احتدام المعارك بريف دمشق.. ومخاوف من تفاقم الوضع الإنساني في إدلب

خبير عسكري: العاصفة الجوية قد «تفرض» هدنة على الجانبين

الثلج يكسو شوارع العاصمة السورية دمشق أمس (رويترز)
TT

في ظل الظروف المناخية الصعبة جراء العاصفة الثلجية التي ضربت سوريا في الأيام الأخيرة، تزايدت حدة المعارك في محافظة ريف دمشق بين القوات النظامية وكتائب من «الجيش السوري الحر»، حيث شهدت المنطقة وفقا لـ«شبكة شام» المعارضة تحليقا للطيران الحربي النظامي واستهداف مناطق عدة بالتزامن مع قصف براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة والهاون أدى إلى سقوط عدد من الجرحى.

كما دارت اشتباكات عنيفة بين عناصر «الجيش الحر» والقوات النظامية عند جسر زملكا على المتحلق الجنوبي، في موازاة العثور على جثتين مغطاتين بالثلوج في حي جوبر الذي يحد زملكا، قتلا - بحسب ناشطين - برصاص قناصة نظاميين. وفي داريا، تجدد القصف على المدينة المحاصرة من قبل القوات النظامية تزامنا مع نشر «الجيش الحر» شريط فيديو يظهر عددا من الجثث تعود لجنود نظاميين مرمية على أطراف البلدة.

وأكد المجلس الثوري في محافظة ريف دمشق أن «العاصفة الثلجية ما زالت تضرب منطقة القلمون، حيث انخفضت درجات الحرارة دون الصفر بأكثر من ثلاث درجات مع هبات رياح ناشطة جدا، فيما الكهرباء لا تزال مقطوعة في معظم المناطق وضعيفة جدا في الأخرى، إضافة إلى نقص في مادة المازوت، التي تستخدم للتدفئة».

ولفت ناشطون معارضون في ريف دمشق إلى أن «الوضع الإنساني يزداد سوءا يوما بعد يوم مع انقطاع التيار الكهربائي المتواصل، مما يحول المحافظة إلى منطقة أشباح بسبب انعدام الحركة وانعدام المواد الغذائية ومواد التدفئة والاختفاء الكامل لمادة الغاز بسبب الحصار الخانق المفروض من قبل النظام منذ ما يزيد على ستين يوما». وأكدوا أن «العاصفة الثلجية زادت من صعوبة الوضع الإنساني ومعاناة الأهالي».

وأرخت العاصفة الجوية بثقلها على المجريات الميدانية. وأكد أبو محمد، أحد مقاتلي «الجيش الحر» لـ«الشرق الأوسط»، أن «سوء الأحوال الجوية والعاصفة التي تضرب البلاد لا تؤثر على عمليات الجيش الحر وتكتيكاته، انطلاقا من صلابة العناصر واستعدادهم الدائم للقتال مهما كانت الظروف». وأفاد أن «طائرات النظام التي اعتادت التحليق فوق مواقع (الجيش الحر) لقصفها وتدميرها، لم تعد تستطيع التحليق على علو مرتفع بسبب العاصفة، وهو ما يجعلها في مرمى نيران مدفعيات الجيش الحر»، مشيرا إلى «أعطال فنية كبيرة أصابت آليات النظام العسكرية بسبب الصقيع والجليد».

وفي سياق متصل، قال الخبير العسكري اللبناني العميد المتقاعد وهبه قاطيشا لـ«الشرق الأوسط» إن «الأحوال الجوية السيئة التي خلفتها العاصفة في المناطق السورية تؤثر سلبا على كلا الطرفين، أي النظام والمعارضة»، مشيرا إلى أن «المعارضة متروكة عسكريا، لكنها لو كانت منظمة ومزودة بالأسلحة لكانت استفادت أكثر»، ولفت قاطيشا إلى أن «الثوار لن يتوقفوا بسبب الطقس، فيما سيتحين النظام الفرصة لاستهدافهم»، مؤكدا أن «العاصفة قد تدفع إلى هدنة عسكرية؛ لأن الأحوال الجوية لا تؤثر في حرب طويلة مماثلة».

من جهة أخرى، تعاني محافظة ريف دمشق، التي تبلغ مساحتها 18.018 ألف كلم مربع، من أوضاع إنسانية صعبة. وأكد ناشطون ميدانيون لـ«الشرق الأوسط» وجود «نقص حاد في مستلزمات الأطفال، لا سيما الحليب والأدوية، في حين لا تزال أبواب الأفران موصدة بسبب عدم توفر مادة الطحين في المدينة، حيث تقوم الحواجز واللجان الشعبية بمنع إدخالها ومصادرتها في حال مرورها عبر أي حاجز من الحواجز المنتشرة على جميع مداخل المحافظة».

ويتزامن هذا الوضع مع تحذير منظمة «أطباء بلا حدود» العالمية، في تقرير أصدرته أمس، من تفاقم حالات سوء التغذية لدى الأطفال، مؤكدة حاجة سكان شمال سوريا إلى «الأدوية والمياه والأغذية». وكانت المنظمة قد أقامت ثلاثة مستشفيات في شمال غربي سوريا، وذكرت أن «إحدى فرقها توجهت إلى مدينة تتعرض للقصف بشكل منتظم منذ أشهر في شمال إدلب». وقال آدريان مارتو، طبيب المنظمة، الذي عاد إلى باريس بعد إمضائه ثلاثة أشهر في سوريا، إن «العديد من الجرحى يموتون لعدم تلقي العلاج وبسبب عدم نقلهم في الوقت المناسب إلى مستشفى أفضل تجهيزا»، وأشار إلى أن منطقة إدلب «محرومة من الكهرباء والماء، في حين أن الطقس بارد جدا»، موضحا أن «المستشفيات أقيمت في أقبية للاحتماء من القصف اليومي الذي اشتد في الأسابيع الماضية».

وأفاد الطبيب عينه أن مستشفيات المنظمة تعمل «في ظروف رديئة دون ضوء ومعدات طبية أو مضادات حيوية»، متحدثا عن معاينته «بعض الحالات الحادة من جراء سوء التغذية، خصوصا بين الأولاد والرضع، لأن الأسر فقيرة ولم تعد تملك المال لشراء الحليب». وتابع: «إنها حالات محدودة لكنها قد تزداد». وأشار تقرير المنظمة الدولية إلى أن «الجيش النظامي في هذه المنطقة يقصف المناطق الريفية من دون تمييز، ويستهدف المساجد والمخابز ومستشفيات المعارضة، مما يرغم العاملين الذين لا يزالون موجودين فيها على المخاطرة لضمان استمرارية مستشفى سري يعمل بفضل تضامن السكان»، منتقدا «استراتيجية الرعب التي تلجأ إليها الحكومة السورية».

وفي سياق منفصل، أعلن «الجيش الحر» في حلب عن بدء عملية «الإخلاص» لتحرير المدرسة الفنية ومعهد التأهيل الجوي ومدرسة المدفعية، في وقت استمر فيه القصف العنيف من قبل قوات النظام على حيي مساكن هنانو والميسر في حلب، حيث تتمركز كتائب «الجيش الحر».

وفي إدلب، نشر ناشطون صورا على مواقع الإنترنت، قالوا إنها لعشرات الطيارين من قوات النظام، قامت وحدات من «الجيش الحر» بأسرهم بعد سيطرتها على مطار تفتناز العسكري، شمال البلاد.