تصريحات العريان بشأن اليهود تثير حالة من الجدل في مصر

65.000 يهودي تركوا مصر منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948

TT

أثار الدكتور عصام العريان، وهو عضو بارز في جماعة الإخوان المسلمين ومستشار الرئيس الإسلامي محمد مرسي، حالة من الجدل الشديد في مصر، بعدما طالب اليهود المصريين في إسرائيل بالعودة إلى وطنهم الأصلي لأن إسرائيل لن تدوم طويلا ولأن مصر قد أصبحت دولة ديمقراطية.

وقد وضعت هذه التصريحات المتلفزة جماعة الإخوان المسلمين التي تتولى السلطة في مصر في موقف محرج للغاية وأثارت موجة من الانتقادات الشديدة من جانب معارضي الجماعة، وبعض حلفائها أيضا، في الوقت الذي تنصلت فيه رئاسة الجمهورية من هذه الدعوة، وقالت إنها تمثل وجهة النظر الخاصة بالعريان، بحسب وكالة «أسوشييتد برس».

وانتقد البعض جماعة الإخوان المسلمين لمحاولتها الظهور بمظهر المتسامح مع اليهود، في الوقت الذي تشعر فيه الأقليات الدينية الأخرى في مصر، ولا سيما الأقباط، بقلق متزايد بشأن مستقبلهم في ظل الحكم الإسلامي الجديد والدستور الذي يميل إلى الترسيخ لدولة دينية.

ويرى آخرون أن هذه التصريحات تأتي كنوع من أنواع التواصل مع الصهاينة، وكمثال جديد على كيفية تعامل الإخوان المسلمين مع الأوقات العصيبة التي يمرون بها بهدف خلق نوع من التوازن بين خطابها المعادي لإسرائيل واليهود منذ فترة طويلة ومسؤولياتها الجديدة منذ وصولها إلى سدة الحكم، ففي ظل قيادة مرسي، الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، واصلت الحكومة المصرية التعاون مع إسرائيل وحافظت على اتفاقية السلام بين البلدين، وساعد مرسي خلال الشهر الماضي في التوسط لوقف إطلاق النار بين حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل.

وقد حذر البعض من أن تصريحات العريان سوف تفتح الباب أمام مطالبة اليهود المصريين بتعويضات عن الممتلكات التي أخذت منهم أو التي تركوها عندما رحلوا عن مصر، ومن الممكن أيضا أن تقوض حق الفلسطينيين في العودة إلى منازلهم في إسرائيل. وقد أدت تصريحات العريان إلى حالة من الغضب الشديد بين بعض المصريين، للدرجة التي جعلت أحد السياسيين الإسلاميين المتشددين يقوم بتهديد أي يهودي سيعود إلى مصر.

وكان هناك بعض الأصوات القليلة التي دعت مصر إلى النظر مرة أخرى في معاملتها لليهود في الماضي، بما في ذلك الأسباب وراء رحيلهم أو طردهم، وما إذا كان لهم حق العودة أم لا. وخلال حديثه لقناة «أون تي في» الخاصة، طالب المؤرخ خالد فهمي بأخذ تصريحات العريان في الحسبان، قائلا: «إنني آخذ هذه الدعوة على محمل الجد، وأود أن نتعامل معها على أنها دعوة محترمة، تخاطب الأخلاق والمبادئ العالية». وقال فهمي إنه يتعين على المصريين أن يتحدثوا بشأن «الضرر الذي لحق باليهود المصريين» في الماضي، والنظر إليهم على أنهم ما زالوا يحملون الجنسية المصرية، مضيفا: «أود أن يتم طرح ذلك للمناقشة العامة».

وقد ترك اليهود مصر منذ أكثر من 60 عاما بسبب حالة العداء الشديدة بين مصر وإسرائيل. وتشير التقديرات إلى أن نحو 65.000 يهودي قد تركوا مصر منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، واتجه معظمهم إلى أوروبا والدول الغربية، في حين استقر عدد قليل منهم في إسرائيل. ومن الأسباب الرئيسية التي أدت إلى هجرة اليهود تلك المشاعر القومية المتأججة خلال الحروب العربية الإسرائيلية والتضييق عليهم وطردهم وترحيلهم بشكل مباشر من قبل الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر، فضلا عن الهجوم على الممتلكات اليهودية، والتي اتهمت جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف وراء بعضها، قبل أن تتخلى عن العنف منذ السبعينات من القرن الماضي.

وفي الوقت الراهن، لا يوجد في مصر سوى عدد قليل للغاية من اليهود المسنين، علاوة على عدد من المعابد اليهودية التي تخضع لحراسة مشددة ولا تفتح أبوابها إلا لليهود.

وكان العريان، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، قد أدلى بهذه التصريحات المثيرة للجدل خلال برنامج حواري على قناة «دريم» الخاصة، حيث قال: «أتمنى عودة اليهود إلى بلادنا، حتى يفسحوا المجال لعودة الفلسطينيين إلى بلادهم، وأن يعود اليهود إلى وطنهم الأصلي في ظل الديمقراطية الحالية في مصر. أنا أدعوهم للعودة الآن، فمصر أحق بهم. لماذا يعيشون في كيان عنصري واحتلال، وتكون أيديهم ملطخة بجرائم الحرب التي سيعاقبون عليها ويعاقب عليها كل قادة الاحتلال». وأضاف في تصريحات منفصلة أن «المشروع» الصهيوني سوف ينتهي.

ولم تؤد هذه التصريحات إلى جدل كبير في إسرائيل، كما لم تصدر أي تصريحات رسمية بشأنها ولم تتطرق إليها وسائل الإعلام الإسرائيلية كثيرا، ولكنها أثارت حالة كبيرة من السخرية والجدل في البرامج التلفزيونية والصحف ومواقع التواصل الاجتماعي في مصر.

ومن جهته، وصف الكاتب المصري الساخر بلال فضل هذه التصريحات بالنفاق، نظرا لأن مسؤولين آخرين في جماعة الإخوان المسلمين قد أدلوا بتصريحات أخرى يتهمون فيها مسيحيي مصر بتهديد شرعية مرسي كرئيس للبلاد، وهو ما أثار حالة من الغضب ضد الأقلية القبطية.

وكتب فضل في صحيفة «الشروق» اليومية يوم الخميس يقول: «كيف يمكنني أن أصدق أن العريان متسامح وسط كل هذه التصريحات الطائفية من جانب قادة الجماعة والشيوخ الآخرين الذين يسعون جميعا لطرد المسيحيين خارج مصر مثل اليهود».

وقال الإعلامي المعروف بتوجهاته الليبرالية ومعارضته الشديدة للرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين يوسف الحسيني إن العريان يظهر تسامحا مزيفا تجاه اليهود بهدف استرضاء إسرائيل والولايات المتحدة، ولو أدلى أي ليبرالي بهذه التصريحات لتم اتهامه بالخيانة ودعوة اليهود للعودة لمصر.

وقال الحسيني في برنامج حواري صباح يوم الأحد الماضي: «هل يغازل العريان الكيان الصهيوني ويريد طمأنتهم من الإخوان المسلمين، أم يغازل الرئيس الأميركي أوباما بعد منحه للإخوان مليار ونصف المليار دولار لدعمهم في الانتخابات الرئاسية». ويوم الثلاثاء الماضي، قال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة ياسر علي إن الرئاسة غير مسؤولة عن تصريحات العريان، مضيفا: «إنها تمثل وجهة نظره الشخصية».

ومن جهته، وصف الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب محمد سلماوي تصريحات العريان بـ«الهذيان»، وتساءل: «ما هذا الفهم السطحي للأمور الذي يقترب من حد السذاجة؟ فمن قال إن مشكلة الفلسطينيين هي عدم وجود مساحة تسعهم في إسرائيل وإن هجرة بعض اليهود إلى مصر ستحل مشكلتهم؟ إن ما يريده اليهود الذين كانوا يقيمون في مصر ليس العودة إليها خاصة في ظل الظروف الحالية، وإنما التعويض عن ممتلكاتهم فيها».