سوريات على جانبي خط القتال

نساء مع «الحر» في زي الرجال.. والنظام يشكل كتيبة نسائية

بث مؤيدون لنظام الرئيس السوري بشار الأسد فيديو على الإنترنت لكتيبة عسكرية مؤلفة من النساء فقط أطلق عليها «لبوءات الدفاع الوطني»
TT

اهتم الإعلام خلال اليومين الماضيين بفيديو بثه مؤيدون لنظام الرئيس بشار الأسد، يظهر تشكيل كتيبة عسكرية نسائية أطلق عليها «لبؤات الدفاع الوطني». وجاء ذلك بعد يومين فقط من إعلان مجموعة من النساء في مدينة النبك في منطقة القلمون بريف دمشق تشكيلهن كتيبة «سمية بنت الخياط» للمشاركة في القتال ضد نظام الأسد.

كما بث ناشطون في مدينة دير الزور مؤخرا على شبكة الإنترنت مقابلة مع سيدة تدعى أم عدي، وهي أم لعدة أطفال منخرطة في القتال ضمن كتائب الجيش الحر. وقال الناشط أبو حمزة الفراتي، الذي أجرى المقابلة مع السيدة في منزلها، وظهرت إلى جانبه باللباس العسكري واضعة اللثام على وجهها وتحمل السلاح، إنه تعهد بعدم كشف هويتها الحقيقية، مؤكدا أن «المقاتلين الذين تقاتل إلى جانبهم في دير الزور لا يعرفون أنها امرأة، فهي ترتدي زي الرجال».

وتقول أم عدي في المقابلة إنها خرجت للقتال إلى جانب الجيش الحر بعد أن قتل شقيقها وعدد من أقاربها، وقد خرجت لتثأر لهم من جيش بشار. ومن جانبه، أكد الفراتي على أن أم عدي ترابط لعدة أيام متتالية على خطوط الجبهة الأمامية، إلا أن أم عدي أفادت بأنها تشارك بشكل متقطع في القتال، وأنها حملت السلاح لتثبت للعالم «أن الجهاد ليس حكرا على الرجال». ووجهت أم عدي خلال المقابلة، التي سُمعت خلالها أصوات أطفالها، رسالة إلى أهالي دير الزور، وبالأخص «الشبان الذين كانوا يملأون شوارعها وفجأة اختفوا ولم يشاركوا في الدفاع عن دير الزور ضد نظام الطاغية».. وتساءلت «لماذا أنتم لستم معنا؟ هذا وقتكم لتكونوا هنا ولنكون يد واحدة». وقالت للشعب السوري عموما: «خلونا يدا واحدة في الدفاع عن الوطن والعرض.. الله يتقبل الشهداء وإن شاء الله النصر قريب». بعد ذلك بث المؤيدون لنظام الأسد فيديو تشكيل «كتيبة لبؤات الدفاع الوطني»، والذي لم يحمل ما يشير إلى مكان أو زمان تشكيل هذه الكتيبة. وأظهر الفيديو عشرات من النساء باللباس العسكري يتدربن في ملعب لكرة السلة، وبدا واضحا أنه جاء ردا على ارتفاع معدل انخراط المرأة السورية في العمل المسلح ضد النظام.

وسبق أن بث ناشطون فيديوهات على شبكة الإنترنت تتضمن إعلانا عن تشكيل كتائب نسائية مسلحة، أولاها كانت بحمص في يونيو (حزيران) 2012 تحت اسم «كتائب بنت الوليد»، في إشارة إلى الصحابي خالد ابن الوليد الذي تحمل مدينة حمص اسمه. وظهر هذا الفيديو بعد سلسلة فيديوهات لنساء حمصيات أعلن بشكل فردي حملهن السلاح لمقاتلة النظام، في حين قدمت كتيبة «بنات الوليد» أنفسهن كتنظيم نسائي مسلح لا ينتمي لأي تنظيم أو جهة معينة. وتم تشكيلها ردا على «الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري عامة والحرائر خاصة، والتهجير القسري للمدنيين العزل من قبل العصابات الأسدية وإجبارهم على ترك منازلهم وسرقة ممتلكاتهم، وعمليات القنص المستمرة للشعب السوري الحر من قبل الشبيحة والمرتزقة الإيرانيين وعناصر حزب الله رغم وجود المراقبين الدوليين».

وسبق هذا التنظيم النسائي المسلح تشكيل «رابطة حرائر دير الزور» في مايو (أيار) 2012، وقالت رئيسة الرابطة التي توسطت المجموعة في مقطع فيديو ظهرن فيه منتقبات «لقد استشعرنا بدور المرأة الفعال في مواجهة جرائم الطاغية وذلك بتأسيس رابطة حرائر دير الزور الثائرة في الداخل والمهجر»، وستعمل الرابطة على «مساندة الجيش الحر واستغلال طاقات الحرائر الهائلة لدعم الحراك الثوري في الداخل في مواجهة النظام القاتل والطغمة الحاكمة، والمشاركة في كل المحافل لفضح النظام والمطالبة بالإفراج عن المعتقلات».

كما توالت خلال العام الماضي مقاطع فيديو لنساء ظهرن بين الأنقاض يحملن السلاح ويوجهن رسائل تحد مباشر للرئيس بشار الأسد، كتلك المقاطع التي صورت في البوكمال وفي دير الزور، ومنها ما بث في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لسيدة ديرية كانت تعمل ممرضة، ثم حملت السلاح وظهرت باللباس العسكري مع حجاب على الرأس ووجه سافر. وأفادت السيدة بأنها حملت السلاح للدفاع عن إخوتها وأولادها، وأيضا لأن «هناك رجالا رموا أسلحتهم وغادروا»، مخاطبة هؤلاء قائلة إن «النساء لبسوا لباسكم»، وانتقدتهم بقسوة وهي تسأل عن الفرق بين «أن تموت ورأسك مرفوع أو أن تموت ورأسك مدلوع». وليس بعيدا عن هذا الفيديو ظهرت نساء في حمص وفي تلبيسة ومناطق أخرى، أبرزها مقطع فيديو بث الشهر الماضي لامرأة من تلبيسة فقدت عددا من أفراد أسرتها ودمر بيتها بالكامل، وظهرت منتقبة وترفع السلاح فوق أنقاض منزلها المدمر لتوجه رسالة إلى الأسد، مؤكدة «نحنا النسوان رح نتحداك».

واللافت في فيديوهات الثورة السورية أن النساء في مناطق حمص والقلمون كن يظهر يرتدين الزي الإسلامي الشعبي، مع وضع لثام للضرورات الأمنية.. فيما النساء في المناطق الشرقية كدير الزور والبوكمال كن يظهرن بالزي العسكري والحجاب. أما في الفيديوهات التي بثها المؤيدون، فكن سافرات ويلبسن الزي العسكري الذي يرتديه جنود الجيش النظامي.

ويشار إلى أن الجيش السوري فيه كتائب نسائية، إلا أنهن لم يكن ينخرطن في العمليات القتالية. كما كانت المرأة السورية عبر تاريخها موجودة في الفصائل الحزبية المسلحة - لا سيما اليسارية - في العقود الماضية، وشاركن في العمليات الفدائية التي نفذت في لبنان وفلسطين ضد إسرائيل، إلا أن هذه المشاركة تراجعت مع تراجع أدوار تلك الأحزاب وتأثيرها عموما، وانكفاء المقاومة اليسارية لصالح احتكار حزب الله اللبناني بالاتفاق مع نظام الأسد الأب للمقاومة ضد إسرائيل.

ويعد تزايد انخراط المرأة السورية اليوم في صفوف العمل المسلح ضمن النظام مؤشرا على استشراء حمل السلاح في المجتمع السوري في مواجهة البطش والعنف المتزايد من قبل النظام، والذي استخدم النساء في بداية الثورة للتجييش في الشارع، حيث كانت المشاركة الأكبر في المسيرات المؤيدة من النساء، واللواتي كن يظهرن على الشاشات الرسمية يصرخن ويستغثن ويناشدن الجيش النزول إلى الشارع وقمع المتظاهرين وسحقهم باستخدام القبضة الحديدية.. وهي المظاهر التي تراجعت مؤخرا بشكل كبير؛ نتيجة انعدام الأمن وعدم قدرة النظام على إخراج الألوف من مؤيديه لاحتلال الشوارع والساحات.