تونس: «العفو الدولية» تنتقد انتصاب المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين

بعد تشديد حكم ضد المستشار الإعلامي السابق للمرزوقي الذي اتهم قيادات من الجيش بـ«الخيانة العظمى»

تونسيون يمرون بالقرب من صورة للثورة التونسية في شارع الحبيب بورقيبة في العصمة تونس أمس (إ.ب.أ)
TT

انتقد مكتب منظمة العفو الدولية بتونس في بيان أصدره أمس، انتصاب المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين، وقال إن الحكم الصادر ضد أيوب المسعودي المستشار الإعلامي السابق للرئيس المنصف المرزوقي والقاضي بتشديد العقوبة ورفعها من أربعة أشهر إلى 12 شهرا تؤكد أن القضاء العسكري لا يمكن أن يكون في نفس الوقت الخصم والحكم. وقال البيان إن التصريحات المنسوبة إلى المسعودي بشأن عدم إعلام المرزوقي بتاريخ تسليم البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء ليبي إلى السلطات الجديدة في ليبيا، تدخل في باب حرية الري والتعبير بعيدا عن تقديس المؤسسات وإبعادها عن النقد مثلما كان الشأن في عهد بن علي.

وكان المسعودي قد قدم استقالته من منصبه كمستشار إعلامي للرئيس المرزوقي نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي واتهم في برنامج تلفزيوني القيادات العسكرية بـ«الخيانة العظمى» لعلمها بتوقيت تسليم البغدادي إلى ليبيا (تم التسليم يوم 24 يونيو 2012) وإخفاء الأمر عن الرئيس المرزوقي على الرغم من احتلاله منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة التونسية.

وفي هذا الشأن صرح لطفي عزوز رئيس مكتب تونس لمنظمة العفو الدولية لـ«الشرق الأوسط» بأن تواصل محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية يحيلنا بالضرورة إلى فترة ما قبل الإطاحة بنظام بن علي. وقال إن مجرد انتقاد المؤسسة العسكرية وإبداء رأي في حين جرى نهاية شهر يونيو 2012 لا يمكن أن يكون سببا للإدانة والمثول أمام القضاء العسكري في قضية تكون وزارة الدفاع وقياداتها طرف فيها. وأضاف عزوز أن المواثيق الدولية قد مكنت أي شخص من انتقاد أي مؤسسة في حدود الأعراف الجارية ولا توجد على حد قوله: «مؤسسة تخدم الشأن العام بعيدة عن النقد وتحظى بالقداسة والحصانة». وقال إن القضاء العسكري على الرغم مما وفره من ضمانات لا يمكن أن يحاكم المدنيين وعليه أن يكون حكرا على الأطراف العسكرية حتى يحظى بالمصداقية الضرورية وتكون أحكامه بعيدة عن الشبهة.

وحول إمكانية تدخل المؤسسة العسكرية في إصدار الأحكام القضائية والتدخل بالتالي في القرار السياسي باعتبار أن المسعودي المستشار الإعلامي للرئيس المرزوقي قد انتقد المؤسسة العسكرية واتهمها بـ«الخيانة العظمى»، قال عزوز إن أمر إثبات تدخل المؤسسة العسكرية للتأثير في القرار السياسي يتطلب الكثير من أدوات الإثبات، ولكن الأمر على حد تعبيره لا يخلو من بعض الخلل. وأشار إلى أن المؤسسة العسكرية في قضية أيوب المسعودي لعبت دور الخصم والحكم في نفس الوقت، فالمعروف أن القضاء العسكري يخضع مباشرة إلى وزير الدفاع. وفي قضية الحال نجد أن وزارة الدفاع ممثلة في الوزير عبد الكريم الزبيدي ورشيد عمار رئيس أركان الجيوش هي الطرف المشتكي بالمستشار الإعلامي وهو ما يعني أن القاضي الذي سيصدر أحكامه سيكون مباشرة تحت أعين وزارة الدفاع وهو ما يضعف موقفها ويخفض من درجة مصداقية وحيادية الأحكام التي تصدرها.

وحول عملية تشديد الحكم الصادر ضد المستشار الإعلامي السابق للرئيس المرزوقي ومدى تدخل المؤسسة العسكرية في استصداره في مرحلة أولى ثم الترفيع في مدة العقوبة في مرحلة ثانية، قال المحلل السياسي جمال العرفاوي إن الحكم كان قاسيا بجميع المقاييس واعتبر أن خدمة المسعودي للدولة التونسية في أحلك الظروف لم تشفع له لدى المؤسسة العسكرية. وأضاف في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن القضية كان من المفترض أن تعرض على محكمة مدنية لرفع كل أشكال الشبهة والالتباس.

وقال أيضا إن المؤسسة العسكرية هي الطرف الوحيد الذي بقي نائيا عن النقد وعلى الرغم من احترام القضاء العسكري فإن الملف الحالي كان أخل بأحد المبادئ الأساسية في القضاء وهو مبدأ الحياد. وعن مدى تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، استبعد العرفاوي الأمر على الأقل في هذه المرحلة التي بدأت تشهد استقرارا أمنيا بالمقارنة مع الأشهر الأولى للثورة التونسية. وقال إن المؤسسة العسكرية تدرك منذ الفترات الأولى للاستقلال أن مكانها الطبيعي في الثكنات وهي على ما يبدو لا تزال تحافظ على موقعها الحيادي ومن الصعب على حد تقديره أن تجازف تلك المؤسسة التي تحظى باحترام التونسيين إلى المجازفة بتاريخها الطويل في خدمة تونس دون خضوع للتجاذبات السياسية مهما كان نوعها وتنغمس في عالم السياسة المتقلب.

وتاريخيا تحظى المؤسسة العسكرية باحترام التونسيين ولا تبدي آراءها في السياسة الداخلية التونسية، وكان التونسيون قد أبدوا إكبارا لها إبان الثورة بعد امتناعها عن استعمال السلاح في وجه الفئات المحتجة على نظام ابن علي وانضمامها إلى صفوف المحتجين.

وحافظت المؤسسة العسكرية على جانب مهم من قربها من الأحداث ومتابعتها لها وهي تواكب كل المستجدات من خلال مرافقة الوفود الحكومية التونسية في معظم تنقلاتها وأحدثها زيارة وفد حكومي تونسي إلى ليبيا للنظر في فتح المعبر الحدودي برأس الجدير، فقد كان كل من عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع ورشيد عمار رئيس أركان الجيوش في نفس الطائرة التي أقلت حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية الحالية إلى العاصمة الليبية طرابلس.