الأمم المتحدة تريد استخدام طائرات «درون» في مهام حفظ السلام

المؤيدون يشيرون لتكلفتها المنخفضة.. والمتحفظون يخشون الاستغناء عن جنودهم المشاركين

طائرات «درون» المقترحة لمهام حفظ السلام ستكون مزودة بتكنولوجيا الأشعة تحت الحمراء
TT

تخطط الأمم المتحدة، في إطار سعيها لتحديث عمليات حفظ السلام التي تضطلع بها، لأول مرة، لنشر أسطول من الطائرات من دون طيار الخاصة بها، في إطار مهام حفظ سلام في وسط وغرب أفريقيا. وأخطرت إدارة عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة الكونغو ورواندا وأوغندا بأنها تعتزم نشر وحدة تضم ما لا يقل عن ثلاث طائرات من دون طيار غير مسلحة في المنطقة الشرقية من الكونغو.

ويعد هذا الإجراء الخطوة الأولى في عرض أوسع نطاقا لتضمين أنظمة استطلاع جوي من دون طيار، التي أصبحت سمة أساسية في العمليات العسكرية الغربية، في إمبراطورية عمليات حفظ السلام الواسعة. غير أن الجهد يواجه مقاومة من جانب الحكومات، لا سيما حكومات الدول النامية، التي تخشى من أن تفتح الطائرات من دون طيار جبهة جمع معلومات جديدة تسيطر عليها قوى غربية وربما تحل محل فرق حفظ السلام الأفريقية والآسيوية التي تعمل الآن كرقيب للأمم المتحدة على الأرض.

ويقول أوليفييه ندوهانغيريهي، الدبلوماسي الرواندي بالأمم المتحدة: «يجب أن لا تصبح أفريقيا مختبرا لأجهزة الاستخبارات من الخارج. نحن لا نعلم ما إذا كانت هذه الطائرات ستستخدم في جمع معلومات من كيغالي أم كامبالا أو بوجومبورا أم من المنطقة بأسرها».

وتخشى الدول النامية من السيطرة الغربية على المعلومات التي تجمعها الطائرات التي تعمل من دون طيار. ويعود بعض تلك المخاوف إلى تسعينات القرن العشرين، حينما اخترقت الولايات المتحدة وقوى عظمى أخرى وكالة التفتيش عن الأسلحة التابعة للأمم المتحدة من أجل جمع معلومات عن جيش الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.

ولم يفض تنامي الاستخدام الأميركي للطائرات من دون طيار في باكستان واليمن ومناطق أخرى من أجل التعرف على الإرهابيين المشتبه بهم وقتلهم، إلى شيء سوى زيادة حدة المخاوف بشأن نشرها على أنها جزء من مهام حفظ السلام متعددة الأطراف. وسعى مسؤولو الأمم المتحدة إلى تخفيف حدة الشكوك، قائلين إنهم ليست لديهم نية لتسليح الطائرات من دون طيار أو التجسس على دول لم توافق على استخدامها. وسيكون مدى الطائرات من دون طيار التابعة للأمم المتحدة قرابة 150 ميلا، ويمكن أن تحلق لمدة تصل إلى 12 ساعة في المرة الواحدة. وستكون مزودة بتكنولوجيا الأشعة تحت الحمراء التي يمكنها تعقب القوات المختبئة بالأجزاء العليا المتغصنة من الغابات أو التي تعمل في منتصف الليل، مما يسمح لها بتعقب حركات الميليشيات المسلحة ودعم الدوريات المتجهة صوب الأراضي الخاصة بالخصم وتوثيق الأعمال الوحشية.

وقال مسؤول بالأمم المتحدة طلب عدم الإفصاح عن هويته نظرا لحساسية الموضوع: «هذه في واقع الأمر مجرد كاميرات متنقلة. طريقتنا المثلى للحماية تتمثل في التحذير المبكر. كانت لدينا مؤخرا دورية نصب لها كمين في دارفور. إذا كانت لديك طائرة من دون طيار قبل الدورية، كان من الممكن أن ترى الطرف المختبئ في الكمين». وأضاف: «إذا أحطت علما بأن الجماعات المسلحة تتحرك باتجاه شن هجوم أو الدخول في معركة، مبكرا بالدرجة الكافية، فيمكنك تحذير المدنيين».

وتنظر الأمم المتحدة، التي تدير قوة تضم أكثر من 100 ألف جندي حفظ سلام في 15 مهمة، للطائرات من دون طيار على أنها بديل منخفض التكلفة لطائرات الهليكوبتر باهظة الثمن في عمليات الاستطلاع.

وإلى جانب تعليق عمليات نشر القوات في الكونغو، أصدرت المنظمة أمرا بإجراء دراسة جدوى حول استخدامها في ساحل العاج. ويقول مخططون عسكريون إنهم يرون حاجة لاستخدام الطائرات من دون طيار في العديد من المهام الأخرى، من بينها مهام في دارفور والسودان وجنوب السودان، حيث تراقب الأمم المتحدة التوترات على طول حدود البلدين. لكنهم أقروا بأنه يحدوهم قدر محدود من الأمل في أن تسمح لهم السودان بذلك.

كانت الأمم المتحدة قد سبق أن تحولت إلى الولايات المتحدة والحكومات الأخرى لتزويدها بصور لتحليق الطائرات. وأقنع رولف إيكيوس، الرئيس السويدي السابق للجنة الخاصة التابعة للأمم المتحدة في العراق، الولايات المتحدة بإقراض الأمم المتحدة طائرات تجسس «يو 2» لمراقبة برنامج أسلحة الدمار الشامل الخاص بصدام حسين في تسعينات القرن العشرين.

ومؤخرا، زودت آيرلندا وفرنسا وبلجيكا مهام قوات حفظ السلام التي تقودها أوروبا والمدعومة من الأمم المتحدة في تشاد ولبنان والكونغو بطائرات من دون طيار، كما أرسلت بلجيكا أربع طائرات من دون طيار إلى الكونغو لتأمين الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وقبل يومين من انتخابات عام 2006، تحطمت إحدى الطائرتين، مما أودى بحياة امرأة وتسبب في إصابة اثنين في كينشاسا العاصمة.

وقد ازداد الاهتمام بتكنولوجيا الطائرات من دون طيار بين هيئات المساعدات الإنسانية والإغاثية التابعة للأمم المتحدة؛ ففي فبراير (شباط) الماضي، أرسل معهد التدريب والأبحاث التابع للأمم المتحدة أول طائرة من دون طيار إلى بورت أوبرنس في هايتي للوقوف على آثار الضرر الذي ألحقه الزلزال والمساعدة في تنسيق جهود إعادة الإعمار.

وثبت أن استخدام الطائرات من دون طيار في مهام حفظ السلام أكثر حساسية. وأبلغ سفير باكستان لدى الأمم المتحدة، مسعود خان، الصحافيين مؤخرا بأن الدول الأعضاء تدرك أهمية عمليات الاستطلاع في تأمين سلامة أفراد قوات حفظ السلام.. غير أنه أشار إلى أن ثمة آراء متباينة بشأن مدى ملاءمة نشر طائرات من دون طيار. ويقول آخرون إن الجدال ينصب حول تساؤلات تتعلق بمن سيتمتع بحق الاطلاع على الصور والمعلومات التي جمعتها الطائرات من دون طيار وما إذا كانت الخطوة المقبلة ستتمثل في تسليحها.

ولمواجهة تلك التساؤلات، طالبت اللجنة الخاصة بعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، التي تضم أكثر من 140 دولة، الأمين العام بتقييم تأثير الطائرات من دون طيار وغيرها من الوسائل التكنولوجية الحديثة الأخرى على عمليات حفظ السلام. وطلب هيرف لادسوس، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام، من مجلس الأمن في اجتماع مغلق يوم الثلاثاء دعم خطته لإرسال طائرات من دون طيار إلى الكونغو. وأيدت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ودول غربية أخرى تتمتع بالعضوية في المجلس، المقترح، قائلة إن الأمم المتحدة بحاجة إلى تحديث دورها في مجال حفظ السلام. لكن الصين وروسيا ورواندا وباكستان وغواتيمالا أعربت عن مخاوفها، مما هيأ الأجواء لجدال بشأن الخطة المقدمة من الأمم المتحدة. وأخبر سفير رواندا لدى الأمم المتحدة، يوجين ريتشارد غاسانا، المجلس بأن إطلاق الأمم المتحدة طائرات من دون طيار ينطوي على خطر تحويل مهمة حفظ السلام إلى قوة حربية، بحسب دبلوماسي بالمجلس. غير أن ريتشارد غوان، وهو خبير في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مركز التعاون الدولي بجامعة نيويورك، أشار إلى أن الجانب الأكبر من الرفض مدفوع بالخوف من أن تحل الطائرات من دون طيار محل فرق حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وقال غوان: «هذا في حقيقة الأمر يتلخص في خوف من جانب المساهمين بقوات من أن تتم تنحيتهم جانبا. إن الطائرة التي تعمل من دون طيار تعتبر بديلا أرخص وأكثر فاعلية من دورية قوات المشاة». وأضاف: «أعتقد، بكل صراحة، أن عددا من أكبر المساهمين بقوات أفريقية وآسيوية يتملكهم الخوف من تورط الأمم المتحدة في عمليات توظف أعلى التقنيات على هذه الشاكلة، إلى حد أن أفرادهم سيصبحون عمالة زائدة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»