عنصر في جبهة النصرة: نعمل مع الجيش السوري الحر

قال: يجب أن تكون الدولة إسلامية.. لكن تاريخنا زاخر بـ«التعايش الديني»

TT

تسببت جبهة النصر، أكبر وأقوى التنظيمات الجهادية السورية، التي ذاع صيتها كقوة فاعلة في الحرب الأهلية الدائرة في البلاد، رغم آيديولوجيتها المتطرفة - والاتهام بانتمائها لـ«القاعدة» - في وقوع خلاف في سوريا وقلق في الخارج.

فقد شهد الشهر الماضي إدراج وزارة الخارجية الأميركية للجبهة على لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، قائلة إن الاسم ليس سوى اسم مستعار لـ«القاعدة في العراق». وزعمت مسؤوليتها عن مئات العمليات منذ تشكيلها قبل عام، كان من بينها تفجيرات انتحارية وهجمات أدت إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.

وكانت الآراء المتطرفة والتكتيكات الحربية والدعوات إلى إنشاء دولة إسلامية قد وضعت الميليشيا السنية في مواجهة البعض في الجيش السوري الحر، لكنها أثبتت نفسها كقوة هائلة في العديد من العمليات العسكرية، حيث تضم بين مقاتليها محاربين متمرسين خاضوا معارك في المسارح الجهادية الأخرى مثل أفغانستان والعراق.

لكن مقاتلي جبهة النصرة ليسوا كذلك.. فعدنان (26 عاما)، أحد المقاتلين، كان يبيع العطور في سوق حمص قبل اندلاع الثورة ضد الحكومة. وهو الآن يقاتل ضمن جبهة النصرة في المدينة القديمة، أحد الأحياء القليلة في حمص التي لا تزال في قبضة المعارضة. وعلى الرغم مما عرف عن رفض أعضاء جبهة النصرة الاتصال مع الصحافيين، وافق عدنان على إجراء مقابلة عبر برنامج «سكايب» بعد تقديمه من صديق يثق به، على الرغم من عدم تصريحه باسمه الكامل لأسباب أمنية. وقال مشيرا إلى أن غالبية السوريين مسلمون، وهو المصطلح الذي استخدمه للإشارة إلى المسلمين السنة مثله «يجب أن تكون الدولة الجديدة إسلامية».

وتعارضت الدعوات المتشددة لجبهة النصرة بضرورة قيام حكم إسلامي في سوريا مع الدعوات المطالبة بالديمقراطية، التي عبرت عنها غالبية المعارضة. وقد تسبب طموحات الجماعة في إثارة مخاوف وقلق غير السنة في سوريا. لكن عدنان أصر على أن غير المسلمين لهم مكان في تصورات جبهة النصرة لسوريا ما بعد الأسد، وشدد على ما يتمتع به تاريخ بلاده من التعايش الديني. وقال «الحكم الإسلامي أو الدولة الإسلامية لا تعني أنها دولة للمسلمين وفقط، بل هي دولة ينبغي أن يكون حكم القانون فيها وفقا للإسلام».

ورغم تعميق الطبيعة الطائفية للصراع - تم اتهام الجماعات المتطرفة مثل جبهة النصرة بإثارة المشاعر - أكد عدنان على أن الأقليات ليست بحاجة إلى الخوف. وقال مشيرا إلى أنه كان يقطن بجوار مسيحيين في حمص «يجب ألا يخافوا، فكونهم مسيحيين لا يعني أننا نرغب في خروجهم من سوريا أو أننا لن نسمح لهم بالعيش معنا. كان المسيحيون يعيشون في سوريا قبل الإسلام».

لكن آخرين في الجبهة كانوا أقل اعتدالا من عدنان، فمقاطع الفيديو والرسائل التي تبثها جبهة النصرة على الإنترنت تستخدم في الأغلب لغة تحقيرية للإشارة إلى الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس الأسد. كما لم تبد الجماعة أسفا على الهجمات الانتحارية ضد أهداف حكومية تسببت في مقتل الكثير من المدنيين.

وقالت الولايات المتحدة إن جبهة النصرة تشكلت بأوامر من تنظيم القاعدة في العراق. ورغم إنكار الجماعة هذا الزعم واستخدامها العلم الأسود المميز لها كجماعة جهادية، فإن مقاتليها يستخدمون في بعض الأحيان العلم الذي تستخدمه «القاعدة».

لكن عدنان ينكر صلة الجماعة بـ«القاعدة»، ويرفض التصنيف الأميركي للجماعة بأنها جماعة إرهابية، والذي بحسب رأيه يؤكد على أن الغرب يعارض قوات المعارضة السورية. وقال «الكل يعلم أن الولايات المتحدة تعادينا»، معبرا عن اعتقاده أن العالم الغربي لم ينحز إلى جانب المسلمين في الصراع السوري. وأضاف «نحن لا نعول عليهم، فاعتمادنا على الله، ولذا فإن ذلك لا يشكل أهمية بالنسبة لنا».

وعلى الرغم من اعتقاد الكثيرين أن جبهة النصرة، والمجموعات الجهادية الأخرى التي تعمل في سوريا، تقاتل بمعزل عن الجيش السوري الحر، فقد أوضح عدنان أن جماعته تقاتل ضمن إطار عمل المعارضة. وقال «إنهم إخواننا، نحن نحارب معا في هذه المعركة».

قد لا يكون ذلك الشعور متبادلا بالضرورة. فيقول ضابط بالجيش السوري الحر، قال إن اسمه عمر الحمصي، وشارك في عمليات خاصة كان من بينها تفجير سيارات مفخخة في أنحاء دمشق، في مقابلة أجريت معه مؤخرا «إنهم لا يرغبون في التعاون مع أي شخص. وليس لديهم دعم شعبي».

لكن مقاتلي جبهة النصرة المتمرسين قادوا العديد من العمليات الناجحة التي قامت بها قوات الثوار ضد القوات الحكومية والأراضي التي تسيطر عليها الحكومة، ونتيجة لذلك تساهل الجيش السوري الحر مع المجموعة رغم الاختلافات الآيديولوجية الواضحة.

ويعكس الاحترام لبراعة الجبهة في الناحية العسكرية خبرة بعض مقاتليها في الحروب الأخرى ورغبتها في المجازفة وتقديم التضحيات في المعركة. وقال عدنان «نوعية المقاتلين في جبهة النصرة تختلف عن نظرائهم في الجيش السوري الحر. فهم في المقدمة دائما ولا يهابون الموت». وترى وحدات التحالف - رديئة التسليح - المنضوية تحت لواء الجيش السوري الحر أن الموقف بحاجة إلى تكاتف الجيش، بحسب أندرو تابلر، الخبير السوري في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي قال «ليست لديهم رفاهية اختيار الأفراد الذين يقاتلون إلى جانبهم». وأضاف «هذا ما تواجهه عندما يكون الدعم الخارجي للجيش السوري الحر محدودا».

وتبدو إمكانية إقامة جبهة النصرة أو الجماعات المتطرفة الأخرى حكما إسلاميا في سوريا أمرا بعيد الاحتمال، فرغم قوة المجموعة فإنها لا تزال صغيرة الحجم نسبيا، ولن يتقبل كثير من السوريين دولة إسلامية مفروضة عليهم عوضا عن الديمقراطية في حال انتصار قوات المعارضة. وقد يؤدي رفض الجبهة لأي نظام آخر غير الحكم الإسلامي إلى وقوعها في مواجهات مع مجموعات المعارضة في سوريا ما بعد الأسد.

هناك بالفعل بعض الاحتكاك بين المجموعات الجهادية وبعض وحدات الجيش السوري الحر. وقد تطور أحد هذه الاحتكاكات إلى مواجهة وصراع، وإن كان محدودا. ويقول الحمصي، ضابط الجيش الذي استخدم اسما مستعار بدلا من اسم عائلته نظرا لطبيعة المهام التي يقوم بها «يحارب مقاتلو الجبهة الآن إلى جوار وحدات الجيش السوري، لكن عندما تنتهي الثورة سنتخلص منهم». لكن عدنان رفض إمكانية وقوع مواجهة مع الجيش السوري الحر، وبدا أكثر ترددا بشأن احتمالية وقوع صراع مع الآخرين.

وعندما سئل عما إذا كانت جبهة النصرة تفكر في مهاجمة جماعات خارج سوريا مثل حزب الله اللبناني الشيعي - حليف دمشق - أو دول غربية مثل الولايات المتحدة، وجه تحذيرا ضمنيا بالقول «إن لم يعتد علينا أحد، فلن نعتدي عليه».

* خدمة «نيويورك تايمز»