خبراء استراتيجيون لـ«الشرق الأوسط»: عرض «العضلات» العسكري قرب سوريا لا ينبئ بتدخل غربي للحسم

قالوا إن المناورات الروسية وصواريخ الناتو لـ«تحسين» شروط كل فريق قبل «مرحلة التفاوض»

TT

لا يغير «عرض العضلات العسكرية» قرب الحدود السورية، من قبل الأطراف الدولية المعنية بالملف السوري، من واقع عدم استعداد أي جهة غربية للقيام بتدخل عسكري يحسم الأزمة المستمرة منذ منتصف شهر مارس (آذار) 2011، سواء لصالح نظام الرئيس السوري بشار الأسد أو لصالح المعارضة.. لكن خبراء ومحللين عسكريين لا يجدون في ظاهرة الاستنفار العسكري من خلال المناورات المتاخمة لسوريا - خلال الأشهر الأربعة الأخيرة - إلا «عروض قوة تسبق الدخول في عملية التفاوض بهدف تحسين شروط كل طرف».

وفي موازاة استمرار عمليات «الكر والفر» ميدانيا في سوريا، ودخول المعارضة السورية المسلحة في مرحلة السيطرة على المطارات العسكرية والمدنية في الأسابيع الأخيرة، تحشد الدول المعنية بالملف السوري قدراتها العسكرية على الحدود، من دون أن يعني ذلك استعدادها لأي تدخل. وفي حين تستعد روسيا لإجراء أكبر مناورات بحرية منذ أربعة عقود، بعد مناورات إيرانية سبقتها مناورات مماثلة أميركية وأطلسية، وصلت أمس كتيبة من الجيش الأميركي إلى جنوب تركيا للمساعدة في نصب مظلة صاروخية على طول الحدود السورية - التركية.

ورغم أن الجنود الأميركيين سينصبون بطاريتي «باتريوت»، بعد أن أعلنت ألمانيا وهولندا عن استعداداتهما لخطوة مماثلة، لكن وزير خارجية ألمانيا غيدو فيسترفيله أكد أمس في تصريح صحافي «رفض تدخل حلف الناتو عسكريا في سوريا». وقال إنه «ليس وحده من يعتقد ذلك»، معتبرا أن نظام الأسد «يتأكل بسرعة متزايدة من دون تدخل عسكري»، بالتزامن مع إعلان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في كلمة له أن أيام الأسد أصبحت «معدودة».

ورغم وضع القوى الدولية المعارضة للأسد جنودها على الأراضي التركية من جهة، إلى جانب ما تؤكده تقارير غربية من وجود استخباراتي قوي - سواء في الداخل السوري أو على الحدود - لكن الباحث اللبناني وأستاذ العلاقات الدولية الدكتور سامي نادر يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الغرب، وتحديدا الولايات المتحدة الأميركية، لا يريد التدخل العسكري في سوريا». ويشير إلى أنه «لا قابلية لدى الرئيس الأميركي باراك أوباما للتدخل العسكري، رغم إعلان واشنطن (جبهة النصرة) منظمة إرهابية»، معربا عن اعتقاده أن «كل ما يحصل يتم في إطار المواجهة مع إيران».

ويعتبر نادر أن «الأميركيين لا يريدون أي تدخل عسكري مباشر في سوريا؛ لئلا يوحي ذلك بفتحهم جبهة مع إيران»، لافتا إلى أنهم «يحاولون من خلال ما يجري في سوريا، وكذلك في العراق، استنزاف إيران لإضعاف موقفها وجرها إلى طاولة المفاوضات». وذكر بأن أوباما «التزم بأن إيران لن تكون نووية، لذلك يود إعطاء فرصة للمفاوضات قبل الوصول إلى مرحلة الخيارات الحاسمة».

وفي سياق متصل، يعرب الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد اللبناني المتقاعد أمين حطيط، عن اعتقاده أن «الولايات المتحدة ليست مستعدة لأي تدخل عسكري، وهي تكتفي بالدعم السياسي وتشجيع الدول التي تدعم الحركة المسلحة، من دون أن تساهم مباشرة في الأزمة السورية أو تقدم أي عطاءات مجانية».

وفي حين يشير نادر إلى وجهة نظر أخرى، لا يتبناها لكن تداولتها بعض وسائل الإعلام العالمية، وتتحدث عن «وساطة روسية بين الأميركيين والإيرانيين للقيام بمقايضة، حيث تتعهد إيران بتوقيف تخصيب اليورانيوم والتزام المقررات الأممية بشأن ملفها النووي، مقابل إطلاق يد النظام السوري في سحق المعارضين من دون اللجوء إلى الأسلحة الكيماوية»، يستبعد حطيط كليا «أي استعدادات لحرب إقليمية في الوقت الحاضر»، معتبرا أن «الحشد العسكري هدفه جمع أوراق القوة قبل الدول في أي تفاوض بشأن سوريا».

وفي موازاة تمييز حطيط بين مناورات «تدريبية» هدفها «اختبار القدرات الذاتية» وأخرى «دفاعية» ترمي لـ«توجيه رسائل سياسية»، يوضح أنه «بعد مناورات أميركية وأطلسية سابقة هدفت للضغط على محور يحتضن سوريا استجابة لتمنيات أميركية وغربية، من دون أن تثمر، تسعى المناورات الروسية، وهي الأضخم منذ عقود، لتثبيت موقع روسيا الاستراتيجي بين القوى العظمى وعلاقتها الندية مع القوى الأخرى».

ويقول حطيط إن «إيران وروسيا استفادتا كثيرا من الأزمة السورية، إذ أتاحت لهما الفرصة للعب دور في النظام العالمي الجديد قيد التشكل»، واضعا إياهما اليوم في إطار «تثبيت مواقعهما الاستراتيجية بالاستناد إلى قوتيهما العسكرية، انطلاقا من أنه على من يستعد للتفاوض أن يحمي قراره بورقة قوة ميدانية».

وعلى الرغم من اعتراف واسع بصمود المعارضة السورية وتمكنها من تحقيق تقدم ميداني، وإن كان بخطى بطيئة، لكن حطيط يعتبر أن «إمكانية تحقيق الجماعات المسلحة لانتصارات استراتيجية مؤثرة باتت غير ممكنة، في ظل تراجعها المذهل في الأسابيع الأخيرة». ويشدد على أن «أحدا ليس جاهزا اليوم للحل السياسي»، مستنتجا بالتالي أن «مخرج الأزمة السورية بحاجة للتفاوض من أجل تكريس الواقع وفق ما يقرره الميدان».