دور قديم ومتجدد للمرأة السعودية في المجال السياسي

تمثيلها في «الشورى» يعيد واقعها قديما.. والملك المؤسس بدد الصورة المعتمة عنها

TT

أعادت بادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز بإصداره أمس أمرا ملكيا بتمثيل 30 امرأة سعودية أعضاء في مجلس الشورى وتمتع المرأة في عضويتها بكامل العضوية، المشهد السائد في الجزيرة العربية خلال العقود الماضية فيما يخص حضور المرأة في المجتمع ووجود نماذج نسائية فاعلة تمكن من الخروج من مملكتهن الصغيرة (المنزل) وقيامهن بأعمال ومجالات مختلفة خارج هذه المملكة، وهو ما يبدد الصورة النمطية المعتمة عن المرأة السعودية قديما.

كما أعادت هذه البادرة إلى الملك عبد الله وقبلها بتسمية أضخم مؤسسة للتعليم العالي للبنات في العالم وهي جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن حكاية نساء مثلت حياتهن لوحات من القصص الحركية وحولهن حضورهن اللافت في المجتمع إلى رموز كبرى في الحياة، ولتصبح قصصهن دروسا تحتذى.

وقدم الملك المؤسس صورة جميلة عن واقع المرأة في عهده وقبله وتقدير المجتمع بدورها كأم وأخت وزوجة وعاملة، حيث ذكرت الدكتورة دلال الحربي التي اختيرت أمس عضوا في مجلس الشورى السعودي صورة عن المرأة السعودية قديما في كتابها «المرأة في نجد.. وضعها ودورها من عام 1786 إلى 1932» واعتبرت فيه أن المرأة كانت في بيتها ملكة وعاملة منتجة في مهن شريفة خارج مملكتها في مجالات التطبيب والتعليم والفلاحة والتجارة وأعمال الوقف الخيري مسمية نساء بعينهن في 11 إقليما وسط الجزيرة اشتغلن بهذه الأعمال الشريفة، كما اشتغلن بمهن وحرف مثل سف الخوص والدباغة والخرازة والحياكة والخياطة وصناعة الأطياب وخدمة البيوت مقابل أجر، مظهرة في الكتاب ارتباط الزوجة بزوجها الارتباط القوي، معتبرة أن الطلاق كان أمرا عاديا لا يضر بالمرأة أو يسيء لسمعتها، كما أن تعدد الزوجات أمر شائع في المنطقة كحل لمشكلة زيادة نسبة الإناث عن الذكور، وذكرت في هذا الصدد أن زوجات الملك عبد العزيز، رحمه الله، تمتعن بعلاقة فريدة، فكن على ود متبادل، ويستقبلن ضيفات الدولة معا. أما بخصوص الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، عمة الملك عبد الله، فإن قصصها تظهر مكانة المرأة وتقدير الملك لها انطلاقا من النظرة ذاتها عند غالبية المجتمع، فلم تكن الأميرة الراحلة بحق امرأة عادية، بل تجاوزت نساء وقتها بما تملكه من أعلى درجات الحكمة ورجاحة العقل وحسن التدبير، وما حملته من قلب كبير اتسع للمحتاجين والأيتام وقدرتها على حل مشكلات المحيطين بها من داخل الأسرة المالكة وخارجها. كما حملت الأميرة الراحلة آراء وأفكارا سياسية ذات شأن، وهو ما دفع شقيقها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن إلى أن يردد دائما في مواقف بالغة الصعوبة تحتاج إلى جسارة وحكمة وسرعة اتخاذ القرار «أنا أخو نورة».

وعدت الأميرة نورة بنت عبد الرحمن التي تشترك مع شقيقها الملك المؤسس عبد العزيز في صفات كثيرة امرأة ذات شخصية قوية، كما تميزت بالكرم والجاذبية، وقيل عنها إنها تتمتع بحملها عقول أربعين رجلا نظرا لكفاءتها ورجاحة عقلها، كما تتمتع بحس سياسي، الأمر الذي جعل الملك المؤسس يولي اهتماما كبيرا لأفكارها وآرائها السياسية، بل كان الملك يجلس معها ساعات طويلة ليستمد منها الرأي والمشورة.

ورصدت الدكتورة دلال الحربي في كتابها «نساء شهيرات من نجد» جوانب مهمة في حياة الأميرة نورة التي تكبر الملك عبد العزيز بسنة واحدة، وارتبطت بأخيها عبد العزيز برباط وثيق منذ طفولتها المبكرة، إذ كانت تشاركه اللعب كما كانت رفيقته عند خروج الإمام عبد الرحمن الفيصل بأسرته من الرياض في أعقاب موقعة المليداء عام 1891، كما كانت نورة وبعد سنوات من استقرار الأسرة في الكويت عاملا مهما في شحذ همة أخيها عبد العزيز في السعي نحو استعادة ملك آبائه.

ولفتت شخصيتها وعلاقتها المتميزة مع أخيها والتي أتاحت لها أن تقوم بدور مؤثر في كثير من جوانب الحياة أنظار كثير من المؤرخين والباحثين، خاصة أولئك الذين أتيح لهم مقابلتها أو السماع عنها عن قرب، ففيوليت ديكسون التي قابلتها عام 1937 مع بعض نساء الملك عبد العزيز أعجبت بها بصورة خاصة ووصفتها بأنها: «من أكثر النساء اللاتي قابلتهن جاذبية ومرحا»، وأنها «من أهم الشخصيات في الجزيرة العربية»، أما جون فيلبي فقال عنها: «كانت السيدة الأولى في بلدها».

وسجل ديفيد هاوارث انطباعه عنها بالقول: «أبدى ابن سعود اهتماما ورعاية لأخته نورة طوال حياته».

ومن الصفات التي تميزت بها شخصيتها أنها كانت تتمتع بالحصافة والحكمة ورجاحة العقل والدين والورع والفضل، وهي تشبه بشخصيتها وأخلاقها وكرمها شقيقها الملك عبد العزيز، كما أنها كانت متفتحة الذهن تتماشى في سلوكها مع تطورات العصر، فعلى سبيل المثال كانت تعد الهاتف أداة ضرورية ومفيدة، ففي نص ترويه فيوليت ديكسون تذكر أنها خلال زيارتها لها رن جرس الهاتف فقامت إحدى الخادمات بالرد على المتحدث، وبعد انتهاء المحادثة الهاتفية قالت فيوليت معلقة إنها تنزعج من الهاتف، فردت نورة: «لا إنها آلة رائعة، لست أدري إذا كنا نستطيع البقاء من دونها».