ارتفاع متواصل في أسعار المواد الأساسية .. ونسب الفقر والبطالة في تونس في ازدياد

بعد سنتين من الثورة.. فرحة التونسيين تتحول إلى خيبة.. عندما أصبح الخبز ثمنا للحرية

TT

تتهيأ تونس للاحتفال بالذكرى الثانية للإطاحة بنظام بن علي في ظل تراكمات اجتماعية واقتصادية تفاقمت حدتها بعد الثورة. وبقيت قائمة طويلة من المطالب الاجتماعية دون حلول مجدية، ولم ينجح الواقع السياسي الجديد في الانعكاس إيجابيا على حياة التونسيين العاديين وتحقيق الرفاه الاجتماعي الذي وعدت به الثورة التونسية آلاف المحتجين الذين عجت بهم الشوارع خلال الأيام التي سبقت الثورة والأشهر التي تلتها.

ولا تزال تونس تجر عربة مثقلة بالعاطلين عن العمل والمطالبين بنصيب عاجل من التنمية والعدالة في توزيع الثروة، ولم تنعكس الوعود الانتخابية التي قدمتها الأحزاب السياسية الفائزة في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2011، على المقدرة الشرائية للتونسيين، وعلى مداخليهم اليومية. وكانت نسبة العاطلين عن العمل حسب الإحصائيات الرسمية المقدمة في شهر مايو (أيار) من سنة 2010 في حدود 13 في المائة (نحو 491 ألف عاطل عن العمل)، وارتفعت بعد الثورة إلى 18.7 في المائة وهي الآن في حدود 17.6 في المائة. إلا أن عدد الفقراء ارتفع بدوره، وتقدر الإحصائيات الرسمية عدد الفقراء في تونس بنسبة 15 في المائة، وهم في حدود 150 ألف تونسي. ولا تتوانى كثير من الفئات الاجتماعية التونسية عن التعبير عن امتعاضها من واقعها الاجتماعي والاقتصادي الذي لم يسجل الكثير من التحسن، ويشتكي التونسي اليوم أكثر من أي وقت مضى من غلاء الأسعار وارتفاع المعيشة وزيادة الضغوطات الاجتماعية والأمنية على حياتهم.

ولم تتمكن الحكومة التونسية الجديدة، خلال السنة الأولى التي قضتها في إدارة البلاد، من تحقيق «المعجزة» التي وعدت بها التونسيين، وبقيت الشعارات السياسية أكثر تداولا ورواجا من النتائج الاقتصادية والاجتماعية. فخلال سنة 2012، رفعت مصالح المراقبة الاقتصادية 30 ألف مخالفة؛ 83 في المائة منها في باب تغذية التونسيين و28 في المائة في مجال الخضر والفواكه (نحو 8600 مخالفة)و3870 مخالفة في مجال الدواجن والبيض وهي مجالات حيوية بالنسبة للحياة اليومية للعائلة التونسية. وكان ثلث المخالفات الاقتصادية حسب إحصائيات قدمته إدارة المنافسة بوزارة التجارة التونسية، وقد تعلق بعدم إشهار الأسعار كما تضمنت المخالفات نحو 15 في المائة في مجال الترفيع في الأسعار. وبلغت نسبة التضخم عند الاستهلاك العائلي خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي نحو 5.9 في المائة مقابل 5.5 في المائة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ولم تنجح اليد العاملة النشيطة في ضمان إنتاج أوفر بعد الثورة على الرغم من اختفاء كابوس الديكتاتورية، بل إن المنافسة بين كبار التجار وأصحاب رؤوس الأموال أصبحت دون ضوابط ولا تخضع للمراقبة اللصيقة التي كانت تميز الحياة الاقتصادية والاجتماعية في النظام السابق.

ويرجع المعهد التونسي للإحصاء ذاك الارتفاع إلى الزيادة في مجموع أسعار التغذية بنسبة 8.4 في المائة وارتفاع مؤشر أسعار الملابس والأحذية بنسبة 7.7 في المائة. كما ارتفعت أسعار الأثاث والتجهيزات والخدمات المنزلية بنسبة 6.8 في المائة وبلغت نسبة التضخم في الأسعار خلال شهر ديسمبر الماضي 4.6 في المائة دون احتساب الطاقة والتغذية حسب نفس المعطيات التي قدمها معهد الإحصاء التونسي.

وحول تضخم الأسعار وتأثيرها على التونسيين، صرح سعد بومخلة (أستاذ علم الاقتصاد بالجامعة التونسية) لـ«الشرق الأوسط» بأن النسبة غير محسومة تماما؛ فالأسعار لا تختلف بعد الثورة عن البورصة التي تتلون وتختلف من يوم إلى آخر. ومن الممكن التأكيد على حد قوله إن نسبة التضخم في تونس لا تقل عن 8.7 في المائة بين سنتي 2010 و2012 وهو يؤيد في ذلك تقارير بعض المنظمات والهياكل المهتمة بمؤشرات الاستهلاك في السوق التونسية. ويرى أن النسبة التي قدمتها الجهات الرسمية والمقدرة بـ6.2 في المائة أقل بكثير من واقع الحال في تونس.

ويسود إحساس عام في تونس ما بعد الثورة أن أسعار كل المواد، خاصة منها الغذائية، عرفت ارتفاعا متواصلا بين سنتي 2010 بداية الثورة التونسية ونهاية سنة 2012 تاريخ مرور سنتين على الإطاحة بنظام بن علي. وبالإمكان معايشة ذلك الارتفاع على مستوى المحلات التجارية التي رفعت في الأسعار بشكل ملحوظ وأرجعت البعض منها إلى أسباب خارجة عن نطاق التجار أنفسهم، من بينها قلة اليد العاملة وندرتها في بعض القطاعات، من بينها القطاع الفلاحي الذي هجرته آلاف اليد العاملة الباحثة عن أجور أفضل في قطاعي الخدمات والتجارة وبعض المهن الخصوصية الحرة، وكذلك ارتفاع مختلف أسعار المواد الأولية.

وفي هذا المجال، قال النوري بن رحومة (تاجر مواد غذائية بالتفصيل) لـ«الشرق الأوسط» إن المواد الاستهلاكية الخارجة عن نطاق الدعم الحكومي، التي لا يتم تحديد أسعارها من قبل السلطات التونسية تزيد أسعارها من يوم إلى آخر، وهي تخضع لقانون العرض والطلب وتسيطر عليها قنوات التوزيع التي قد تمارس في بعض الحالات طرقا احتكارية تؤدي إلى ندرة البضاعة في السوق ثم يقع الالتجاء لاحقا إلى إرجاعها إلى السوق والزيادة في أسعارها.

وأضاف أن تاجر التفصيل ليس مسؤولا مباشرة عن ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، فهو كذلك ضحية مثل باقي المستهلكين. وفي هذا المجال، أجرى مرصد «إيلاف» لحماية المستهلك (هيكل تونسي مستقل) مقارنة بين الأسعار المختلفة خلال السنتين الماضيتين أظهرت الارتفاع الهائل الذي عرفته خلال مدة زمنية وجيزة. وأشار ضمن إحصائيات أصدرها مع بداية السنة الجارية، إلى أن معظم الأسعار قد شهدت تطورات لافتة أثرت سلبا على حياة التونسي العادي، فعلى سبيل المثال شهدت أسعار البيض ارتفاعا بنسبة فاقت 50 في المائة وزادت أسعار اللحوم بنسبة قاربت 100 في المائة ونفس الشيء بالنسبة للحوم الدواجن والديك الرومي، وتضاعفت أسعار الخضراوات بنسبة قاربت الضعف كذلك، وانعكست كل تلك الأسعار على حياة التونسيين الذين يبدون تذمرا يوميا من ارتفاع مستوى المعيشة وتراجع قيمة الأوراق المالية بشكل «صاروخي».

وشهدت بقية المواد الاستهلاكية ارتفاعا بدورها؛ ففواتير المياه ارتفعت بنسبة 15.8 في المائة حسب مرصد «إيلاف» لحماية المستهلك، كما زادت فاتورة الكهرباء بنسبة 25.3 في المائة، وارتفعت معاليم التسجيل والطوابع الجبائية بنسبة 5 في المائة. أما بالنسبة للكتب والمواد المدرسية فقد ارتفعت أسعارها بنسبة 13.6 في المائة.

وفي هذا الشأن يرى محمد الصالح الحدري الأمين العام لحزب العدل والتنمية (حزب إسلامي) أن قطار الأسعار قد خرج عن السكة، ومن الصعب على الائتلاف الثلاثي الحاكم أن يعيده إلى سالف وعيه. ويعتبر الحدري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هذا المعطى هو الذي سيحدد الكثير من نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة وأن الائتلاف الثلاثي الحاكم سيخسر الآلاف من أصوات التونسيين لهذا السبب. وقد تخسر حركة النهضة نصف مسانديها في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2011 بسبب رداءة الأداء الاقتصادي والاجتماعي على الرغم من أنها قد لا تكون المسؤولة الوحيدة عن تردي تلك الأوضاع.