الدراجات النارية في اليمن «قوت» آلاف و«موت» آخرين

وزارة الداخلية تشن حملة لمكافحتها والسائقون يعارضون

رجل أمن يمني يستوقف سائق دراجة نارية «أجرة» في صنعاء أمس مع تزايد عمليات الاغتيال التي شهدتها البلاد باستعمال هذه المركبات (رويترز)
TT

نفذت وزارة الداخلية اليمنية حملة واسعة لضبط الدراجات النارية غير المرخصة التي استخدمت خلال الأشهر الماضية في عشرات عمليات الاغتيال التي استهدفت ضباطا في الجيش والأمن والمخابرات، كما نجم عنها عشرات الضحايا في حوادث مرورية.

وأصبحت للدراجة النارية أو «الموتر» كما يسميه اليمنيون، أهمية بالغة في التنقل بعد اختناق العاصمة وعدد من المدن اليمنية بأعداد هائلة من المحتجين على النظام السابق مطلع عام 2011، وبعد تفجر أعمال العنف في أكثر من مدينة يمنية، وخاصة العاصمة صنعاء. وبفعل إغلاق المحتجين لعدد من شوارع العاصمة التي نصبوا فيها خيامهم لم يعد من السهل التنقل باستعمال السيارات أو الحافلات الكبيرة، أو التكاسي في كثير من الحالات، وهو الأمر الذي أدى إلى كساد في سوق النقل داخل العاصمة بالنسبة لهذه المركبات. وإذا كانت «مصائب قوم عند قوم فوائد»، فإن خسارة أصحاب المركبات الكبيرة والمتوسطة جاءت لصالح عدد كبير من الفقراء والعاطلين عن العمل، الذين وجدوا في قيادة الدراجات النارية وسيلة للحصول على دخل معقول، حيث تقوم مقام سيارات الأجرة في نقل الزبائن من وإلى أماكن يصعب أحيانا الوصول إليها. والدراجات النارية تعد الأكثر قدرة على الالتفاف على النقاط العسكرية والحواجز الأمنية، وأماكن الزحام الكبير.

ونظرا لتزايد استعمال الدراجات النارية في المواصلات لآلاف الأشخاص، أو كمصدر دخل لآلاف آخرين، فقد تضاعف عدد الدراجات المستخدمة لنقل الأفراد من 100 ألف إلى أكثر من 250 ألف دراجة ما بين عام 2010 حتى اليوم.

لكن هذه الدراجات التي هي في معظمها قديمة وفي حالة سيئة، تحولت في الآونة الأخيرة إلى كابوس يؤرق السلطات الأمنية، وتزايدت في الآونة الأخيرة الحوادث المرورية التي راح ضحيتها بسبب هذه الدراجات العشرات، وكشفت إحصاءات مرورية عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة نحو 1150 آخرين عام 2012؛ نتيجة تعرضهم لحوادث صدم ارتكبها سائقو الدراجات النارية.

أما على جانب الاغتيالات فقد استعمل مسلحون الدراجات النارية لاقتناص عدد من الضباط العسكريين والأمنيين، حيث استخدمت الدراجات النارية العام الماضي في ارتكاب 66 حادثة اغتيال قتل فيها 40 عسكريا ينتمون للجيش والأمن وأجهزة الاستخبارات اليمنية، كما قتل أربعة مواطنين وأصيب العشرات من العسكريين والمدنيين، وأوضح تقرير لوزارة الدفاع اليمنية أن ما يزيد على 95 في المائة من جرائم القتل والشروع بالقتل التي كانت الدراجات النارية طرفا فيها ذات طابع إرهابي.

وأوضح اللواء عبد الرحمن حنش وكيل وزارة الداخلية لقطاع الأمن العام، في مؤتمر صحافي أمس، أن حملة وزارة الداخلية لضبط الدراجات النارية المخالفة ستستمر «حتى الانتهاء من ترقيم جميع الدراجات». وقال في هذا السياق إن «الدراجات النارية أصبحت مصدر قلق للأجهزة الأمنية؛ لأن هناك جماعات متطرفة تستخدمها لاغتيال مسؤولين أمنيين كما حدث خلال الأشهر الأخيرة الماضية». ودعا حنش جميع اليمنيين «للتعاون من أجل اجتثاث هذه الظاهرة»، لكن أصحاب الدراجات النارية لا يشاطرون حنش هذا الرأي.

يقول خالد الحيمي وهو سائق دراجة نارية في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»: «في الوقت الذي كان من المستحيل فيه الوصول إلى حي الجامعة القديمة في الطريق الدائري القادم من حي الجامعة الجديدة عبر السيارات خلال العام الماضي، كنت أقوم بإيصال زبائني من أحد الحيين إلى الآخر في أقل من خمس دقائق، وبتكلفة لا تذكر مقارنة مع تكلفة سيارات الأجرة». ويضيف: «هذه الوسيلة مصدر رزق آلاف الناس، كيف يمكن للحكومة أن تقفل هذا الباب دون إيجاد بدائل».

ومعظم هذه الدراجات غير مرقمة، وقدمت عن طريق التهريب، مما يصعب عملية الوصول إلى سائقيها لتسجيل مخالفات مرورية أو لتتبعهم في حالة عمليات الاغتيال السياسي، وهو الأمر الذي جعلها الوسيلة المثلى للعاطلين عن العمل لتحصيل ما يعولهم ويعول أسرهم، كما جعلها وسيلة ذهبية بالنسبة لـ«القاعدة» لتنفيذ عمليات اغتيال أقل كلفة ضد قيادات أمنية وعسكرية يمنية، حيث لوحظ في الآونة الأخيرة تركيز «القاعدة» عليها في مقابل وسيلتها التقليدية المتمثلة في الأحزمة الناسفة والعمليات الانتحارية. وكانت السلطات اليمنية أعلنت الشهر الماضي عن إجراءات غير مسبوقة للحد من ظاهرة انتشار الدراجات النارية بعد أن اقترنت بعمليات اغتيالات لسياسيين وقيادات عسكرية وأمنية، بالتزامن مع لجوء عناصر «القاعدة» لاستخدامها كوسيلة تنقل تصعب متابعتها من قبل الأجهزة الأمنية. وحث مصدر في وزارة الداخلية سائقي الدراجات النارية على «الالتزام بالقوانين المرورية وآداب الطريق وعدم التمادي في المخالفات المرورية؛ حفاظا على سلامة جميع مستخدمي الطريق.

وأرجع المصدر سبب هذه الحوادث إلى «الوضع غير القانوني» للدراجات النارية المنتشرة في المدن الرئيسية.

يذكر أن العاصمة صنعاء تصدرت قائمة حوادث اغتيالات عام 2012 بواقع 18 جريمة، تلتها محافظة لحج بعدد 15 جريمة، ثم محافظتا حضرموت وتعز بعدد 10 جرائم لكل منهما، وست جرائم بمحافظة الضالع، فيما توزعت بقية الجرائم وعددها 7 على محافظات عدن، البيضاء، أبين، وذمار.