بعد تعيين هاغل وبرينان.. أوباما يعد لفريق أمني مختلف

وجوه جديدة تتناسب مع الاتجاه نحو تقليص ميزانية الدفاع وإعادة «سي آي إيه» لمهامها التقليدية

أوباما (وسط) وهاغل (يسار) يستمعان إلى برينان خلال جلسة الإعلان عن تعيين الأخيرين في منصبي وزير الدفاع ومدير «سي آي إيه» في البيت الأبيض أول من أمس (أ.ب)
TT

يعمل الرئيس الأميركي باراك أوباما على تشكيل فريق للأمن القومي يناسب حقبة من الصراع المتراجع لكن المستمر، وهو فريق سيطلب منه الإشراف على عودة القوات المنهكة إلى الوطن وتكريس السلطة من خلال الاستخدام المحكوم بأهداف للعقوبات والعمليات الخاصة والضربات التي تتم بطائرات من دون طيار. ويشير اختيار أوباما لعضو مجلس الشيوخ السابق، تشاك هاغل، لشغل منصب وزير الدفاع، وجون برينان، مستشار مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، لشغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» إلى إحداث تغيير خلال الفترة الرئاسية الثانية في المؤسسات، التي كانت تتولى المهمات القتالية خلال ما يزيد على عقد من الحروب. وقد تتضمن تلك التغييرات توجيه وكالة «سي آي إيه» للعودة إلى التركيز على مهمتها الأساسية وهي جمع المعلومات الاستخباراتية، على الرغم من أن المتوقع أن تظل محتفظة بأسطول الطائرات المسلحة التي تعمل من دون طيار لسنوات مقبلة. وتواجه وزارة الدفاع إعادة هيكلة أكبر من أجل توازن خفض الميزانية مقابل التهديدات ومن بينها صعود الصين كقوة عسكرية وبزوغ نجم المنظمات التابعة لتنظيم القاعدة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. كما تمهد التعيينات الجديدة الطريق لصراع يتعلق بالتصديق على التعيينات ليس دافعه الانتقاد الموجه لهاغل وبرينان فقط، بل أيضا الاتجاه الذي يمثلانه في السياسة الخارجية الأميركية.

هناك توافق بين هاغل، أحد المقاتلين القدامى في حرب فيتنام ممن تقلدوا الأوسمة، وأوباما في الاتجاه إلى تجنب التدخل العسكري. ويرى مسؤولون بالبيت الأبيض أنه الشخص المناسب في إدارة سحب القوات الأميركية من أفغانستان وميزانية وزارة الدفاع المتقلصة. ومع ذلك يواجه هاغل انتقادات لاذعة من الذين يشككون في إخلاصه وقوة دعمه لإسرائيل.

برينان، الذي عمل في وكالة «سي آي إيه» لمدة 25 عاما وأعرب عن قلقه من المهمات شبه العسكرية التي تقوم بها وكالة الاستخبارات، وفرض قيود أكثر صرامة على القتل بالاستهداف، على الرغم من أن فترة عمله في البيت الأبيض قد اتسمت بالزيادة المفرطة في حملة الوكالة الخاصة بالطائرات التي تعمل من دون طيار. منذ أربعة أعوام، تم استبعاد اسم برينان من ترشيحات قيادة وكالة «سي آي إيه» على خلفية تساؤلات حول دوره كمسؤول رفيع المستوى في الوكالة في وقت لجأت فيه الوكالة إلى طرق تحقيق قاسية. ويعاود هذا الرابط للظهور على السطح مرة أخرى عندما يبدأ التصويت داخل مجلس الشيوخ.

ويعرف الرجلان بشخصيتهما القوية وتمسكهما بآرائهما. لكن مع ذلك يرى بعض زملائهما أنهما مناسبان للعمل في إدارة تفضل العمل السري، مثل توجيه ضربات بطائرات تعمل من دون طيار ضد أهداف تابعة لتنظيم القاعدة وتنفيذ هجمات إلكترونية على مفاعلات إيران النووية، على القوة التقليدية.

وقال أوباما خلال إعلان تعيينهما إنهما يسعيان إلى إنهاء الحرب في أفغانستان ويوليان أهمية كبيرة لمن خاضوا المعارك ويستعدان لمواجهة جملة من التهديدات. كما أكد تمتعهما بالخبرة في مناصب في المؤسستين اللتين سيتوليان رئاستهما.

وتجنب أوباما أحد الصراعات الخاصة بالتصديق على قراره عندما تم استبعاد اسم السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، سوزان رايس، من الترشيحات لمنصب وزير الخارجية في ظل انتقادات لدورها في أعقاب الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي بليبيا. وعوضا عن ذلك، اتجه أوباما إلى اختيار وسط متمثل في السيناتور جون كيري. وأقام المرشح الرئاسي السابق علاقات مع قادة أجانب يمكن أن تساعد الإدارة في الدفع باتجاه تشديد العقوبات على إيران، وتوسيع نطاق مطاردة تنظيم القاعدة بحيث تمتد إلى ما بعد اليمن وباكستان، والتعامل مع الحرب الأهلية التي تشهدها سوريا.

وقال بين رودز، نائب مستشار الأمن القومي لشؤون لاتصالات الاستراتيجية، إن اختيار أوباما لكيري وهاغل وبرينان يشير إلى تغيير في أولويات السياسية الخارجية خلال الولاية الثانية. وأوضح رودز أن للمرشحين الثلاثة النظرة نفسها للعالم وموضع الولايات المتحدة به، وهي نظرة تفضل التحالفات المتعددة والاعتماد على الاستخبارات وتكنولوجيا القتال واللجوء إلى الحرب كخيار أخير. وقال: «الرجال الثلاثة مناسبون تماما لتلك المهمة».

وقاد برينان محاولات البيت الأبيض لوضع «كتيب قواعد» عن سياسات مكافحة الإرهاب تهدف إلى إقامة مؤسسات تستطيع الاستمرار في القتال ضد تنظيم القاعدة لعقد آخر أو أكثر. مع ذلك يسعى أوباما إلى التركيز على أهداف أخرى بما فيها تبني مبادرات جديدة في آسيا وزيادة جهود الحد من انتشار الأسلحة النووية.

وسيمثل هاغل إضافة للمتشككين في الحروب الأعضاء في فريق الأمن القومي بالإدارة، في وقت تلوح فيه المواجهة العسكرية المحتملة مع إيران. وجدير بالذكر أن هاغل، دعم غزو العراق عام 2003، لكنه اختلف مع قادة الحزب فيما بعد على طريقة إدارة الحرب وعارض عام 2007 زيادة القوات. كما واجه هاغل انتقادات لاذعة خلال الأسابيع الماضية من مجموعات صورته كداعم غير قوي لإسرائيل. وإذا ازدادت هذه المعارضة، قد يواجه أوباما صراعا حول التصديق على القرار ربما يدفعه إلى التراجع عن تعيين هاغل مثلما حدث مع رايس.

يواجه برينان حاليا صراعا يتعلق بالتصديق على قرار تعيينه؛ حيث قوبل القرار بمعارضة فورية من مشرعين بارزين وبعض منظمات الحريات المدنية. وقال السيناتور الجمهوري البارز جون ماكين، إن لديه الكثير من التساؤلات والمخاوف خاصة فيما يتعلق بدور برينان فيما يطلق عليه برامج التحقيق المطورة أثناء عمله في وكالة «سي آي إيه» خلال فترة حكم الإدارة السابقة. ويذكر أن برينان كان رئيسا للعاملين عقب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) عندما أقامت الوكالة شبكة من المسجونين السريين وبدأت تستخدم وسائل قاسية وحشية في التحقيق شملت الإيهام بالغرق.

قدم برينان نفسه كمنتقد لتلك الطرق، لكن زملاء سابقين له قالوا إنهم لا يتذكرون أنه اعترض على تلك الوسائل عندما كان مسؤولا رفيع المستوى في وكالة الاستخبارات. وقالت عضو مجلس الشيوخ الديمقراطية ورئيسة لجنة الاستخبارات، ديان فينستين، في مقابلة الاثنين إنها تدعم برينان وتعتقد أنه سيتم التصديق على قرار تعيينه. ولدى سؤالها عن المعارضة التي قد يواجهها، قالت: «أعتقد أنه سيواجه بعض المعارضة، لكنها لن تكون قوية». وانتهت اللجنة، التي ترأسها في مجلس الشيوخ، مؤخرا من تحقيق مدته ثلاثة أعوام عن برنامج التحقيق في وكالة الاستخبارات، الذي تم إلغاؤه بشكل كامل تقريبا قبل تولي أوباما الرئاسة. وتوضح السجلات أن برينان كان على علم بتفاصيل البرنامج، لكن فينستين تقول إنه لا يوجد أي دليل يشير إلى أنه شارك في البرنامج بشكل واضح.

واضطلع برينان بصفته مستشارا رفيع المستوى لأوباما خلال السنوات الأربع الماضية بدور مباشر في برنامج آخر مثير للجدل في وكالة الاستخبارات، وهو حملة الضربات الجوية التي تتم بطائرات من دون طيار ضد أهداف تابعة لتنظيم القاعدة في باكستان واليمن والصومال. وقال مسؤولون رفيعو المستوى في الإدارة إن برينان تصدى لفرض مزيد من القيود على القتل بالاستهداف. ومع ذلك، ازدادت وتيرة الهجمات؛ حيث بلغ عدد الهجمات في باكستان واليمن على مدى العقد الماضي 390، 340 منها تمت خلال فترة رئاسة أوباما وبرينان بحسب دورية «لونغ وور جورنال» التي ترصد الهجمات التي تتم بطائرات من دون طيار.

وإضافة إلى تعيين هاغل وبرينان، يستعد الرئيس أوباما إلى إصدار تعيينات أخرى لإعادة ترتيب المناصب الأمنية في البيت الأبيض، حسبما قال مصدر دبلوماسي أميركي. وقلل المصدر، الذي كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط» من احتمال ضم سوزان رايس، سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، لتصبح مستشارة الرئيس للأمن الوطني، خلفا لتوم دونيلون، وذلك بسبب استمرار توتر العلاقات بين رايس وقادة جمهوريين في الكونغرس. وقال المصدر إن مصير دونيلون يعتمد على مصير رايس. وعلى الرغم من أن دونيلون كان أعلن نيته الاستمرار في منصبه، سيضطر لأن يترك المنصب إذا اختار أوباما رايس مكانه. وفي هذه الحالة، يطمع دونيلون في تعيينه وزيرا للخزانة. وكان وزير الخزانة الحالي، تيموثي غايثر، أعلن أنه سيترك منصبه مع نهاية الرئاسة الحالية لأوباما.

وقال المصدر إنه، في جانب آخر، إذا صارت رايس مستشارة لأوباما، سيخلو منصبها في الأمم المتحدة، وتعتبر سامانثا باور، مستشارة أوباما للشؤون الخارجية، المرشحة الأولى لمنصب الأمم المتحدة. وبحكم منصبهما يعمل باور وبرينان، في مجلس الأمن الوطني، كمستشارين، وليس كعضوين رسميين. ومعروف أن مجلس الأمن القومي يرأسه الرئيس أوباما، ويضم وزيري الدفاع والخارجية، ومدير «سي آي إيه»، والقائد العام للقوات المسلحة، ومدير الأمن الوطني (الذي يجمع وكالات الاستخبارات)، وكبير موظفي البيت الأبيض، ومستشار الرئيس للأمن الوطني. ومن وقت لآخر، حسب الظروف، يشترك في اجتماعات مجلس الأمن الوطني وزراء الخزانة، والعدل، والأمن الوطني، والسفيرة في الأمم المتحدة، ومستشارا الرئيس للشؤون الداخلية والشؤون الاقتصادية. وكانت مصادر إخبارية أميركية قالت إن إعادة ترتيب الأجهزة الأمنية والدبلوماسية في البيت الأبيض تأجل حتى يختار أوباما خلفاء لكل من وزيري الخارجية (هيلاري كلينتون) والدفاع بانيتا ومدير «سي آي إيه» المستقيل ديفيد بترايوس.