القضية الكردية بسوريا شأن يهم شعبه بالداخل، ونرفض أي تدخل من أي جهة بفرض إرادتها أو أن تستقطب هذه الجهة أو تلك، فالحل يجب أن يكون كرديا محليا بالداخل.. فإذا استطاعت أية قوى أخرى أن تساعدنا وتدعمنا للحصول على حقوقنا القومية المشروعة فأهلا وسهلا، لأننا جميعا في سفينة واحدة. أما إذا كان الغرض هو الاستقطاب، فهذا أمر مرفوض تماما.

ومنذ البداية رفضنا المشاركة بالمجلس الوطني الكردي السوري لأننا شعرنا بوجود حالات من البعض لاستقطابه، وتوقعنا حتى حصول نزاعات بداخله، ولذلك تجنبنا الانضمام إليه. لقد طلبنا في بداية تأسيس المجلس أن تخصص نسبة 60 في المائة من عضويته للشخصيات المستقلة، ولكن ذلك لم يحصل، ولو حصل لما واجه المجلس كل هذه المشاكل والخلافات الحزبية. ولذلك شكلنا مجلس شعب غرب كردستان، وبعد ذلك شكلنا معا الهيئة الكردية العليا من المجلسين، ولم تكن لدينا أية مشاكل.. بل المشاكل بدأت في الجناح الآخر وهو المجلس الوطني الكردي بأحزابه، مما جعل من الهيئة الكردية هيئة «مشلولة»، ونحن لا نرغب في ذلك، بل نريد أن تكون هذه الهيئة جسما معافى. فإذا كانت هناك إرادة لتعافي الهيئة، فنحن مستعدون لكل أشكال التعاون والتنسيق لكي نجنب أنفسنا مشكلة الاستقطابات التي تتحدثون عنها، خاصة أننا مقبلون على مرحلة تاريخية مهمة يفترض أن نكون موحدين لكي نتحمل واجباتنا ومسؤولياتنا فيها.

* وماذا عن رفض حزبكم لأي تواجد للجيش الحر بالمناطق الكردية، ودخوله لمرات في مواجهات مع المسلحين القادمين إلى تلك المناطق؟

- نحن «الشعب الكردي» كنا جزءا من الثورة السورية، وما زلنا في ثورة ضد النظام. ومنذ البداية كان القرار الكردي هو ضرورة الالتزام بسلمية الثورة مع الاحتفاظ بحق الدفاع عن النفس، وهذا ما فعلناه في مناطقنا لحد الآن، خرجت مظاهرات بعشرات الآلاف إلى الشوارع، وما زالت تخرج في مناطقنا. وعندما اعتدت قوات النظام على المتظاهرين دافعنا عن شعبنا وسقط منا كثير من الشهداء. وهذا كان قرارنا بالأساس، لقد رفضنا تسليح المظاهرات لأننا أدركنا منذ البداية أنه إذا خضنا ثورة مسلحة فإن العدد الأكبر من الأسلحة موجود لدى السلطة، وأجهزتها الأمنية سوف تتعامل بمنتهى الوحشية مع المتظاهرين والمحتجين.. لقد كنا الطرف الأضعف من الناحية التسليحية، وكنا على قناعة بأننا في حال دخلنا نضالا مسلحا مع النظام كنا سنحتاج بالتأكيد إلى قوة خارجية لتقدم لنا السلاح، وهذا ما تجنبناه لأننا لم نرد أن يفرض علينا الآخرون إرادتهم وأجنداتهم كما يحصل اليوم. الخطأ لم يكن خطؤنا، الطرف الآخر بالمناطق العربية لم يستطع الحفاظ على سلمية الثورة ونجح الآخرون في جرهم إلى مثل هذا الوضع؛ وبالأخص تركيا التي نجحت في تحريف مسار الثورة السلمية. فما يحدث اليوم هو انحراف للثورة عن مسارها وتحولها إلى صراع على السلطة، وهذا ما يخوفنا من المستقبل.. الثورة الآن لم تعد تطالب بالحرية والديمقراطية، الآن هناك صراع على السلطة، هناك ناس يريدون أن يرحل ديكتاتور ليحل محله ديكتاتور أخر.

* لكن هذا «الموقف السلمي» منكم فسر لدى البعض بأنه تعاطف من حزبكم مع النظام الحاكم بدمشق، أي أنكم لم تفتحوا معه جبهة بالمناطق الكردية حتى لا تشغلوا قواته عن بقية المدن السورية؟

- عندما كان هذا النظام متحالفا مع النظام التركي ويمضيان فترة العسل بينهما على امتداد 14 عاما، كان هناك تعاون أمني واستخباري بينهما لملاحقة أعضائنا، وزج المئات من أنصارنا في سجون النظام، وقدمنا شهداء قضوا تحت أقبية المخابرات السورية.. نحن بالأساس بدأنا ثورتنا في 2004، أي قبل سبع سنوات من الثورة الحالية.. وهي ثورة لم تتوقف للحظة، تعرض أعضاؤنا إلى الاعتقال التعسفي. واليوم تعادي تركيا هذا النظام وتتدخل بشكل سافر في الشؤون الداخلية لبلدنا وتحاول أن تفرض نفسها على مستقبلنا.. لقد تمكنت تركيا في «مؤتمر الدوحة» من تعيين 41 عضوا من الإخوان المسلمين من أصل 63 عضوا، وفرضوا ثلاثة أعضاء من التركمان السوريين وتعدادهم لا يتجاوز مائة ألف، في حين قبلوا فقط بثلاثة ممثلين كرد لشعب تعداده يربو على ثلاثة ملايين ونصف مليون. والآن لنتساءل هل نحن نعتدي على تركيا ونثير مخاوفهم، أم هم يتدخلون بشؤوننا ويحاولون أن يرسموا حتى مستقبلنا؟

* هل هناك مشكلات بين حزبكم وبين الإخوان المسلمين في سوريا؟

- حزبنا لا يعادي الإخوان المسلمين.. نحن نحترم الأديان ونعتبرها قيما أخلاقية عبر التاريخ، ولكن أن يكون الدين وسيلة للسياسة هذا ما نعتبره خطأ. نحن لا نعادي الإخوان، ولكننا لا نقبل بأن يسودوا في المجتمع الكردي. لربما هناك مجتمعات ترضى بهم؛ هذا شأنهم، ولكننا لا نرضى أن يكون الدين أداة لركوب السياسة، وخاصة بمجتمعنا الكردي.

* كيف ترى المستقبل في سوريا؟

- (متشائما) لا يبشر بالخير.. فأنا أتوقع حدوث اقتتال داخلي أو حرب أهلية، سمها ما شئت، لأن بوادرها تظهر منذ الآن. ونحن الشعب الكردي سنحافظ على مناطقنا مهما كان الثمن إلى أن تستقر أوضاع سوريا وتتحول إلى دولة ديمقراطية حقيقية، تكفل للجميع حقوقهم المشروعة وحرياتهم السياسية والإنسانية.