تبعات سياسية وقانونية ودبلوماسية وحتى عسكرية تترتب على تشكيل حكومة المعارضة

مصادر فرنسية رسمية: خطاب الأسد «يفتقد للعقلانية» ولم نتوصل لفهم منطلقاته

TT

أعربت مصادر فرنسية رسمية أمس عن «ذهولها» إزاء خطاب الرئيس السوري يوم الأحد الماضي، واصفة إياه بأنه أصبح «أصم وأعمى» بحيث أنه «لا يسمع ولا يرى التحولات الجارية من حوله»؛ في إشارة منها إلى التحولات الجارية سياسيا وميدانيا. واعترفت هذه المصادر بأنها «عجزت» عن فهم منطلقات الخطاب وأهدافه بسبب «انقطاعه التام» عن الواقع القائم وافتقاره لأي «عقلانية».

وترى فرنسا أن العيب الأول للخطاب أنه «لا يفضي إلى أي شيء» و«لا يفتح أي كوة في جدار الأزمة» بحيث أنه جاء من خارج إطار الزمان والمكان، ولذا فإنه غير صالح لأي مبادرة وتعوزه الجدية. وتتمسك باريس بشرط تنحي الأسد عن السلطة كشرط مسبق «لأنه لا يمكن أن يكون جزءا من الحل السياسي»، معتبرة أنه «لا يمكن قبول شخص ارتكب وفق الأمم المتحدة جرائم ضد الإنسانية» كمشارك في المخرج السياسي من الأزمة السورية.

أما في موضوع بيان جنيف، الذي يعتبره الإبراهيمي قاعدة لتحركه ومبادراته التي لم تفض حتى الآن لشيء، فإن فرنسا لا تنفي أهميتها.. لكنها ترى أن «أمورا كثيرة قد جرت منذ ستة أشهر وحتى اليوم»، أي في الفترة التي انقضت منذ صدور البيان نهاية يونيو (حزيران). ولذا يتعين أن يكون العنصر الزمني «جزءا من المعادلة». فضلا عن ذلك، عاد الخلاف الغربي - الروسي حول تفسير بيان جنيف لجهة «عقدة» مصير الأسد.

وتقول باريس إنها على «اطلاع» بما يجري بين موسكو وواشنطن من محادثات لتسهيل مهمة الإبراهيمي، الذي يستفيد على ما يبدو من «قناعة روسية» مفادها أن الأسد «لن يستطيع البقاء في السلطة، وبالتالي يتعين على روسيا أن تبحث عن طريقة تضمن لها مصالحها». وبأي حال، سيكون لروسيا دور عندما يعود الملف إلى مجلس الأمن، خاصة في مرحلة ما سقوط الأسد، لأن سوريا ستكون بحاجة إلى قوات دولية لحفظ الأمن والنظام والمحافظة على الدولية ولمساعدة سياسية وقانونية لإعادة بناء أسس الدولة وخلاف ذلك. وكل هذه المهمات تفترض توكيلا دوليا يمكن لمجلس الأمن «وحده» أن يعطيه.

وترى باريس أنه إذا كان الأسد يعتبر أن مواقعه العسكرية قد تحسنت في الأيام الأخيرة، وبالتالي فهو قادر على التمترس في مواقف متشددة، فهو «مخطئ».. لأن «كسب حي هنا أو قرية هناك لن يغير مجرى التطورات التي تدل كلها على تقلص سلطة الأسد وخساراته للكثير من المواقع الاستراتيجية».

وتفيد المعلومات المتوافرة لباريس أن النظام اضطر، بسبب التغيرات الميدانية، إلى «تجميع خيرة وحداته في منطقة دمشق استعدادا لمعركة العاصمة الكبرى»، ما يعني أنه عمليا لم يعد قادرا على فرض سيطرته على كل الأراضي السورية. وتقدر فرنسا أن الأسد فقد السيطرة على 60 في المائة من الأراضي السورية.

ولا تقتصر التطورات على التحولات الميدانية، بل هي أيضا سياسية ودبلوماسية تتمثل في «العمل الجاد» الذي يقوم به الائتلاف السوري المعارض، الذي تنتظر منه باريس أن يعمد إلى تشكيل حومة مؤقتة تحظى بالشرعية. وكانت باريس أول من طالب بذلك وأعرب عن استعداده للاعتراف بها.

ووفق المنظور الفرنسي، فإن تشكيل حكومة مؤقتة للمعارضة يعني عمليا الاقتناع بأن الجهود الدبلوماسة والسياسية قد أفلست، وبالتالي فلا فائدة من الانتظار. وكما أن آخر الدواء الكي، فإن تشكيل حكومة المعارضة يمكن تفسيره على أنه «لا عودة إلى الوراء بعد ذلك»، حيث إنه تترتب عليه تبعات قانونية ودبلوماسية وسياسية واقتصادية، وإلى حد ما عسكرية. ففي المقام الأول، تستطيع الحكومة العتيدة أن تطلب من الهيئات الإقليمية والدولية «الأمم المتحدة» الاعتراف بأنها الممثل الشرعي الوحيد للدولة السورية، وثمة آلية معروفة في الأمم المتحدة يمكن سلوكها من أجل تحقيق هذا الهدف والاعتراف بشرعيتها والتغلب على المعارضة الروسية - الصينية.

وتنسحب هذه التحولات سياسيا «لجهة توفير دعم إضافي للمعارضة»، ودبلوماسيا «تمثيل الدولة السورية»، واقتصاديا «التصرف بالموجودات السورية في الخارج»، وعسكريا «المطالبة بالسلاح باعتبارها جهة شرعية». ولذا، فإن تحولا من هذا النوع يعد بالغ الأهمية وسيكون له أثر بالغ على مجرى الأحداث على كل الأصعدة.

والخلاصة التي تتوصل إليها المصادر الفرنسية أن نظام الأسد «يسير عكس التيار»، وحساباته خاطئة تماما.. ولذا فإن سقوطه «مسألة وقت ليس إلا».