الشتاء يضاعف معاناة اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري

المستشفى الميداني المغربي يداوي الآلام.. والسكان يسعون للتأقلم مع الواقع

TT

يؤكد سكان مخيم الزعتري للاجئين السوريين بالأردن أنهم رغم كل ما يحيط بهم من ظروف صعبة فإنهم يسعون للتأقلم مع الأمر الواقع، بينما تحاول السلطات الأردنية، بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تحسين الأوضاع والظروف المعيشية بقدر المستطاع لهؤلاء السكان ممن اضطرتهم ظروف الحرب الدائرة في بلادهم منذ نحو 22 شهرا إلى الهرب.

وتعمل السلطات الأردنية على تعبيد الشوارع وبناء المطابخ وتحسين دورات المياه وغيرها من الخدمات، التي أبعدت شبح الغبار الذي كان يزعج اللاجئين. ويخضع المخيم لرقابة أمنية صارمة من خلال تشديد بعض الإجراءات في الدخول والخروج، تحسبا من دخول المندسين من أعوان النظام السوري، أو من أردنيين بعثيين متعاطفين مع نظام الأسد.

والزائر إلى المخيم يلاحظ تشكل نواة سوق شعبية على جانبي الطريق الرئيسي الذي يشق المخيم إلى نصفين. والمتجول فيه يلاحظ أن النزلاء أخذوا في التأقلم مع الواقع الجديد، وأقاموا بسطات داخل الخيام أو أبنية من الصفيح شيدت لهذه الغاية، حيث يستطيع اللاجئ الذي يملك نقودا شراء المأكولات المختلفة والملابس والأدوات المنزلية، وكذلك حتى الحلويات العربية المختلفة من البقلاوة والكنافة وغيرها.

ويوجد في هذه السوق من يعمل في الهواتف وبيع بطاقة التعبئة، وكذلك من يعمل بالصرافة وتبديل العملة السورية أو الدولار بالعملة الأردنية. ويقول أحد ساكني المخيم ويدعى ياسر: «هناك من اللاجئين من وصل إلى المخيم ولديه رأس مال، وهؤلاء في الأساس تجار تجزئة، ففضلوا العمل وتنمية أموالهم بدلا من الجلوس».

وينشغل اللاجئون في شوارع المخيم بالظروف المناخية، حيث يقومون بوضع البلاستيك لوقاية خيامهم من المطر، بينما يضع آخرون البطانيات على جوانب الخيمة الداخلية للتخفيف من برد الليل، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى الصفر المئوي أو ما دونه. وفي إحدى الخيام تحدثت «أم محمد»، وهي أم لأربعة أطفال من درعا، فقالت إنها لا تجد سبيلا لوقاية نفسها وأطفالها من البرد الشديد، فضلا عن المطر الذي قالت إنها وأطفالها باتوا يخافون قدومه، مشيرة إلى أن خيمتها، وعددا من الخيام المجاورة، اقتلعتها الرياح واضطرت وأطفالها إلى قضاء بقية الليلة في خيمة أخرى.

وقد قامت الهيئة الخيرية الهاشمية قبل فترة بتوزيع مدافئ غاز بواقع مدفأة للعائلة الواحدة، كما يتم منح اللاجئ أسطوانة غاز يتم تبديلها كل 14 يوما، حيث يستهلك المخيم بمعدل ألف وخمسمائة أسطوانة غاز يوميا. وتوزع الهيئة على اللاجئين المدافئ والبطانيات، فضلا عن إرشادات السلامة العامة والتحذير من استعمال المدفأة داخل الخيام المكونة من القماش.

من جانبه، أصبح المستشفى الميداني الجراحي المغربي في المخيم المرجع الرئيسي لهؤلاء اللاجئين للحصول على العلاجات الطبية والنفسية. فمنذ تقديم خدماته، في مطلع أغسطس (آب) من العام الماضي، تتسارع وتيرة الإقبال على هذا المستشفى الذي يضم جميع التخصصات الطبية، إضافة إلى دوامه على مدار الساعة ليخدم كل المرضى والنساء الحوامل والأطفال.

ويقول الدكتور العقيد سيف الدين الكندري إن «معدل الإقبال على المستشفى في تزايد ملحوظ في الآونة الأخيرة، حيث يراجعنا يوميا من بين 800 إلى ألف لاجئ، من بينهم ما لا يقل عن 150 طفلا»، مشيرا إلى أن عدد المستفيدين من خدمات المستشفى بلغوا إجمالا - حتى 29 ديسمبر (كانون الأول) الماضي - ما مجموعه 64 ألفا و860 لاجئا، وذلك في مختلف التخصصات الطبية.

ويضيف الدكتور الكندري أن المستشفى استقبل 240 من جرحى الحرب السوريين، خضع عدد كبير منهم لعمليات جراحية، في حين بلغ عدد حالات الولادة التي شهدها 72 حالة، 39 منها أجريت بعمليات قيصرية، بينما استفاد 1454 لاجئا من خدمات الدعم النفسي، بينما توافد أكثر من 12 ألفا على قسم الطوارئ، الذي يعمل على مدار الساعة، مما يعني أن المستشفى المغربي قد تكفل، منذ شروعه في العمل، بتوفير أكثر من 50% من الخدمات الطبية والصحية، المقدمة للاجئين السوريين بمخيم الزعتري.

وتصل الطاقة الاستيعابية للمستشفى، الذي أقامته القوات المسلحة المغربية، إلى 60 سريرا قابلة للزيادة، بينما يقوم على العمل فيه 27 طبيبا و16 ممرضا. ويوضح الدكتور الكندري أن معظم الأمراض التي تصل إلى المستشفى هي أمراض الشتاء، بسبب قلة التدفئة، خصوصا أن الطقس البارد يؤثر على صحة الأطفال والنساء الحوامل، مشيرا إلى أن الأطفال والنساء يشكلون نحو 70 في المائة من سكان المخيم.

ويأتي ذلك بينما تواصل ارتفاع أعداد اللاجئين الداخلين إلى أراضي الأردن، حيث دخل نحو أربعة آلاف شخص خلال الأيام الخمسة الماضية، على ما أفاد به الناطق باسم شؤون مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن إنمار الحمود، قائلا إن «ارتفاع وتيرة العنف على الأراضي السورية كان السبب في ارتفاع أعداد اللاجئين».

ولفت الحمود إلى أن عدد المقيمين في مخيم الزعتري بلغ حتى أمس 63 ألفا و211 لاجئا، مشيرا إلى أن السلطات المختصة في المخيم سمحت لنحو 123 لاجئا بالعودة طواعية إلى بلدهم بعد تعبئتهم نموذج «طلب العودة إلى الوطن». وأضاف أنه تم منح 5 لاجئين سوريين في المخيم كفالات وفقا لنظام الحالات الإنسانية، لافتا إلى أن هناك 17 لاجئا طلبوا العودة إلى مخيم الزعتري بعد أن حصلوا على كفالات للخروج منه، الأمر الذي يشير إلى تحسن أوضاع المخيم بشكل كبير.

وأشار إلى أن العدد الكلي للاجئين السوريين في الأردن يبلغ حاليا قرابة 291 ألف شخص، لافتا إلى أن مخيمي «مريجب الفهود» في محافظة الزرقاء (23 كلم شمال شرقي عمان)، و«سايبر ستي» في الرمثا بمحافظة إربد (95 كلم شمال عمان) سيفتتحان نهاية الشهر الحالي. وقال إن السعة المبدئية لمخيم «مريجب الفهود» 5 آلاف لاجئ قابلة للزيادة السريعة التي تصل إلى 30 ألفا، بينما سيتم نقل اللاجئين الفرادي (من دون عائلات) إلى مخيم «سايبر سيتي».