مسرح الجريمة

TT

في أدب التحرّي وروايات الجاسوسية تكون الروايات الأكثر إثارة غالبا تلك التي تدور حول جرائم قتل ارتكبت داخل غرف مقفلة. وهذا بالضبط ما حصل ليلة الأربعاء - الخميس الماضية عندما صفيت ثلاث ناشطات كرديات بإطلاق النار عليهن، واستهدفت اثنتان منهن برصاص في الرأس أما الثالثة ففي البطن، داخل مبنى مكاتب في شارع لافاييت بوسط العاصمة الفرنسية باريس.

مصادر الشرطة الفرنسية تقول إن الجريمة الثلاثية نفّذها أشخاص معروفون للضحايا. ذلك أنه ليس للمبنى علامات فارقة مميزة، وبالتالي، فإن الجناة كانوا يعرفون ما هي طبيعته. ثم إنه لم يكون هناك ما يدل على أن الجناة دخلوا المكتب المستهدف عنوة أو عن طريق الكسر، بل كل ما في المكان يشير إلى أن شخصا ما فتح الباب للجناة، ومن ثم واصل الجناة سيرهم باتجاه غرفة تستخدم مكتبا للضحية الرئيسة، وهنا أيضا لا وجود لآثار تدل على استخدام القوة أو العنف أو حدوث مقاومة. وهو ما يعني أن الضحايا أو على الأقل أحداهن على صلة معرفة بالجناة.

حتى هذه اللحظة ليس واضحا كم من الوقت انتظر الجناة قبل أن يطلقوا الرصاص على الضحايا من أسلحة نارية مزودة بكواتم صوت، غير أن ثمة دلائل على أن عملية القتل ذاتها لم تجر فورا.

هنا تبرز بعض الأسئلة، مثل هل ظنت الضحايا أن الجناة كانوا يحملون لهن رسائل من أصدقاء؟

ثم بعد تنفيذ جريمة القتل، هل غادر الجناة - يرجح أنهما اثنان - بكل بساطة مسرح الجريمة، بعد إغلاق الأبواب خلفهم وقفلها بمفتاح. بكلام آخر، لا بد على الأقل أن يكون بحوزتهم مفتاح المدخل الأمامي الرئيس.

العملية إذن عملية احترافية نفّذها أناس من ذوي الخبرة في عمليات الاغتيال. وشارع لافاييت يقع في قلب منطقة يكثر فيها مهاجرون مسلمون من مختلف أرجاء العالم الإسلامي. بالإضافة إلى الأكراد، تقطن في هذه المنطقة جاليات من الأتراك والبوسنيين والألبان والكوسوفيين والأفغان. في حين تعيش جالية أرمنية كبيرة في منطقة مجاورة تقع إلى الشمال الغربي منها، أما المنطقة الواقعة إلى الشمال الشرقي فتعد من أبرز أحياء العرب المهاجرين من شمال أفريقيا. وهذا قد يعني أن القاتل في حال كان من منطقة الشرق الأوسط لم يجد أي صعوبة في الاختفاء وسط الجموع في هذا الجزء من باريس.