الهند تلغي البيروقراطية لإيصال 58 مليار دولار سنويا إلى فقرائها

برنامج طموح يستهدف 720 مليون محتاج واستلهمت فكرته من دول ناشئة مثل البرازيل

TT

قبل عام من الانتخابات العامة في الهند، أطلق ائتلاف «التحالف التقدمي المتحد»، الذي يقوده حزب «المؤتمر» الحاكم، برنامجا لتحويل أموال مساعدات الأسر المحتاجة بشكل مباشر إلى الحسابات المصرفية، بدل برامج التقاعد والمنح التعليمية وتقديم الأشياء العينية التي تحتاجها الأسر. ويفترض أن يستفيد 720 مليون شخص على الأقل، من هذا البرنامج المخصص للأسر التي تعيش تحت أو عند خط الفقر، ويعد الأكبر من نوعه في الهند.

وترتبط الخطة بنظام تحديد الهوية البيومترية للحكومة، الذي يهدف إلى منح بطاقة رقم هوية مميز لكل مواطن هندي. ولسحب أموال بموجب هذا البرنامج، يتحتم على المستفيدين تقديم رقم هوية مميز مكون من 12 رقما، يتم منحه لكل هندي بالتدريج. وبموجب هذا النظام، من المنتظر أن تنفق الهند 58 مليار دولار سنويا؛ إذ سيتلقى أولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر مبلغا تتراوح قيمته ما بين 542 و723 دولارا سنويا بدلا من أن تمر تلك الأموال عبر السلطات المحلية، وذلك بهدف تفادي وقوع الأموال بأيدي أشخاص فاسدين.

ويظل الإنفاق الحكومي الهندي على برامج الرفاهية - الذي يتنوع ما بين أسمدة بأسعار مدعمة إلى فرص عمل مضمونة لسكان الريف - ثابتا عند قيمة 71.9 مليار دولار سنويا. وفي بلد يبلغ تعداد سكانه 1.2 مليار نسمة، تبدو الأعداد متواضعة حتى الآن، غير أن بعض المسؤولين والخبراء الاقتصاديين ينظرون إلى بداية تقديم الدفعات المباشرة بوصفه تغييرا جذريا - برنامج لا يهدف فقط إلى القضاء على الفساد، وإنما أيضا يعمل كقناة لانتشال ملايين لا تعد ولا تحصى من الفقر بشكل تام.

وبعد أشهر ساد فيها الإحباط، اهتدى الحزب الحاكم إلى هذه الفكرة، المتمثلة في تحويل الأموال نقدا وبشكل مباشر إلى مستحقيها.

إلا أن الفكرة لم تخل من طرح تساؤلات حول فعاليتها وقابلية تطبيقها عمليا، وتسببت في انقسام آراء المراقبين تجاهها. فالبعض رأى أنها محاولة يائسة من جانب رئيسة حزب «المؤتمر»، سونيا غاندي، لشراء الانتخابات لصالح ابنها، راؤول غاندي، وهو سياسي متوسط المستوى في أفضل الأحوال. حتى إن أعضاء بحزب «بهاراتيا جاناتا» يخلصون إلى حقيقة أنه نظام «نتمنى لو أننا فكرنا فيه»، كما أنه «أمر يصعب علينا معارضته».

من وجهة نظر سياسية، قد يبدو إيداع أموال في الحسابات المصرفية للفقراء «منحة من السماء» بالنسبة لحكومة يقودها حزب «المؤتمر»، بحسب رافي سريفاستافا، الخبير الاقتصادي المتخصص بالتطوير الذي قد درس التدفقات النقدية. لكنه قال إنه سيكون «خطأ فادحا» بالنسبة للحكومة أن تستهين بتحديات تنفيذ المشروع، خاصة في ظل هذا الإطار الزمني السريع. ولقد أعلنت الحكومة عن هذه الخطوة بوصفها مبادرة مميزة لمكافحة الفقر، على أمل أن توجه ضربة ناجحة قبيل الانتخابات الوطنية، المزمع إجراؤها في عام 2014.

وسرعان ما صيغ شعار «أموالك في يديك» كشعار للبرنامج الجديد، علما بأنه لم يتبق على الانتخابات العامة سوى 18 شهرا.

من المثير أن اليد هي شعار حزب «المؤتمر» الحاكم، الذي فاز في آخر دورتين انتخابيتين وطنيتين. ومن الواضح أن الحكومة، التي تعرقلها اتهامات بفضائح مالية ونمو اقتصادي متباطئ ومناخ من السياسات الحزبية، ترى أن التحويلات النقدية ستسهم في تعزيز حظوظها السياسية الضعيفة.

ويعتقد أن برنامج التحويلات النقدية المباشرة الطموح سيكون البند الرئيسي في برنامج حزب «المؤتمر» في انتخابات عام 2014. حسب ما رأى السكرتير العام للحزب، راؤول غاندي، في أحد البرامج التدريبية للعاملين بالحزب. واسترجع غاندي أيضا التصريح الشهير لوالده راجيف غاندي، بأن 15% من أموال النظام تصل إلى المنتفعين المقصودين، بينما تذهب النسبة المتبقية إلى أيدي الوسطاء. وقال: «إذا حالفنا النجاح في هذا النظام، فإن المبالغ المخصصة للمنتفعين سوف تصل إليهم بالكامل».

وانتقد قادة حزب «بهاراتيا جاناتا»، المعارض، غريمه (حزب المؤتمر) لتسييسه موضوع تقديم الأموال المخصصة للفقراء، إلا أنهم لم يهاجموا فكرة الدفعات المباشرة الجديدة. وحتى إن المنتقدين قد أشاروا إلى أن منح الأموال إلى «فقراء الهند يرتبط بالسلطة والسياسة والفوز بالانتخابات».

وقد وعدت حكومة حزب «المؤتمر» بمواصلة طرح البرنامج حتى عام 2014، وهو الموعد المزمع لإجراء الانتخابات الوطنية. وأصدرت لجنة الانتخابات الهندية أوامرها للحكومة في العام الماضي بتأجيل بداية البرنامج في ثماني مقاطعات بولايتي هيماشال براديش، وغوجارات بسبب تعليق انتخابات الولايتين، التي عقدت الشهر الماضي.

استقت الهند مصدر إلهامها لهذا الاتجاه الجديد من الاقتصادات الناشئة الكبرى الأخرى، من بينها البرازيل والمكسيك وتركيا وإندونيسيا والفلبين وجنوب أفريقيا، التي بدأت برامج التحويلات النقدية لمكافحة الفقر والتفاوت الاجتماعي. وتستهدف الهند عددا أكبر من الأسر من تلك الدول. لكن برنامجها مختلف نظرا لأنها لا تربط المكاسب بأهداف اجتماعية بعينها. وعلى سبيل المثال، يمنح برنامج البرازيل 12 مليون أسرة محدودة الدخل مبلغا قيمته نحو 30 دولار شهريا شريطة إثبات أن نسبة حضور أبنائها في المدارس 85% وأنهم قد خضعوا لفحوصات طبية وأخذوا التطعيمات الأساسية.

وبالمقارنة، سوف يمنح برنامج الهند أموالا للأفراد الذين يزداد احتمال أن يسعوا لتلبية احتياجاتهم الخاصة فقط. وتتمثل مشكلة أخرى محورية في أن الحكومة الهندية قد عجزت عن تحديد العوامل التي تعرف أي شخص على أنه «فقير» في هذه الدولة، وتحتاج إلى بعض المعايير للمضي قدما، بينما يجادل الخبراء الاقتصاديون الهنود بشأن استخدام نسبة استهلاك السعرات الحرارية أو نفقات الرعاية الصحية كمؤشرات - كان نظام البرازيل معتمدا على نصيب الفرد من الدخل – قررت الحكومة الاعتماد على وضع اجتماعي اقتصادي ونظام طوائف اجتماعية إحصائي. لكن هذه السجلات لم تكتمل بعد، ولن تتوافر قائمة نهائية قبل يوليو (تموز) 2013، بعد أن يكون برنامج المزايا قد طرح في معظم أنحاء الدولة.

ومع ذلك، يقول محللون إن تنفيذ البرنامج ربما لا يكون بالمهمة اليسيرة؛ إذ إن 280 مليون شخص في الهند فقط هم من سجلوا أنفسهم في نظام تحديد الهوية البيومترية، ذلك أن معظم الأسر لا تملك حسابات مصرفية، وكثير من القرى لا توجد بها بنوك. وترى السلطات الهندية أن قرابة 360 مليون شخص يعيشون حاليا في حالة من الفقر. غير أن أحد التقديرات يشير إلى أن نحو ثلاثة أرباع سكان الهند، البالغ تعدادهم 1.21 مليار نسمة، يعيشون تحت خط الفقر.