رئيس الحكومة الليبية يهدد باستخدام القوة بعد اضطرابات في طرابلس

بالتزامن مع تحريك دبابات في العاصمة.. وقطع الاتصالات في الشرق وإغلاق مطار

TT

انقطاع مفاجئ في الاتصالات الهاتفية في شرق البلاد، واضطرابات تزامنت مع تحريك دبابات في بعض مناطق وشوارع طرابلس العاصمة، التي تعرضت للإغلاق على خلفية مقتل تاجر مخدرات. هكذا كان المشهد الأمني أمس في ليبيا التي عاد رئيس حكومتها الانتقالية الدكتور علي زيدان إلى إبداء موقف سياسي أكثر صلابة تجاه ما اعتبره محاولة لتعطيل عمل حكومته التي تشكلت قبل أسابيع قليلة، حيث هدد زيدان باستخدام القوة لردع أي تجاوزات ضد الشرعية أو تهديد الأمن أو محاولة وقف إنتاج النفط.

وقال زيدان «لن نمسح لأي جهة بأن تقض مضاجع الحكومة أو المؤتمر الوطني، ونحن ماضون في تطوير مؤسسات الدولة والجيش والشرطة، ولن نتوقف مهما كانت المعوقات». ولمح زيدان إلى تورط بعض المحسوبين على نظام العقيد الراحل معمر القذافي في هذه الاضطرابات، ومحاولة تعطيل الحكومة، وقال «لا أتحدث عن طلاسم أو ألغاز، فالجميع يعرفون عمن أتحدث. هؤلاء الذين يريدون الاحتفاظ بمصالحهم الخاصة ويريدون أن يرهنوا ليبيا لمصالحهم لن نمسح لهم ذلك».

وشهدت طرابلس سلسلة من الاضطرابات الأمنية المحدودة لليوم الثالث على التوالي في مناطق رأس حسن، وزاوية الدهماني، وفشلوم، وبن عاشور، وزناتة، والجديدة، كما أغلق الطريق الدائري الثاني من قبل محتجين بعد اشتباكات وقعت بينهم وبين قوة الردع الخاصة التي تتبع لكتيبة النواصي المعروفة باسم «كتيبة الإسناد الأمنية الثامنة». وأدت التطورات الأمنية في طرابلس إلى اندلاع شجار بين بعض العائلات وعناصر من هذه الكتيبة، مما أدى إلى مقتل وإصابة خمسة أشخاص على الأقل، وفقا لمصادر أمنية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، مشترطة عدم تعريفها. وقال شهود عيان ومسؤولون محليون في المكان عينه عبر الهاتف إن هذه الأحداث جرت في الضاحيتين الوسطى والشرقية بالعاصمة طرابلس، وهي مناطق خاضعة لسيطرة الميليشيات المحسوبة على الإسلاميين.

واندلعت هذه التطورات بعد مقتل تاجر مخدرات شهير في المنطقة، إثر تعرضه لتعذيب بعد توقيفه قبل يومين، مما أثار حفيظة بعض الأهالي والثوار المسلحين. وتعرضت سيارة العقيد محمود الشريف، مدير الأمن الوطني بطرابلس، لمحاولة اعتداء خلال محاولته إقناع المتظاهرين الذين أغلقوا الشوارع باستخدام الحواجز والمتاريس والطوب بالانسحاب. وقال شهود عيان في طرابلس إنهم شاهدوا أمس تحريكا لدبابات تابعة لكتيبة تابعة لقوات درع ليبيا في منطقة الغرارات التي تقع جنوب قاعدة معيتيقة في سوق الجمعة بالمدينة، لكن مسؤولين ليبيين قالوا في المقابل إن تحريك الدبابات لا يمثل أي خطر أمني، ووصفوا هذا الإجراء بأنه اعتيادي وليس مستغربا في ظل الأوضاع الأمنية الراهنة.

من جهته، قال رئيس الوزراء الانتقالي، علي زيدان، في لهجة أشد تشددا، خلال كلمة ألقاها مساء أمس على الهواء مباشرة، وبثها التلفزيون الليبي الرسمي «لن نسمح بأن يفرض أي كان على الحكومة شيئا بقوة السلاح»، مطالبا مواطنيه مجددا بمساندة حكومته، والصبر عليها، والتعاون معها لأجل ليبيا حاضرا ومستقبلا.

وفي ما بدا أنه بمثابة تعبير عن نفاد صبره وامتعاضه من الانفلات الأمني، قال زيدان إنه قطع اجتماعا عقدته حكومته للحديث إلى المواطنين «من يريد أن يفرض على الحكومة أي شيء بقوة السلاح فلن يكون له ذلك. نحن نتصرف وفقا لمسؤوليتنا تجاه شعبنا وما منحنا إياه المؤتمر الوطني العام صاحب الشرعية في هذا البلد». وهذه هي المرة لثانية على التوالي التي يهدد فيها زيدان باستعمال القوة، لكنه حذر أمس من أن استعمال القوة قد يؤدي هذه المرة إلى سقوط قتلى وجرحى. وتابع قائلا «نواجه مواطنين من وطننا وأبنائنا وأهلنا. فهم من يقومون بمثل هذه الأعمال. نحاول أن نتفهم ونساعد ونصبر، لكن قد نضطر لإجراءات حازمة. أنبه العائلات والقبائل والمدن بأننا لن نصبر إذا وصل الأمر لقطع إنتاج النفط، الشريان الحيوي لليبيين».

وقال زيدان «سنستعمل القوة مع كل من يريد أن يوقف شريان ليبيا وهو البترول، لأنه من غير المقبول أن يقوم بعض المواطنين بإغلاق الموانئ النفطية التي تكلف الدولة الليبية الملايين كل يوم». واستطرد «أي شخص يأتي ليقطع خطا للنفط مما يوقع خسائر، سيجعلنا نضطر لاستعمال القوة، مما سيؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى. الدولة لا يمكن أن تكون دولة من دون حزم. من لديه ابن أو قريب يجب أن تكون لديه القدرة على منعه من العبث بالمال العام».

وتعهد زيدان بمحاولة تحسين الوضع الاقتصادي عقب إقرار المؤتمر الوطني للميزانية العامة للدولة التي تتم مناقشتها حاليا. وقال «نحن نسعى للوفاء بما هو مستطاع، وبما هو متاح من أموال، لكن هذه الأمور تقتضي إجراءات وترتيبات يجب احترامها». ووضع زيدان مواطنيه في صورة هذه الترتيبات قائلا «لا نستطيع أن نعبث بأموال الوطن ونوزعها بسهولة، سنتبع كل الإجراءات القانونية، وسندفع كل الالتزامات، ومن له حقوق ينبغي أن يصبر حتى تتم الإجراءات».

وكشف زيدان النقاب عن قيام حكومته خلال الأسابيع القليلة الماضية بتحويل بعض التعويضات المالية للمدن التي تضررت خلال الانتفاضة الشعبية العام الماضي ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي. وحثت اللجنة الأمنية العليا في طرابلس جميع المواطنين على ضرورة التقيد بالقوانين والقرارات الصادرة عن المؤتمر والحكومة والالتزام بضوابط الاعتصامات ووقتها ومكانها.

وهدت اللجنة في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه باتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يقوم بأي مخالفة أو إضرار بالصالح العام مثل إغلاق الطرقات وقطع سبيل المارة والإضرار بالممتلكات الخاصة والعامة.

وقال عمر الخدراوي، وكيل وزار الداخلية الليبية الذي حضر اجتماع الحكومة أمس، إن ما حدث من اشتباكات نجم عنه إغلاق الطرق والتعدي على الممتلكات، وعلى سيارات الموطنين، وتدمير سيارة للشرطة، مشيرا إلى أن المشكلة بدأت في الغرارات بمنطقة سوق الجمعة بين ثلاثة أشخاص نتج عنها مقتل أحدهم. وزاد قائلا «في ساعات الصباح الأولى من هذا اليوم (أمس) قامت مجموعة مارقة بإقامة بوابة وهمية بالقرب من سجن الجديدة، والسطو على المواطنين، ورجال الأمن، ورمي الرصاص العشوائي على المارة، فتدخلت قوة الردع الخاصة. وعند الاقتراب من المجرمين ومن دون مقدمات قاموا بفتح النار على سيارات القوة التي ردت بالمثل ووقع اشتباك حصيلته إصابة شخصين من قوة الردع الخاصة وقتل شخصين آخرين». ولفت الخدراوي إلى أنه تم تحذير آمر كتيبة النواصي، عبد الرؤوف كاره، بسبب هذه الأفعال، وجرى التحقيق معه بشأنها. وتدخل رئيس الحكومة مضيفا «سنحقق مع هذا الشخص، وإذا ثبت تجاوزه للقانون فلن نتهاون معه»، فيما طالب الخدراوي من لديه شكاوى ضده بالتقدم بها لوزارة الداخلية، متعهدا بالتحقيق فيها.

وتحدث أسامة سيالة، وزير الاتصالات، عن تعرض الكابل البحري الذي يربط بنغازي ومساعد في المنطقة الشرقية للقطع في الساعة الخامسة من صباح أمس، مشيرا إلى أنه أعقب ذلك انقطاع آخر بعد مرور ساعة واحدة، مما أدى إلى انقطاع الاتصالات وإغلاق مطار بنينة. وتوقفت خدمات الاتصال بشبكة الإنترنت ومختلف أنواع الاتصال الأرضي الثابت واللاسلكي في مختلف مناطق شرق ليبيا، فيما قال سيالة إن سبب حدوث انقطاع في الكابل البحري على بعد 14 كم من الساحل الليبي يرجع إلى مرور جرافة صيد.

لكن مسؤولا في شركة الاتصالات الحكومية أعلن في المقابل أن هذا الخلل ناجم عما وصفه بالعبث الذي قام به مجهولون الأسبوع الماضي، مشيرا إلى أن صيانة الكابل البحري تمت يوم الأحد الماضي وعادت الاتصالات مجددا، إلا أن خللا ما حدث في الكابل، وأوقف الخدمات مجددا.