العقوبات تعصف بـ«الطيران التجاري» في إيران

محللون أميركيون: واشنطن تسعى لـ«تركيع» طهران بعقوبات تؤثر على الشعب مباشرة

TT

يبدو أن قطاع الطيران المدني الذي يعتبر من أبرز القطاعات الاقتصادية الحيوية في إيران ينضم إلى عشرات القطاعات المتعثرة، بفعل العقوبات الدولية على البلاد، فإلى جانب أزمة قطع الغيار والوقود والوجهات والتأمين.. تضاف أزمة الديون؛ فأكثر من 200 مليون دولار أميركي هي أسعار الوقود المستهلكة من قبل هذه الشركات يجب أن تُدفع لوزارة النفط، وإلا فسيتم منع أي طائرة من طائرات هذه الشركات من الإقلاع إلى أي وجهة، الأمر الذي يؤكد أن الناقلات الإيرانية المحلية باتت قاب قوسين أو أدنى من الشلل الكامل أو ربما الإفلاس، فيما لا يستبعد أن تبدأ بعض هذه الشركات بتقليص عدد رحلاتها، خاصة أن كل الإجراءات العلاجية من قبل هذه الشركات لم تجدِ نفعا في احتواء الضغط الذي تشكله زيادات متعاقبة بأسعار الوقود، وعدم الحصول على العملة الأجنبية بأسعار الصرف المدعومة من الحكومة، على الرغم من أن خطوطا إيرانية محلية رفعت أسعار تذاكرها إلى الضعف، في وقت يعادل فيه مليون ريال إيراني 80 دولارا أميركيا، ويصنف خبراء مختصون في قطاع الطيران التجاري الأسطول الجوي الإيراني كأقدم الأساطيل في العالم، وكل ذلك يرد إلى العقوبات الدولية.

وقال علي رضا ضيغمي نائب وزير النفط الإيراني أمس: «بعد اجتماعات مع مسؤولين من مؤسسة الطيران المدني، تم الاتفاق على إمهال جميع شركات الطيران 7 أيام لسداد ديونها للشركة الوطنية لتكرير النفط»، مشيرا إلى أن هذه الديون تتجاوز 200 مليون دولار مستحقة لوزارة النفط مقابل إمدادات الوقود، مهددا شركات الطيران في حال لم تقم بالسداد بمنع طائراتها من الإقلاع، بحسب ما نقلته وكالة «مهر» الإيرانية للأنباء شبه الرسمية.

ومع أن المسؤول الإيراني لم يذكر أسماء الشركات المتعثرة، فإن وسائل إعلام إيرانية أشارت إلى أن جميع تلك الشركات شركات محلية من بينها شركات «ماهان» و«اسمان» و«زاجروس»، وما يؤكد ذلك ما أعلنته هذه الشركات في وقت سابق عن رفعها لأسعار تذاكر الطيران محليا ودوليا إلى ما يزيد عن 90 في المائة ودون سابق إنذار.

وارتفعت تكلفة الوقود محليا لسبعة أمثالها منذ منتصف 2011، بعدما أطلقت الحكومة برنامجا لإلغاء الدعم السخي، وفي سبتمبر (أيلول) 2012، منعت الحكومة شركات الطيران من الحصول على العملة الصعبة بسعر تفضيلي، في إطار حملة لخفض الإنفاق الحكومي، ونتيجة لذلك اضطرت شركات الطيران لرفع أسعار التذاكر. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، رفعت «إيران إير» أسعارها للمثلين تقريبا بالنسبة للرحلات الدولية، بعد ارتفاع نفقاتها نتيجة هبوط قيمة الريال الإيراني.

لكن المشكلة الأبرز التي تعانيها شركات الطيران الإيرانية أيضا هي العثور على قطع الغيار بسبب العقوبات الدولية على إيران، الأمر الذي يمثل تحديا لشركات الطيران التي تمنعها العقوبات من الشراء مباشرة من «بوينغ» و«إيرباص».

وتراكمت ديون كبيرة على عدة شركات طيران نتيجة لزيادات متعاقبة لأسعار الوقود وعدم قدرتها على الحصول على العملة الأجنبية بأسعار الصرف المدعومة من الحكومة، مما أدى لارتفاع كبير في تكاليف قطع الغيار.

كل ذلك يشي بأن تداعيات العقوبات الغربية على إيران والتدهور الحاد في سعر صرف العملة الإيرانية خرجت عن نطاق سيطرة طهران، وهو ما عكسه قرار شركة الخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير) برفع أسعار تذاكر رحلاتها إلى بعض الدول الأوروبية إلى الضعف، بعد ارتفاع آخر طرأ على الرحلات الداخلية.

وأمس، بلغ ثمن تذكرة السفر من طهران إلى لندن أكثر من 1000 يورو، مما يوضح ارتفاع ذات التذكرة ما يزيد على 70 في المائة عما كانت عليه.

وتشتكي شركة «إيران إير» الناقلة الوطنية الإيرانية من رفع الحكومة لأسعار الوقود لشركات الطيران وانخفاض قيمة الريال أمام العملات الأجنبية، حيث فقد نحو 40 في المائة من قيمته مقابل الدولار منذ أغسطس (آب) الماضي، مما دفعها لرفع أسعار التذاكر إلى أكثر من 90 في المائة إلى بعض الجهات.

وتنظم الخطوط الجوية الإيرانية رحلات إلى أوروبا تضم لندن وباريس وأمستردام وثلاث وجهات في ألمانيا، بينما يضم أسطولها الجوي 51 طائرة.

ويذكر إن ثمن تذكرة الطيران من طهران إلى أصفهان تجاوزت 175 يورو، وهو ما قد يدفع كثيرين للاعتماد على وسائل نقل أخرى، علما بأن الخطوط الإيرانية «تطير» يوميا إلى أصفهان، ولا يقتصر رفع أسعار تذاكر الطيران على الخطوط الإيرانية الوطنية، وإنما يمتد ليشمل جميع خطوط الطيران الإيرانية المحلية.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، أبلغ البنك المركزي الإيراني شركات الطيران الدولية والمحلية بالتغييرات الجديدة التي طرأت على أسعار التذاكر، مشيرا إلى أن شركات الطيران الأجنبية ستطلب عملاتها الأجنبية وفق الأسعار المطروحة في أسواق العملات الحرة المفتوحة.

ويقول خبراء إن ما يحدث في قطاع الطيران التجاري الإيراني هو نتيجة اهتزاز العملة الإيرانية المتمثلة في الريال، نتيجة الضغوطات الغربية التي فرضت على طهران أخيرا، وتسببت في تراجع سعر الريال مقابل العملات الأجنبية، حيث منع الاتحاد الأوروبي بيع النفط في الأسواق العالمية من خلال عدم تصديره.

وكانت العقوبات الأميركية على إيران شملت شركة «مهان الإيرانية للطيران»، بذريعة نقل عناصر من الحرس الثوري الإيراني على متنها، كما تخضع شركة «إيران إير» لعقوبات أميركية منذ 1995، ومنعت من شراء طائرات «بوينغ»، وتحول الأسطول الجوي الإيراني إلى واحد من أقدم الأساطيل في العالم. كما كان الاتحاد الأوروبي شدد من قيوده على استخدام الخطوط الجوية الإيرانية لمجاله الجوي بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة. وقرر بموجب ذلك منع طائرات «إيران إير» من طراز A - 320 و«بوينغ» B - 747 وB - 727 من الطيران في الأجواء الأوروبية.

وكانت أزمة قد اشتعلت بين السلطات الإيرانية وعدد من الشركات العربية والأوروبية، بعد رفض تلك الشركات ومطارات في الخليج وجنوب شرقي آسيا تزويد شركة الخطوط الجوية الإيرانية الوطنية وشركة «مهان» الإيرانية الخاصة للطيران بالوقود، تنفيذا للعقوبات الدولية. وحذرت طهران آنذاك من «مواجهة» مع تلك الشركات، رافضة تزويد تلك الشركات بالوقود في مطار الأمام الخميني الدولي بطهران «انطلاقا من مبدأ المعاملة بالمثل».

ويقول بن شرايندر الباحث بمركز الأبحاث العالمي بواشنطن إن سعي واشنطن لـ«تركيع» طهران يسير بنمو متزايد، حيث يظهر تأثير العقوبات على الإيرانيين العاديين في حياتهم الخاصة.

لكن شاريندر يشير إلى أن سياسة الحظر النفطي على اليابان تلك أدت إلى الهجوم الياباني على بيرل هاربر واندلاع الحرب العالمية الثانية. وهذا ما يشغل بال المحافظين الجدد في الولايات المتحدة وهم يعون هذا التاريخ.

ويحذر الباحث الأميركي من اعتبار العقوبات المشددة على إيران بديلا للحرب، مشيرا إلى أن تلك العقوبات هي في واقع الأمر عمل من أعمال الحرب، ويقول: «ما التسمية التي يمكن إطلاقها على عمل متعمد لإصابة اقتصاد إيران بالشلل التام؟».

ويشير بريت كوكس المحلل السياسي بالمجلس الأميركي الإيراني الوطني بواشنطن إلى أنه من الخطأ فرض مزيد من العقوبات على إيران، وأنه حان الوقت للتوصل إلى اتفاق خلال الجولة الجديدة من المفاوضات المتوقعة مع مجموعة الـ«5+1» التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا.

وحذر كوكس من أن تشديد العقوبات قد يؤدي إلى فقدانها لقيمتها كوسيلة للضغط على صانعي القرار في إيران، ودفعهم لإحداث تغيير في قراراتهم فيما يتعلق بالقضية النووية، ويقول: «لا بد من فهم عميق للتوازن بين فوائد وتكلفة استخدام العقوبات الدولية ضد إيران، والحكمة لإيجاد الوقت المناسب للتفاوض، وتقييم عواقب توجيه ضربة عسكرية من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد إيران».

ويؤكد دنيس روس المستشار السابق للرئيس أوباما والباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أنه من أكبر التحديات التي تواجه الولايات المتحدة الحيلولة دون حصول إيران على السلاح النووي، لأن امتلاك إيران لسلاح نووي يعد خطرا استراتيجيا على الأمن القومي. لكنه يحذر من استمرار حالة «اللاعمل» مع التأثيرات العميقة للعقوبات على النفط الإيراني، والتغييرات في العرض والطلب في الأسواق، مما قد يدفع إيران إلى إثارة حالة من عدم الاستقرار في المنطقة وزعزعة الاستقرار الداخلي للدول المجاورة.

وأشار روس إلى أن استمرار العقوبات على القطاع النفطي الإيراني وصادراته، سيؤدي إلى ارتفاع متزايد في أسعار النفط في الأسواق العالمية، مما سيكون له تأثير واضح على الاقتصاد الأميركي. ويقول روس: «لكبح جماح الطموحات النووية الإيرانية يجب عدم التعويل على تأثيرات الضغط الاقتصادية».