المهاجرون الصينيون في إسبانيا يحققون نجاحات رغم الأزمة

عملهم لساعات طويلة وقلة اعتمادهم على الدولة مكناهم من فتح أعداد قياسية من المشروعات

الصينية وانغ، 24 عاما، تمارس 4 وظائف في برشلونةوترسل ألف يورو شهريا إلى والديها في بلدها الأم
TT

عندما انتقل والدا جياجيا وانغ إلى برشلونة لأول مرة قادمين من الصين في تسعينات القرن العشرين، لم تكن لديهما أوراق عمل ولم يكونا يتحدثان الإسبانية. اقتاتت الأسرة على البيض. عملت والدتها ووالدها لمدة 12 ساعة يوميا في مطعم صيني.

وبعد خمس سنوات، اشتروا مطعما خاصا بهم من الأموال التي اقترضوها من أقاربهما من دون فائدة. وعملت هي وأخوها في غسل الصحون. وكان والداها يفترشان مرتبة في حمام شقتهما الضيق، حتى يتسنى للأطفال الدراسة ليلا في الغرفة الأخرى.

اليوم، بينما يقترب معدل البطالة بين الشباب الإسبان من نسبة 50 في المائة، تعمل وانغ، 24 عاما، التي درست الاقتصاد بجامعة هارفارد في منحة جامعية مدتها عام واحد، بأربع وظائف: تدريس لغة الماندارين وتقديم الاستشارات للمستثمرين الصينيين في إسبانيا وإدارة دار نشر وكتابة روايات رومانسية. وترسل مبلغا قيمته 1000 يورو، أو نحو 1300 دولار شهريا، لوالديها اللذين تقاعدا العام الماضي، على سبيل المثال.

تعبر قصة أسرتها عن الطرق التي تمكن من خلالها 170 ألف مهاجر صيني في إسبانيا، ليس من التعامل مع اقتصاد متأزم فحسب، بل أيضا من الازدهار بقوة، مدعومين بكثافة العمالة والنموذج الكونفوشيوسي القوي للولاء للأسرة، بينما تركت البطالة وخفض الخدمات الحكومية إسبانا آخرين في حالة كفاح مرير.

تقول وانغ: «الأسرة الصينية أقل اعتمادا على الحكومة لأن الأسرة هي عبارة عن دولة الرفاهية والمصرف والخدمات الاجتماعية مجتمعة معا في وحدة واحدة». وتضيف: «بالنسبة للصينيين الذين مروا بضائقات في أرض الوطن، لا يمثل العمل لمدة 16 ساعة يوميا مشكلة، وهذا جعلنا أكثر مرونة في أوقات الأزمات».

يبدو أن الحكومة الإسبانية نفسها قد أدركت أهمية هذا النجاح. ونظرا لعزمها القوي على جذب المهاجرين الصينيين، مررت في نوفمبر (تشرين الثاني) قانونا يمنح تصاريح إقامة للأجانب الذين يشترون منازل تزيد أسعارها على 160 ألف يورو، سعيا لتحقيق هدف محدد هو جذب الاستثمارات الصينية والروسية، بحسب مشرعين.

في ظل سعي الإسبان الأكثر تضررا للاحتفاظ بكل من وظائفهم ومنازلهم، يبدأ المهاجرون الصينيون في برشلونة ومدريد مشروعات ويشترون عقارات كاسدة نتيجة انفجار فقاعة الإسكان في إسبانيا. ومن بين الأجانب البالغ عددهم 8613 الذين دشنوا مشروعات خلال الأشهر العشرة الماضية، كانت نسبة 30 في المائة، أو 2569 شخصا، من الصينيين، بحسب الاتحاد الوطني للعاملين بشكل حر.

وذكرت شركة العقارات «إنفو تشاينا جستيون»، الكائنة في مدريد التي تركز على المستثمرين الصينيين، أن عدد المنازل المبيعة بسعر يتراوح ما بين 70 و100 ألف يورو لصينيين قد زاد إلى قرابة الضعف العام الماضي، ليصل إلى 813 منزلا. وقالت شركة العقارات «مستر هاوس» في مدريد إنها كانت تبيع 10 منازل على الأقل شهريا لصينيين، غالبيتهم دفع على الأقل 80 في المائة من سعر المنزل نقدا.

تساعد أنواع العمل التي ينجذب إليها العديد من المهاجرين الصينيين في إبراز نجاحهم، إضافة إلى أخلاقيات عملهم. وفي فترة أزمة اقتصادية، أصبحت الدكاكين وصالونات تصفيف الشعر ومحلات السوبر ماركت المملوكة لصينيين ذات هامش الربح المنخفض مصدر جذب للمستهلكين الإسبان الواعين جيدا بأسعار المنتجات.

«لولا المتاجر الصينية، لكانت صعوبة العيش قد ازدادت بالنسبة لنا».. هذا ما قالته إستر مادويرغا، 30 عاما، التي تعمل بائعة بأحد متاجر الأحذية الرياضية، بينما كانت تفحص ورق الملاحظات والأحزمة الجلدية وتماسيح بلاستيكية في متجر «وان هاندرد آند مور» المملوك لصينيين هنا.

وقال شي لي هي، 26 عاما، مدير المتجر ومسؤول الخزينة، إن العمل منتعش، ويرجع ذلك جزئيا إلى قيامه بتخفيض الأسعار عن طريق استيراد سلع رخيصة الثمن من الصين. عندما حاول شي، الذي تخرج لتوه في كلية إدارة الأعمال، النهوض بوظيفة بإحدى شركات التجزئة الإسبانية الضخمة، قال إن والدته زادت أجره إلى الضعف. وقد زود نوع النجاح الذي حققه المهاجرون الصينيون بقاعدة لأنواع من الاستثمارات الإضافية من الصين التي ضخت الحياة في اقتصاد إسباني كان مصيره الركود.

قبيل انفجار أزمة إسبانيا في عام 2008، كان الاستثمار الأجنبي الصيني في إسبانيا عديم القيمة. وفي العام الماضي، زاد حجم الاستثمار ليصل إلى 70 مليون يورو، بحسب وكالة الاستثمار الحكومية «آي سي إي إكس».

وقالت إيفانا كاسابوري، أستاذة التسويق الدولي بكلية «إيساد» لإدارة الأعمال في برشلونة، إن الشركات الصينية قد انجذبت لإسبانيا لأنها أتاحت بوابة منخفضة التكلفة لدخول الاتحاد الأوروبي، أكبر التكتلات التجارية في العالم. وقالت إيسلا راموس شافيس، الموظفة بشركة تصنيع الكومبيوتر الصينية «لينوفو»، إنه حتى مع الأزمة، ظلت إسبانيا – رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو – سوقا بدت الشركات الصينية متلهفة على اختراقها. وأضافت أن الشركات متعددة الجنسيات الصينية في إسبانيا تثبت قوتها، وهو الأمر الذي يرجع نوعا ما إلى كونها مدعومة بسوق محلية ضخمة في أرض الوطن.

وقال مسؤولون تنفيذيون بشركة «هاير»، وهي شركة الأجهزة المملوكة لصينيين، إن الأزمة الاقتصادية، بدلا من أن تشكل عائقا، وفرت فرصة، حيث إن الإسبان كانوا مستعدين للتفكير في الغسالات ذات الأسعار التنافسية وأجهزة التكييف، حتى لو كانت أسماؤها التجارية أقل شهرة. وقال سانتياغو بيلينغير، المدير العام لمكتب عمليات شركة «هاير» في إسبانيا: «إنني لست واثقا مما إذا كنا سنحقق النجاح في حالة استقرار السوق ونموها أم لا».

إن نجاح الوافدين الجدد الصينيين لإسبانيا لم يشر إلى نوع رد الفعل المعادي للمهاجرين الذي نراه في بعض أجزاء أوروبا التي تعاني من أزمات مالية مثل اليونان. وقال خبراء في شؤون الهجرة إن اتجاه إسبانيا المرحب نسبيا يعكس سياستها الانفتاحية الجديدة بعد القمع في سنوات حكم فرانكو، حينما كانت دولة هجرة. ومنذ اندلاع الأزمة، ساعدت عودة الآلاف من المهاجرين الأميركيين اللاتينيين إلى بلادهم الأم قادمين من إسبانيا في تخفيف حدة الضغط الواقع على كاهل القوى العاملة. وهذا لا يعني أن الجميع قد أيد نجاح الصينيين، ويشكو البعض من ترويج صورة نمطية عن الصينيين والاستهداف من قبل سلطات تطبيق القوانين.

في أكتوبر (تشرين الأول) ألقت الشرطة القبض على 80 شخصا ضمن حملة وطنية صارمة ضد العصابات الإجرامية الصينية المتورطة في جرائم غسل أموال وتهرب ضريبي. وصرحت الشرطة بأن انخفاض أسعار المنتجات الصينية قد أغرى بعض المستوردين بعدم الإعلان عن الشحنات القادمة من الصين، ومن ثم التهرب من الضرائب.

وهنا في برشلونة، قال خوسيه رودريغيز، صاحب «بورتا غاليغا»، المقهى التقليدي الكائن في حي إيكسامبل، إن الأسعار المخفضة لكل السلع بدءا من البيرة إلى الشامبو في المتاجر المملوكة لصينيين قد جعلت دخول الإسبان المنافسة مهمة مستحيلة. وهناك 12 مقهى تاباس مملوكا لصينيين على الأقل بالقرب من بنايته. وأضاف أنه قد يبيع مطعمه الخاص لمشترين صينيين بـ«السعر المناسب».

* ساهمت سيلفيا توليس في كتابة هذا التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»