قلق دولي حول مصير ذخائر «نوفمبر» الكيميائية السورية

كشفتها الاستخبارات الإسرائيلية.. ويمكن استخدامها في أقل من ساعتين

TT

في الأيام الأخيرة من شهر نوفمبر الماضي، اتصل كبار القادة العسكريين الإسرائيليين بالبنتاغون لمناقشة معلومات استخباراتية مثيرة للقلق أظهرتها صور الأقمار الصناعية، وبدا فيها جنود سوريون داخل موقعي تخزين وهم يعملون على مزج مواد كيميائية يرجح أن تكون غاز الأعصاب القاتل «السارين»، وملء عشرات القنابل زنة 500 رطل التي يمكن تحميلها على متن الطائرات.

وفي غضون ساعات، تم إخطار الرئيس أوباما بالأمر.. وتصاعدت درجة الإنذار خلال عطلة نهاية الأسبوع، مع تحميل تلك الذخائر على مركبات بالقرب من القواعد الجوية السورية. وأكدت الإحاطات التي تم إرسالها إلى مسؤولي الإدارة الأميركية أنه في حال إصدار الرئيس السوري بشار الأسد - الذي يزداد موقفه يأسا - أوامره باستعمال تلك الأسلحة، فإنه من الممكن حملها على متن الطائرات في أقل من ساعتين، وهي فترة أسرع في أغلب الظن من أن تتمكن الولايات المتحدة من التحرك.

ويقول المسؤولون إن ما تلا ذلك كان إظهارا لتعاون دولي استثنائي بشأن حرب أهلية، لم تتفق خلاله الولايات المتحدة والدول العربية وروسيا والصين على مسار تحرك مشترك في معظم الأحيان. ونجح التحذير العلني الذي أطلقه أوباما إلى جانب الرسائل الشخصية الأشد لهجة التي أرسلت إلى الرئيس السوري وقادته العسكريين من روسيا وغيرها - مثل العراق وتركيا وربما الأردن - في إيقاف عمليات مزج المواد الكيميائية وتجهيز الأسلحة. وبعد مرور أسبوع، صرح وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا بأن أسوأ المخاوف قد ولت، على الأقل في الوقت الراهن.

بيد أن القلق يظل موجودا من أن يلجأ الأسد في أي لحظة الآن إلى استخدام الأسلحة التي تم إنتاجها في ذلك الأسبوع، ويقول المسؤولون الأميركيون والأوروبيون إنه رغم تجنب وقوع أزمة في ذلك الأسبوع الذي امتد ما بين نهاية شهر نوفمبر إلى أوائل شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضيين، فإن الأمور لم تهدأ بأي حال من الأحوال. وقد قال مسؤول دفاعي كبير الأسبوع الماضي: «أعتقد أن الروس أدركوا أن هذا أمر قد يضطرنا إلى التدخل في الحرب. أما بالنسبة لما أدركه الأسد، وما إذا كان ذلك الإدراك سيتغير في حال شعوره بالقلق خلال الأشهر القليلة القادمة، فهو أمر يحاول الجميع التكهن به».

ورغم أن الأسلحة الكيميائية تعتبر من الناحية الفنية «أسلحة دمار شامل» - إلى جانب الأسلحة البيولوجية والنووية - فإنه من الصعب في الحقيقة استخدامها ونقلها، كما أن فعالية الهجوم بها تتوقف على اتجاه الرياح والتضاريس الجغرافية، وأحيانا ما يكون من الصعب اكتشاف الهجمات حتى بعد حدوثها، إذ يقول بعض المسؤولين إن القوات السورية من الممكن أن تستخدمها في إحدى القرى أو أحد الأحياء ثم يستغرق الأمر وقتا كي يعرف العالم الخارجي بذلك.

غير أن هذا الخوف الذي ساد الشهر الماضي أعاد الجدل حول ما إذا كان على الغرب أن يساعد المعارضة السورية في تدمير قوات الأسد الجوية، التي سيحتاج إليها لنقل تلك القنابل التي تزن الواحدة منها 500 رطل. ويؤكد المسؤولون أن تلك الذخائر الكيميائية ما زالت موجودة في مناطق تخزين تقع بالقرب من القواعد الجوية السورية أو داخلها، وهي جاهزة للتعبئة فور صدور الإشارة بذلك.

ولم تعلن إدارة الرئيس أوباما وغيرها من الحكومات الكثير عن تحركات الأسلحة الكيميائية، وأحد الأسباب وراء ذلك هو القلق من كشف مصادر المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بأنشطة قوات الأسد. وهذه الرواية تستند إلى حوارات أجريت مع ما يزيد على 6 مسؤولين عسكريين واستخباراتيين ودبلوماسيين، طلبوا جميعا عدم الإفصاح عن أسمائهم بسبب ما يتضمنه هذا الموضوع من أمور استخباراتية.

وحذر رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني في تقييم سري الشهر الماضي من أنه قد صار من الممكن الآن تعبئة تلك الأسلحة بعد 4 إلى 6 ساعات من صدور الأوامر بذلك، وأن الأسد لديه مستشار خاص - إلى جانبه - يشرف على الرقابة على تلك الأسلحة، وذلك بحسب ما نشرته مجلة «دير شبيغل» الإخبارية الألمانية. إلا أن بعض المسؤولين الأميركيين ومسؤولين آخرين من بلدان حليفة ذكروا في الحوارات التي أجريت معهم أن القنابل المعبأة بغاز السارين يمكن حملها على الطائرات ونقلها جوا في أقل من ساعتين. ويقول دبلوماسي غربي: «فلنقل فقط إنه في الوقت الحالي، قد يكون من السهل نسبيا حمل هذه القنابل سريعا على متن الطائرات».

وما زال الغموض يكتنف رد فعل الولايات المتحدة وإسرائيل - وكذلك الدول العربية - حيث تحدث المسؤولون الأميركيون وحلفاؤهم بحديث مبهم عن الانتهاء من وضع «خطط طوارئ» تحسبا لاتخاذ قرار التدخل في محاولة لتحييد الأسلحة الكيميائية، وهي مهمة يقدر البنتاغون أن تتطلب ما يربو على 75 ألف جندي، غير أنه لم تبد أي مؤشرات مؤكدة على الشروع في أي محاولة من هذا النوع. وقد قام الجيش الأميركي سرا بإرسال فريق عمل يضم أكثر من 150 مخططا ومتخصصا آخر إلى الأردن لمساعدة القوات المسلحة هناك في بعض الأمور التي من بينها التأهب لاحتمال فقدان سوريا السيطرة على أسلحتها الكيميائية.

كذلك ترددت أنباء عن سفر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الأردن خلال الأسابيع الأخيرة، وأشارت وسائل الإعلام الإخبارية الإسرائيلية إلى أن المناقشات التي جرت كانت تدور حول كيفية التعامل مع الأسلحة السورية؛ إذا ما تبينت إمكانية نقلها إلى لبنان، حيث يمكن أن يلقي بها حزب الله على الحدود مع إسرائيل، إلا أن هذه الخطط - بقدر ما هي موجودة - لا تزال سرية.

ويظل موقف المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين ومسؤولي البلدان الحليفة من هذه الأزمة المحتملة ثابتا، خصوصا أنه يبدو أن المعارضة قد اكتسبت المزيد من قوة الدفع، حيث استولت على الكثير من القواعد العسكرية السورية والأسلحة المخزنة بها، كما واصلت زحفها نحو العاصمة السورية دمشق. وردا على ذلك، كثفت سوريا من استعمال ترسانتها من الأسلحة التقليدية، بما في ذلك إطلاق صواريخ «سكود» الباليستية على مواقع الثوار بالقرب من حلب. وقد ظهر مصدر جديد للقلق خلال الأسابيع الماضية، حيث بدأت القوات السورية في إطلاق صواريخ جديدة ودقيقة قريبة المدى يعتقد أنه تم تصنيعها في إيران. ولم يكن أي من هذه الصواريخ ذا رؤوس نووية، إلا أن استعمالها يبين أن الجيش السوري يعمل حاليا على تعبئة سلاح أكثر دقة من صواريخ «سكود»؛ المشتهرة بعدم الدقة التي كان يستخدمها في الهجمات السابقة.

ومع تصاعد حدة القتال، أشار المسؤولون الأميركيون وغيرهم من المسؤولين إلى أن قوات النظام حركت بعض المخزون الكيميائي الموجود لديها إلى مواقع أكثر أمنا، وهو تعزيز من شأنه - حال استمراره - أن يفيد القوات الغربية فعليا إذا ما اضطرت إلى دخول سوريا من أجل السيطرة على تلك الذخائر أو تدميرها. وتقع الأسلحة الكيميائية السورية تحت سيطرة إدارة كتومة تابعة للقوات الجوية السورية تدعى «الوحدة 450»، وهي إدارة خاضعة لتدقيق على أعلى مستوى وتعتبر من أكثر الإدارات ولاء لنظام الأسد، نظرا لأهمية الأسلحة الموضوعة تحت رعايتها.

وأعلن المسؤولون الأميركيون أن بعض الرسائل التي جاءت عبر القنوات الخلفية خلال الأسابيع الماضية كانت موجهة إلى قادة هذه الوحدة، محذرة إياهم - كما حذر أوباما الأسد يوم 3 ديسمبر الماضي - من أنه سوف يتم تحميلهم المسؤولية الشخصية إذا ما أقدم النظام على استعمال أسلحته الكيميائية.

وعند سؤال أحد المسؤولين الاستخباراتيين الأميركيين عن تلك الاتصالات، وما إذا كانت ناجحة أم لا، لم يعلق سوى بالقول: «الموضوع في غاية الحساسية، والنقاش العام حتى إذا تم في الخلفية سوف يسبب مشكلات».

ويقول مسؤولون من البلدان الحليفة إنه أيا كانت المحاذير والاحتياطات التي يتخذها النظام السوري، فإنه يظل هناك قلق شديد من أن تقع تلك الأسلحة في قبضة المتطرفين الإسلاميين الذين يحاربون النظام أو جماعة حزب الله المسلحة، التي أقامت معسكرات تدريب صغيرة بالقرب من بعض مواقع التخزين. ويقول جيريمي بيني، وهو متخصص في الإرهاب والتمرد المسلح في مجلة «جينز ديفينس ويكلي» التي تصدر عن شركة «خدمات إدارة المعلومات» (آي إتش إس): «إن المسلحين الذين يضعون أيديهم على تلك الذخائر قد يجدون صعوبة في تعبئتها بطريقة فعالة من دون معاونة من الطائرات أو المدفعية أو أنظمة إطلاق الصواريخ. ومع هذا، فأغلب الظن أن حزب الله بقليل من المساعدة سوف يكون قادرا على تعبئتها بصورة فعالة ضد إسرائيل».

* خدمة «نيويورك تايمز»