من يخلف شافيز في حال وقوع الأسوأ؟

حرب بين أنصار الرئيس الفنزويلي ومعارضيه وواشنطن تدخل على الخط وتنفي تدبير أي «مؤامرة»

رجل يعرض ساعة عليها صورة لشافيز في كراكاس أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

بينما أعلنت الحكومة الفنزويلية أمس أن الرئيس هوغو شافيز يعاني من «مضاعفات» التهاب رئوي حاد أصابه بعد خضوعه لعملية جراحية ضد السرطان الشهر الماضي، ومع اقتراب موعد أداء الرئيس الذي أعيد انتخابه، اليمين، الخميس المقبل، تكثف الجدل حول الشخصية المحتمل أن تخلف الرئيس العليل في حال وقوع الأسوأ. وجاء هذا مع دخول واشنطن على الخط ونفيها وجود «أي مؤامرة» أو «حل مدبر» يعد لفنزويلا ما بعد شافيز.

وينص دستور فنزويلا على إجراء انتخابات جديدة خلال 30 يوما إذا لم يكن الرئيس قادرا على أداء القسم، أو توفي خلال أول أربع سنوات في السلطة. وفي حال نظمت هذه الانتخابات، فإن نائب الرئيس نيكولاس مادورو، يعد المرشح الأكثر ترجيحا للفوز بها، مدفوعا بتوصية قدمها شافيز لمواطنيه في الآونة الأخيرة بالتصويت لمادورو في حال بات هو عاجزا عن الاستمرار في مهامه. لكن المحللين يرجحون بقوة ترشح زعيم المعارضة أنريكي كابريليس، لتلك الانتخابات المفترضة، وربما حتى منافسة مادورو، وبالتالي تعويض خسارته عندما تحدى شافيز في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان هذا السياسي الوسطي قد قاد حملة حيوية وبكفاءة عالية، تحت مظلة تكتل من أحزب يسار الوسط ويمين الوسط (الوحدة الديمقراطية)، في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول)، مما مكنه من الحصول على نسبة 44 في المائة من الأصوات مقابل 55 في المائة للرئيس. واعتبرت تلك النتيجة التي حققها كابريليس قياسية، مما عزز موقعه كمعارض أول للسلطة. ثم إن تمكنه لاحقا في انتخابات الحكام التي جرت الشهر الماضي، من الاحتفاظ بمنصبه كحاكم لولاية ميراندا (شمال) الغنية (حاز 50.35 في المائة من الأصوات) وإلحاقه الهزيمة بنائب الرئيس السابق إلياس خوا، زاد من أسهم قدرته على لعب دور سياسي كبير في البلاد.

وتحسبا لتلك المنازلة السياسية، اشتعلت الحرب الكلامية بين الحكومة والمعارضة، تزامنا مع توالي الأخبار السلبية عن صحة الرئيس. فمن أمام كاميرات قناة «في تي في» الرسمية، اتهم مادورو، أول من أمس، المعارضة بالعمل على تقويض ثقة الشعب من خلال تناقل «الأكاذيب والتضليل»، بشأن مرض الرئيس شافيز. كما تلا وزير الإعلام ارنستو فياغاس بيانا حكوميا، مساء أول من أمس، حذر فيه الشعب الفنزويلي من الحرب النفسية التي قال إن وسائل الإعلام الدولية تشنها مستغلة صحة رئيس الدولة، وهدفها الأساسي «زعزعة استقرار» فنزويلا والإطاحة بـ«الثورة الاشتراكية» التي أعلنها شافيز. وجاء البيان بعد تشديد المطالبة في فنزويلا بنشر تفاصيل عن صحة شافيز وما إذا كان قادرا على أداء القسم الخميس المقبل لولاية جديدة من 6 سنوات.

واتهم مادورو مباشرة «مصادر في الولايات المتحدة» بالترويج لمعلومات كاذبة بشان صحة شافيز، فقال: «إننا نعلم أن تلك التلاعبات مصدرها الولايات المتحدة. إنهم يظنون أن فرصتهم قد حانت، وإننا نعيش فترة مجنونة نتعرض فيها لهجوم من اليمين هنا وعلى الصعيد العالمي»، دون أن يوضح ما إذا كان يقصد الحكومة الأميركية أو المعارضة الفنزويلية التي تنشط في أميركا الشمالية.

وتزامنا مع ذلك، نفت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند أي مؤامرة تحاك في الغرب، وأكدت أن ليس هناك «أي حل مدبر في الولايات المتحدة»، لذلك البلد. لكنها أقرت بوجود اتصالات مع فنزويليين «من مختلف التيارات السياسية». وقالت نولاند أيضا: «أي تحول سياسي في فنزويلا يجب أن يكون نتيجة قرارات يتخذها الفنزويليون. ليس هناك حل أميركي». وأضافت: «نحن نعمل على إقامة علاقات أكثر تعاونا. ونحن نرحب بالحوار مع الفنزويليين في أي وقت. وطبعا، نحن نرى أن أي تغيير في الحكم في فنزويلا يجب أن يكون حسب دستور فنزويلا، وحسب رغبة الفنزويليين».

ونفت نولاند أن الحكومة الأميركية تميل نحو جانب دون الآخر وسط المرشحين لخلافة شافيز. ورفضت نولاند، في المؤتمر الصحافي اليومي للخارجية الأميركية، الحديث عن صحة شافيز. وفي ردها على أسئلة متكررة من صحافيين يمثلون أجهزة إعلام فنزويلية، وأخرى من أميركا الجنوبية، قالت: «اسألوا حكومة فنزويلا. لا تسألوني أنا هنا».

وكانت العلاقات بين البلدين واشنطن وكراكاس قد ازدادت توترا مع نهاية العام الماضي بعد تصريحات الرئيس باراك أوباما التي وصفت سياسات شافيز بأنها «سلطوية»، وأنها «يمكن أن تضر بالعلاقات الثنائية» المتوترة منذ سنوات. وكان أوباما يتحدث في مقابلة مع قناة «يونيفيشين» التلفزيونية الأميركية المتخصصة في الشؤون اللاتينية. ورفض التكهن بوضع شافيز الصحي. لكنه قال إن مستقبل فنزويلا «يجب أن يكون في أيدي شعب فنزويلا». وأضاف: «رأينا من شافيز في الماضي اتباعه لسياسات سلطوية، وقمعه للتمرد (ضده في عام 2007)». وكان وزير الاتصالات في فنزويلا، ايرنستو فيليغاس، قال: «نرفض بقوة التصريحات الشائنة التي أدلى بها الرئيس الأميركي باراك أوباما بشأن الرئيس هيوغو شافيز، وبشأن وفنزويلا». وأضاف: «بهذه التصريحات غير الأخلاقية التي جاءت في هذا الوقت الحساس بالنسبة لفنزويلا، يتحمل الرئيس أوباما مسؤولية تدهور العلاقات الثنائية بشكل أكبر». وقال الوزير إن التصريحات تدل على «استمرار سياسة العدوان وعدم الاحترام تجاه بلادنا من قبل الولايات المتحدة».

وأمام الغموض السائد حول مرض الرئيس شافيز طالبت المعارضة بتوضيحات حول حالته الصحية واقترح عمدة كراكاس أنطونيو ليديسما، أول من أمس، إرسال لجنة سياسية وطبية تضم المعارضة إلى كوبا «للاطلاع على حالة الرئيس الصحية». وقد تكتمت السلطات على طبيعة السرطان وموضعه تحديدا في منطقة الحوض، بعد تشخيصه في يونيو (حزيران) 2011، ولم يظهر الرئيس الذي كان ينشط كثيرا قبل إصابته، منذ العاشر من ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وسرت شائعات الأحد حول وفاة الرئيس، 58 سنة، الذي يتولى الحكم منذ 1999، بعد أن أعلن نيكولاس مادورو تدهور حالته الصحية.

واستعدادا لأداء شافيز اليمين في العاشر من يناير (كانون الثاني) الحالي أمام الجمعية الوطنية، بعد فوزه الانتخابي الكبير في السابع من أكتوبر، تحدث نائب الرئيس مادورو ورئيس الجمعية الوطنية ديوسدادو كابيو، في أول الأمر عن احتمال إرجاء ذلك الموعد، لكن المعارضة أصرت على احترام الدستور. وفي غضون ذلك، اهتم مراقبون للشأن الفنزويلي بما يمكن أن يعنيه أي انتقال محتمل للسلطة في كراكاس على علاقة نظام شافيز بحلفائه في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصا إيران ونظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وبحسب تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» لم يتردد شافيز في ضم بلاده إلى الحلف المدعم «بالملموس» لنظام الرئيس السوري إلى جانب روسيا وإيران، مع اشتداد الخناق على نظام الأسد بفعل ضربات الثوار والعقوبات الدولية. وبحسب الصحيفة، فإن وثائق اطلعت عليها خلال الصيف الماضي أظهرت أن الرئيس شافيز أعطى أوامر لحكومته لتزويد نظام الأسد بكميات من وقود الديزل في صفقات أكدها علنا مسؤولو النظامين.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الصفقات تم ترتيبها بصفة تعطي فوائد أخرى تسمح بحماية احتياطات سوريا المتآكلة من النقد الأجنبي. كما تساعد حكومة شافيز نظام الأسد على الالتفاف على العقوبات الغربية بشراء النفط من سوريا والتعامل مع مؤسستين، هما البنك التجاري السوري و«سيترول»؛ شركة النفط الحكومية السورية. واللافت أن البنك وشركة النفط السوريين على قائمة الهيئات السورية المشمولة بالعقوبات الأميركية والأوروبية. واللافت أيضا، بحسب الصحيفة الاقتصادية المطلعة أنه بينما كانت قيمة التبادلات التجارية بين سوريا وفنزويلا عام 2010 لا تزيد على 6 ملايين دولار، فإن قيمة شحنات الوقود بلغت خلال منتصف العام الماضي فقط مئات الملايين من الدولارات.