واشنطن تتجه لحظر اقتصادي شامل على طهران بتوقيع عقوبات تستهدف صناعتها

مؤسسة بحثية: الإجراءات الجديدة تستهدف قطاعات كاملة من الاقتصاد الإيراني للتأثير على التجارة الخارجية

التلوث يخيم على طهران أمس حيث أفاد تقرير أول من أمس بأن التلوث في إيران أدى إلى وفاة 4460 إيرانيا العام الماضي (أ.ف.ب)
TT

وسعت عقوبات أميركية جديدة تستهدف قطاعات كبيرة من البنية التحتية الصناعية في البلاد جبهة الصراع الاقتصادي المتنامي مع إيران، رغم تصريحات القادة الإيرانيين باستعدادهم لاستئناف المفاوضات حول البرنامج النووي لبلادهم.

وعلى الرغم من ترنح الاقتصاد الإيراني بالفعل جراء العقوبات السابقة، تهدف التدابير الجديدة التي وافق عليها الكونغرس والتي صدق عليها الرئيس باراك أوباما الأسبوع الماضي إلى تسديد ضربة قوية إلى الصناعات الرئيسية بدءا من الشحن وإدارة الموانئ إلى وسائل الإعلام المملوكة للدولة، بحسب مسؤولين وخبراء اقتصاديين. وأوضح المسؤولون أن العقوبات الأميركية السابقة كانت تستهدف بعض الشخصيات والشركات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، لكن السياسات الجديدة أشبه ما تكون بحظر اقتصادي حقيقي يهدف إلى شن هجوم منهجي وتقويض الدعائم المالية الأساسية في إيران وتهديد البلاد بانهيار اقتصادي.

وصرح مارك دوبويتز، المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطية، وهي مؤسسة بحثية: «الإجراءات الجديدة تستهدف قطاعات كاملة من الاقتصاد الإيراني، بهدف خلق تأثير واضح على كل أنواع التجارة مع إيران باستثناء تلك المتعلقة بأغراض إنسانية». وأشار دوبويتز، مؤلف العديد من الدراسات حول سياسة العقوبات، إلى أن توسيع التركيز على صناعات بأكملها، يهدف الجهد الجديد إلى تضييق المنافذ التي يمكن لإيران من خلالها التحايل على العقوبات عبر شركات واجهة، التي تستخدمها الجمهورية الإسلامية منذ فترة طويلة، وقال: «إنها أشبه بلعبة (اضرب الخلد) التي لم تتمكن الولايات المتحدة من النجاح فيها على الإطلاق».

يأتي تضييق الخناق الاقتصادي على إيران وسط مؤشرات جديدة على استعداد إيراني لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة والقوة العالمية الأخرى بشأن القيود المحتملة على برنامجها النووي، حيث أعلن كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين أن الحكومة الإيرانية وافقت على إجراء جولة جديدة من المحادثات يتوقع أن تجري هذا الشهر، على الرغم من عدم تحديد زمان ومكان المفاوضات.

وقال سعيد جليلي، رئيس مجلس الأمن القومي الأعلى، للصحافيين خلال زيارة إلى العاصمة الهندية نيودلهي: «قبلنا ضرورة إجراء المحادثات في يناير (كانون الثاني)».

من جهته، أكد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، الذي استضاف ثلاث جلسات سابقة من المحادثات النووية العام الماضي، أن المفاوضات الجديدة قد تكون «وشيكة للغاية».

في الوقت ذاته، تحلى المسؤولون الإيرانيون بصراحة غير معتادة في الاعتراف بالخسائر الكبيرة التي أحدثتها العقوبات الغربية لاقتصاد البلاد، حيث فقدت العملة الإيرانية أكثر من 40 في المائة من قيمتها منذ أغسطس (آب)، في الوقت الذي انخفضت فيه الصادرات النفطية - المصدر الرئيسي للعملة الصعبة في إيران - بمقدار النصف.

لكن إيران لا تزال متمسكة برفض القيام بأي خفض واضح في برنامجها، مما دفع الكونغرس إلى اتخاذ تدابير أكثر إيلاما، والتي لقيت موافقة من كلا الحزبين في الكونغرس على الرغم من التحفظات التي أبدتها إدارة أوباما من أن العقوبات الجديدة ستضر بحكومات حليفة وتقوض الدعم لما اعتبره جهودا دولية ناجحة إلى حد بعيد لعزل إيران.

يفرض القانون الجديد عقوبات ضد الشركات الدولية التي تتعامل مع الشركات الإيرانية في القطاعات الصناعية المستهدفة، ويسعى في الوقت ذاته إلى منع إيران من الحصول على الألمونيوم والصلب والفحم والمواد الأخرى التي تشكل ركيزة أساسية في بناء وتصنيع السيارات. ويهدف القانون أيضا إلى منع إيران من الدخول في تجارة مقايضة مع دول أخرى مقابل النفط ويفرض عقوبات على المؤسسات الإعلامية التي تديرها الدولة.

وعلى الرغم من تحفظاته وقع الرئيس الأميركي القانون الجديد الذي ارتبط بقانون الإنفاق على الدفاع الذي تم التصديق عليه في الساعات الأخيرة من الجلسة رقم 112 للكونغرس منذ يناير 2011. وأكد مسؤولو الإدارة أن العقوبات الجديدة سيتم تطبيقها خلال 180 يوما طلبها الكونغرس. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند: «سنطبق نص وروح القانون بأقصى ما نستطيع من جهد». وكانت سياسة العقوبات الأميركية قد تعرضت لانتقادات من منظمات، أكد بعضها على أن مثل هذه التدابير ستأتي بنتائج عكسية وسيقع الضرر الأكبر على المواطن الإيراني العادي.. بينما أكد آخرون على أنها ليست قوية بما يكفي لمنع التقدم النووي الإيراني وطالبوا بإجراءات أكثر قوة تشمل القيام بعمل عسكري.

على صعيد ذي صلة، تتعرض إدارة أوباما لضغوط قوية للتوصل إلى اتفاق مع إيران يحد بقوة من قدرتها على استخدام المنشآت النووية لصنع أسلحة نووية، حيث طالب 24 دبلوماسيا أميركيا بارزا وخبراء في السياسة الرئيس أوباما الشهر الماضي في الرسالة التي وجهوها إليه بـ«متابعة المبادرات السياسية القوية» خلال الأسابيع القليلة القادمة للوفاء بوعوده الانتخابية لحل المأزق النووي الإيراني.

وقال تريتا بارسي، رئيس المجلس الأميركي - الإيراني الوطني وأحد الموقعين على الوثيقة: «وراء التصريحات القوية التي لا تزال تصدر من كلا الجانبين إشارات خفيفة على استعداد أكبر للتوصل إلى اتفاق يقبل الخطوط الحمراء للآخر».

لا تزال العقوبات تلقي بتأثيراتها العميقة على الاقتصاد الإيراني، لكنها لم تصل بعد إلى حد التسبب في انتشار الفقر أو دفع الإيرانيين إلى القيام بمظاهرات كما توقع البعض. وكان الريال الإيراني قد انخفض بحدة مقابل الدولار في أكتوبر (تشرين الأول) ليخسر أكثر من قيمته في أقل من شهر. ومنذ ذلك الحين تزايدت الأزمات الاقتصادية التي تواجهها إيران، مما أدى إلى خفض إنفاق المستهلك وارتفاع معدل البطالة. وتراجع معدل إنتاج السيارات بنسبة 40 في المائة منذ العام الماضي، بينما تلقت الواردات الطبية الصفعة الأكبر وارتفعت أسعار بعض الأدوية الأساسية بأكثر من الضعف. في الوقت ذاته يتوفر الغذاء بشكل عام، وإن كانت الأسعار قد ارتفعت بشكل طفيف، حيث لا تزال الدولة تسيطر على أسعار السلع الأساسية مثل الخبز وزيت الطهي.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»