الجيش العراقي.. من فوج «موسى الكاظم» إلى «فرق الموت»

اليوم تصادف ذكرى تأسيسه عام 1921 وسط مخاوف من تحوله لأداة لقمع الشعب

استعراض للجيش العراقي في ذكرى تأسيسه في 6 يناير 1921 (أ.ب)
TT

منذ نحو عقد من السنين تجري السلطات العراقية احتفالات خجولة بذكرى عيد الجيش العراقي يوم السادس من يناير (كانون الثاني) من كل عام. ففي مثل هذا اليوم عام 1921 تشكلت أولى قطعات الجيش العراقي «فوج موسى الكاظم».

وفي عام 2003 وعقب وصول الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر في مايو (أيار) من ذلك العام وبعد نحو شهر ونصف من سقوط بغداد على يد القوات الأميركية كان الإجراء الأول الذي قام به بريمر هو حل الجيش العراقي بكامل تشكيلاته. وبذلك وجد نحو مليون مقاتل من أفراد هذا الجيش من رتبة جندي مكلف حتى رتبة فريق أول أنفسهم في المجهول بلا رواتب ولا حقوق ولا غطاء. وحيث إن الغالبية العظمى من قياداته ورتبه كانوا من كبار البعثيين فإن بريمر اتخذ قرارا آخر وهو حل حزب البعث وابتكار مفردة جديدة دخلت لأول مرة القاموس السياسي العراقي وهي «الاجتثاث». وبذلك وجد ضباط هذا الجيش وأعداد كبيرة حتى من ضباط صفه أنفسهم مشمولين بالطرد مرتين.. مرة بوصفهم ضباطا أو ضباط صف ينتمون إلى الجيش العراقي «المنحل» ومرة باعتبارهم بعثيين ينتمون إلى حزب البعث «المجتث».

وبين مفردتي «الحل» و«الاجتثاث» دارت رحى معارك عنيفة طوال السنوات العشر الماضية سالت فيها دماء كثيرة بعد أن اتخذت تلك المعارك تسميات مختلفة من المقاومة إلى الإرهاب إلى تسميات أخرى وجد ملايين العراقيين ممن هم ليسوا بعثيين ولا عسكريين وقودا لها خلال سنوات العنف الطائفي. حين كان بريمر حاكما على العراق لم تكن الطبقة السياسية العراقية التي تمسك الآن بزمام السلطة في البرلمان والحكومة قادرة على أن تعترض على أي قرار يتخذه بريمر لا نصحا ولا اعتراضا حتى لو كان خجولا. ولم يكن بريمر صلفا فقط في التعامل مع ملفات الدولة العراقية التي كان قد مضى على تأسيسها آنذاك نحو 80 عاما بل كان صلفا حتى في التعامل مع «القادة» العراقيين من الذين وصفهم في مذكراته «عام قضيته في العراق» بأنهم كانوا يتزاحمون على بابه في محاولة لإرضائه. بعد سنة غادر بريمر واختفى من المشهد على المستوى الشخصي لكن قراراته وإجراءاته لا تزال ماثلة للعيان في كل ما انطوت عليه من دمار لبنية دولة قضى عليها بجرة قلم بينما تحول كبار قادة المعارضة العراقية ممن يحلو للكثيرين منهم اليوم وبعد أن أمسكوا بتلابيب السلطة شتم بريمر ولعنه على المنابر.. تحولوا أيامه إلى شهود زور لما كان يوقعه من قرارات لها قوة المراسيم الرئاسية، في حين ذهب البعض منهم إلى ما هو أبعد من ذلك عندما كانوا يرقصون فرحا بقرارات بريمر.

بعد سنوات أدرك الجميع الحاجة إلى بناء جيش عراقي جديد مثلما كان عليه الأمر في الماضي. فالفوج الأول الذي شكل منه الجيش العراقي على أيدي الضباط العراقيين السنة آنذاك سمي فوج «موسى الكاظم». يقول عضو البرلمان العراقي عن القائمة العراقية والضابط السابق في الجيش العراقي حامد المطلك في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «الآباء المؤسسين الأوائل للجيش العراقي وفي مقدمتهم جعفر العسكري ونوري السعيد وبكر صدقي إنما أسسوه على أسس وطنية ومهنية واحترافية دون النظر إلى أي خلفية عرقية أو مذهبية ولذلك نجح هذا الجيش على امتداد تاريخه الطويل في أن يكون جيشا لكل العراقيين». ويضيف المطلك الذي كان يحمل رتبة «لواء» في الجيش العراق أن «المهمات التي كان يؤديها الجيش العراقي كانت عراقية وطنية وقومية خالصة لذلك فإنه حمى حدود العراق ومياهه وسماءه وأرعب كل من كان يطمح في أرض العراق ومقدراته ولقن الأعداء دروسا لن ينسوها». وأشار إلى أن «التاريخ القتالي للجيش العراقي بطولي بامتياز سواء تذكرنا حروب العرب مع إسرائيل منذ عام 1948 وحتى 1973 حيث كانت له صولات معروفة في جنين والضفة الغربية والجولان وغيرها بالإضافة إلى الحرب العراقية - الإيرانية». وحول الوضع الحالي للجيش العراقي يقول المطلك إن «المشكلة التي نواجهها الآن هي أن الجيش الآن بدأ يتحول إلى أداة قمع للمواطنين حيث إن الجيش الذي جرى تأسيسه بعد عام 2003 لم يبن على أساس التوازن الوطني الأمر حيث تم زجه في قضايا لا تليق بسمعة الجيش العراقي إلى حد أن مات الكثير من المواطنين تحت التعذيب على يد هذا الجيش الجديد فضلا عن عمليات الاعتقالات والمداهمات» مؤكدا أن «الأمر الغريب أن الجيش العراقي الذي حمل اسم موسى الكاظم بات يحمل الآن أسماء الفرقة القذرة وفرق الموت وغيرها من التسميات».

من جهته أكد المتحدث باسم كتلة التحالف الكردستاني في البرلمان العراقي مؤيد طيب أن «الكرد كمواطنين عراقيين كانوا قد أسهموا في تأسيس الجيش العراقي سواء في عام 1921 أو بعد عام 2003 وبالتالي فإنه من هذه الناحية مصدر اعتزاز لهم». وأضاف طيب لـ«الشرق الأوسط» أن «المشكلة التي نواجهها الآن أن الجيش العراقي الذي سبق لصدام حسين أن اتخذه أداة قمعية ضد الشعب يعاد إنتاجه الآن على يد الحكومة وهو ما يجعلنا نتخوف مما يجري حاليا».