مصادر دبلوماسية عربية لـ«الشرق الأوسط»: تقاطعات روسية - أميركية «جديدة» في الملف السوري

تساؤلات حول من سيدفع ثمن «التقارب»: النظام أم المعارضة المسلحة؟

TT

بينما اعتبرت تقارير غربية خطاب الرئيس السوري بشار الأسد يوم الأحد محاولة لنسف جهود المبعوث الدولي - العربي الأخضر الإبراهيمي، الذي أعلن قبل أيام أن بحوزته خطة للحل في سوريا «يمكن أن تتبناها الأسرة الدولية»، و«رفضا استباقيا» لما يمكن أن تتوصل إليه موسكو وواشنطن بصدد الملف السوري، أشارت مصادر دبلوماسية عربية إلى وجود «أجواء جديدة» تغلب على التواصل المستجد القائم بين العاصمتين من شأنها أن «تخدم» مهمة الإبراهيمي التي لم تفض حتى اليوم إلى أي نتيجة إيجابية.

وقالت هذه المصادر، التي «واكبت» محادثات المبعوث الدولي في القاهرة وموسكو، إن منطلقات كل من الطرفين «مختلفة»، لكنهما يلتقيان في استشعار الحاجة إلى «التعاون» لإدارة الملف السوري. وأفادت هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن الجانبين وصلا إلى قناعة مفادها أنه «لا المعارضة قادرة على الإطاحة بالرئيس الأسد، ولا الأخير يستطيع القضاء عسكريا على المعارضة»؛ ما يعني عمليا استمرار المعارك إلى أجل غير مسمى، مع ما يعنيه من استطالة لائحة الضحايا والدمار.

وحتى الزمن القريب، كان الغرب هو الذي يسعى إلى دفع موسكو للتخلي عن نظام الأسد، ولكن من غير طائل.. غير أن موسكو «لم يكن لديها سبب جدي يدفعها للاستجابة إلى كل الذين يأتون إليها ويطلبون منها أن تساعدهم على حمل الأسد على التخلي عن السلطة». وتتساءل هذه المصادر: «لماذا يتعين على موسكو مد يد المساعدة للغرب وإخراجه من الزاوية التي حشر نفسه داخلها؟»، وتضيف قائلة: «طالما نظام الأسد ما زال واقفا على قدميه، فإن موسكو لن تستجيب لمقاصد الغربيين».

وأبعد من ذلك، أخذ الجانب الروسي «يلعب» على الخوف الأميركي من استقواء الحركات الأصولية في سوريا ومن حصولها على أسلحة متطورة، يمكن أن تسددها لاحقا ضد المصالح الغربية أو مصالح حلفاء الغرب في المنطقة. وترى موسكو أن تحذيراتها المتكررة من «الفوضى العارمة» في حال سقوط الأسد واستقواء الحركات الجهادية الأصولية أخذ يفعل فعله. ويدل على ذلك مثلا وضع واشنطن لحركة النصرة على لائحة المنظمات الإرهابية واعتبارها مرتبطة بـ«القاعدة». ولذا يبدو واضحا أن «الخيار العسكري» - على الطريقة الأفغانية أو على الطريقة العراقية - تراجع إلى «خيار الحل السياسي»، الذي لم تظهر بعد كل ملامحه والتي عهد إلى الإبراهيمي بتظهيرها. فواشنطن لا تريد انهيار المؤسسة العسكرية السورية ولا المؤسسات الأمنية، كما حصل بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003. ومن جهة أخرى، لا ترغب في سوريا بسيناريو شبيه بالسيناريو الأفغاني، حيث الإطاحة بنظام طالبان لم يفض إلى قيام دولة مستقرة على الرغم من الوجود العسكري الدولي منذ أكثر من 11 عاما. وأخيرا، لا تبدو لدى واشنطن رغبة في التورط عسكريا مجددا في الشرق الأوسط.

وفي الجانب الآخر، ترى المصادر الدبلوماسية المعنية بالملف السوري أن واشنطن وصلت إلى خلاصة تفيد بأن عليها إعادة النظر في سلم أولوياتها في المنطقة، وما يرتبه ذلك من «تعديل نهجها» وطريقة التعاطي مع الطرف الروسي. وبحسب أكثر من مصدر، فإن واشنطن ترى أنها «بحاجة» إلى تعاون روسيا، ولذا تبدو راغبة في التعامل معها في الملف السوري لتحصل منها بالمقابل على تعاون في الملف النووي الإيراني، الذي سيعود بقوة إلى الواجهة في الأسابيع المقبلة، خصوصا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمهل الجهود الدولية حتى الربيع المقبل لتضع حدا للنشاطات النووية الإيرانية قبل اللجوء إلى الضربة العسكرية. ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» أواخر الشهر الماضي مقالا يعكس هذا «التحول» في التوجهات الأميركية.

وبالنظر لهذه التطورات، فإن مصادر متطابقة تعتقد أن «زمن المساومات» قد بدأ، وأن موسكو بعد أن أثبتت أنه «لا يمكن لي ذراعها أو تجاوزها» في الملف السوري وأنها «عادت وجهة رئيسية» للتواصل السياسي والدبلوماسي، ربما تقرر كشف أوراقها وتحديد مطالبها والقبول بتسوية سياسية في سوريا. ولذا، فإن المعنيين أولا بالشأن السوري - أي النظام والمعارضة والأطراف الإقليمية الضالعة مثل إيران وتركيا والبلدان العربية - تترقب ما يمكن أن يخرج به الطرفان الأميركي والروسي من نتائج، ومن ستكون الجهة التي سيتعين عليها التنازل أكثر من غيرها. والمرجح أن يكون الرئيس الأسد قد استبق الحركة وحدد سقف شروطه المرتفع لتكون تلك النقطة التي يريد أن يتفاوض انطلاقا منها.