تركيا تتشدد في «عملية السلام» مع الأكراد.. وتستنفر قنصلياتها في أوروبا

أردوغان لا يسقط احتمال تدخل «الذئاب الرمادية» لعرقلة الحل

ناشطون أكراد خلال احتجاجاتهم بلندن أمس على مقتل الناشطات الكرديات في باريس («الشرق الأوسط»)
TT

أعادت عملية الاغتيال التي نفذت في العاصمة الفرنسية، أول من أمس، عملية السلام «التركية - الكردية» إلى الواجهة، بينما سجل تشدد تركي لافت في مسألة «العفو» عن زعيم تنظيم «حزب العمال الكردستاني» المحظور في تركيا مسعود أوجلان، إذ أكد رئيس الوزراء التركي أنه «ليس من الوارد في أي حال من الأحوال، نقل أوجلان إلى الإقامة الجبرية»، مطيحا بإمكانية تنفيذ صفقة مع التنظيم تنتهي بإطلاق سراح زعيمه التاريخي المسجون منذ العام 1989 بعد معاودة المفاوضات مع أوجلان إثر توقفها قبل نحو عامين.

وأشار مصدر مسؤول في مكتب أردوغان لـ«الشرق الأوسط» إلى أن مسألة العفو «عن إرهابيين تلوثت أيديهم بدماء الأتراك أمر صعب نقاشه»، لكنه أشار في المقابل إلى إمكانية تأمين «مخرج آمن» لمسلحي الكردستاني الذين يرغبون بمغادرة الأراضي التركية، خلافا لما حصل لدى إعلان التنظيم وقفا لإطلاق النار في عام 1999، عندما هاجم الجيش التركي المسلحين لدى انسحابهم من الأراضي التركية.

وقال المصدر إن الثوابت التركية ترتكز على ضرورة إلقاء السلاح أولا ليصبح بالأمان النظر في كل المشكلات الأخرى، معتبرا أن ثمة أطرافا «لا تريد حلا سلميا، وتحاول عرقلة كل الجهود الهادفة إلى ذلك»، رافضا تحديد ما إذا كانت هذه الأطراف تركية أو كردية.

وفيما لمح بيان لـ«الكردستاني» إلى دور لجماعة «الذئاب الرمادية» التركية القومية في عملية الاغتيال، كانت تركيا تصر على فرضية «التصفية الداخلية»، واضعة بعثاتها في أوروبا في حالة تأهب. وطلبت تركيا من السلطات الفرنسية تعزيز الإجراءات الأمنية المحيطة بمصالحها هناك. وقال ناطق بلسان الخارجية التركية: «طلبنا من السلطات الفرنسية زيادة مستوى الأمن حول مصالحنا ومقار تمثيلنا في فرنسا لتفادي أي نوع من الحوادث»، موضحا أنه تم «تنبيه البعثات التركية في أوروبا».

وقال الرئيس التركي عبد الله غل إن معرفة الحقيقة وراء مقتل الناشطات الكرديات في باريس يتطلب عدة أيام. واعتبر أن كل ما يقال الآن حول الحادث يستند إلى تخمينات، وأن معرفة الحقيقة تتطلب انتظار عدة أيام. وعن التأثير المحتمل للحادث على تعامل الحكومة التركية مع قضية الإرهاب، قال غل: «تركيا مصرة على إنهاء مشكلة الإرهاب نهائيا، وتستخدم جميع الطرق من أجل الوصول إلى هذه النتيجة»، مشيرا إلى أن تأثيرات حادث مقتل الناشطات ستُعرف عندما يتم الكشف عن جميع ملابساته.

وجدد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تأكيده أن مقتل الناشطات الكرديات الثلاث في باريس يبدو نتيجة لخلاف داخلي. وذكر أردوغان بضرورة انتظار نتائج التحقيق، لكنه رأى أن العناصر الأولى ترجح فرضية ارتكبها شخص ما من الداخل، مشيرا إلى أن المبنى الذي قتلن فيه كان مزودا بنظام أمني يعمل بشيفرة سرية. وقال لصحافيين في الطائرة التي أقلته إلى أنقرة بعد جولة أفريقية إن «السيدات الثلاث فتحن الباب. ما كن سيفعلن ذلك لو أنهن لم يعرفن القاتل أو أنه كان يملك شيفرة» الدخول.

كما رأى أردوغان أن هذه الجرائم قد تكون من فعل بعض الأوساط أيضا التي لم يحددها، التي تريد «تخريب» المفاوضات الأخيرة بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني. وقال أردوغان آسفا: «في كل مرة تكون هناك مبادرة حسن نية، يحاولون عرقلتها».

وردا على سؤال حول طلب رئيس حزب السلام والديمقراطية (الكردي) التركي صلاح الدين دميرطاش، تغيير شروط سجن عبد الله أوجلان، لتصبح أكثر ملاءمة للقاءات التي يجريها حاليا مع عدد من نواب البرلمان، قال أردوغان إن بإمكان أوجلان أن يلتقي من يشاء من أقاربه، وأن يلتقي أي شخص آخر يحصل على إذن من وزارة العدل.

وشكك الكاتب التركي المعروف طه أوزجان بإمكانية تخلي «الكردستاني» عن السلاح، معتبرا أن هذا التنظيم فقد قائده وفشل في تحديث موقفه السياسي، على الرغم من مرور الزمن. وقال: «لقد حمل حزب العمال الكردستاني السلاح ليس لأنه اضطر، ولكن لأنه اختار أن يتبع استراتيجية غير حكيمة».

أما الكاتب محمد علي بيراند، فقد أشار إلى أن الأتراك صفقوا في البداية لعملية السلام مع «الكردستاني»، لكنهم ما لبثوا أن بدأوا التشكيك. وقال: «نتذكر كيف تم منع وقف إطلاق النار السابقة، وكيف تم تخريب مبادرات السلام الأخرى. الآن، هذا الشعب لا يريد أن يلدغ من جحر واحد مرتين». وأضاف: «إنهم يريدون أن يكون حذرا لأنه لا يمكن الوثوق بالطرف الآخر».