فرنسا تواصل عملية «سرفال» في مالي وتحدد لها 3 أهداف

واشنطن تدرس تقديم الدعم بطائرات «درون».. ودول غرب أفريقيا تعد لإرسال قوات

وزير الدفاع الفرنسي لودريان يتحدث خلال مؤتمر صحافي.. وتبدو خلفه خريطة توضيحية للعمليات العسكرية في مالي.. في باريس أمس (إ.ب.أ)
TT

تمكنت القوات الحكومية المالية أمس من طرد الجماعات المسلحة التي كانت استولت على بلدة كانو الاستراتيجية في وسط البلاد، بعد أن تدخلت فرنسا أول من أمس بغارات جوية لوقف تقدم المتشددين الذين يسيطرون على شمال البلاد الصحراوي. وأسفر الهجوم المالي، المدعوم أساسا من فرنسا، عن قتل نحو مائة من المسلحين الإسلاميين.

وفي باريس، اجتمع أمس، ولليوم الثاني على التوالي، مجلس الدفاع الفرنسي برئاسة فرنسوا هولاند، في الإليزيه، للنظر في تطورات الوضع الميداني في مالي بعد 24 ساعة من بدء العمليات العسكرية الفرنسية. وسبق ذلك مداخلة قصيرة لرئيس الوزراء جان مارك أيرولت ومؤتمر صحافي مطول لوزير الدفاع جان إيف لودريان الذي حدد للعملية الفرنسية ثلاثة أهداف رئيسية هي: وقف الهجوم الذي تقوم به (باتجاه جنوب مالي وعاصمتها باماكو) مجموعات إرهابية وجهادية ومنعها من تهديد استقرار مالي وأخيرا توفير الحماية للمواطنين الفرنسيين ولشركاء فرنسا وتحديدا المواطنين الأوروبيين.

وبينما أعلن أيرولت أنه تشاور مع جميع رؤساء المجموعات البرلمانية لإطلاعهم على قرار الدولة الفرنسية، أكد أنه دعا البرلمان للاجتماع يوم الاثنين المقبل وفق ما يتطلبه الدستور الفرنسي لإبداء الرأي في العملية من غير أن يكشف ما إذا كان سيطلب منه التصويت. وفي أي حال، يحظى قرار الرئيس هولاند بالتدخل العسكري في مالي «استجابة لنداء رئيسها ولعدد من رؤساء دول غرب أفريقيا» بما يشبه الإجماع الداخلي يمينا ويسارا. باستثناء انتقادات اليسار المتطرف الذي وصف العملية بأنها استمرار للعقلية «الاستعمارية» وتحفظات بعض نواب حزب الخضر المشارك في الحكومة التي انخرطت في عمل عسكري خارجي قبل استشارة البرلمان، فإن التوجه العام هو لدعم هولاند والحكومة والوقوف إلى جانب القوات الفرنسية الخاصة في هذه المهمة «الصعبة».

غير أن أصوات نبهت لانعكاسات العملية الفرنسية على مصير الرهائن الفرنسيين المحتجزين في المنطقة وعددهم ثمانية لدى منظمات جهادية أهمها تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وتفاقمت المخاوف مع فشل العملية التي نفذتها وحدة من الكوماندوز ليل الجمعة - السبت للإفراج عن الرهينة دوني ألكس وهو اسم مستعار لعميل للمخابرات الخارجية الفرنسية ألقي القبض عليه في مقديشو في يوليو (تموز) 2009. وتفيد معلومات وزارة الدفاع أن ألكس قتل وأن أحد أفراد الكوماندوز فقد والأرجح أنه وقع في أسر «الشباب» الصوماليين.

وحظي القرار الفرنسي الذي وصفه وزير الدفاع بأنه «فرنسي محض» بدعم أفريقي ودولي واضحين. وحرصت باريس على التشاور مع دول غرب أفريقيا والجزائر مع شركائها الأوروبيين خصوصا مع الولايات المتحدة الأميركية. وعلى الرغم من التأكيدات الفرنسية السابقة بأن باريس لن تشارك في عمليات جوية في مالي ولن تنشر قوات أرضية وأن دورها يقتصر على المساندة، فإن تطورات الساعات الأخيرة دفعها للتدخل العسكري المباشر جوا وأرضا.

وأعلن وزير الدفاع أن بلاده «دخلت معركة لا هوادة فيها ضد الإرهاب أينما وجد». وحجتها في ذلك «المحافظة على أمن المنطقة وأمن فرنسا وأوروبا» إذ إن التهديد القائم هو «إقامة دولة إرهابية على أبواب أوروبا وفرنسا تحكمها مجموعات تستهدفنا علنا وعلى رأسها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». ووصف لودريان الوضع في مالي بأنه «بالغ الخطورة» وأنه «زاد تدهورا في الأيام الأخيرة»، إذ سعت «المجموعات الإرهابية للاستفادة من المهلة الزمنية الضرورية للبدء بتنفيذ القرارات الدولية من أجل شن هجوم على جنوب البلاد». ولذا كان من الضروري التحرك «من غير تأخير» من أجل المساعدة على تنفيذ قرارات مجلس الأمن والمنظمات الأفريقية والاتحاد الأفريقي.

وحتى الآن، تنفرد باريس بالعملية العسكرية التي وضعتها تحت البند 51 من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على «شرعية الدفاع عن النفس الفردي والجماعي» في حال تعرض أحد أعضاء الأمم المتحدة لعدوان مسلح.

وأطلقت قيادة أركان القوات الفرنسية المسلحة اسم «سرفال» وهو اسم لهر الصحراء، على العملية العسكرية المتشعبة التي تقوم بها أرضيا القوات الخاصة المتمركزة في بوركينا فاسو المجاورة التي كانت أولى القوات التي أرسلت إلى الميدان مع طوافاتها. وقامت هذه الطوافات بعمليات قصف ثم إنزال استهدفت المجموعات الإسلامية المقاتلة في المنطقة الواقعة ما بين مدينتي موبتي وسيفاري أي على الخط الفاصل بين شمال البلاد الواقع تحت سيطرة المجموعات الإسلامية وجنوبها الذي بقي بيد السلطة المركزية في باماكو. ونجحت العملية في وقف تقدم القوات الإسلامية وبدء تراجعها عن مدينة كونا التي سيطرت عليها الخميس.

غير أن تدخل القوات الخاصة أسفر عن إصابة طوافة فرنسية ومقتل قائدها الملازم بواتو. واستتبع تدخل القوات الخاصة بعمليات قصف جوية مكثفة قامت بها ليلا الطائرات الفرنسية المنطلقة من قواعدها في تشاد وهي طائرات «ميراج» و«ميراج إف 1» وطائرات تزود بالوقود. كما وضعت على أهبة الاستعداد طائرات «رافال» والقوة الفرنسية الموجودة في قاعدة جيبوتي وهي أكبر قاعدة عسكرية فرنسية في أفريقيا. واستهدف القصف أماكن تجمع وتقدم «العناصر الإرهابية» وفق تعبير وزير الدفاع الذي أعلن أن هدف مجموع القوى الفرنسية المنخرطة في هذه العملية هو «وقف تقدم المجموعات الإرهابية والجهادية».

وتشتمل العملية الفرنسية كذلك على نشر وحدات من القوات (عدة مئات) في العاصمة باماكو ومحيطها من أجل المحافظة على العاصمة وعلى أمن الفرنسيين والأوروبيين. ويقيم في مالي نحو 5000 فرنسي.

وحتى الآن، لم يتضح ما إذا كانت باريس ستستفيد من هذه العملية للمساعدة على السيطرة على جميع الأراضي المالية وإخراج القاعدة والمنظمات الإسلامية الأخرى منها أم أنها ستكتفي بمنع تقدمها باتجاه الجنوب بانتظار أن تجهز العملية الدولية التي أقرها مجلس الأمن والتي تدور بشأنها تساؤلات جدية. واكتفى وزير الدفاع بتكرار ما قاله الرئيس هولاند لجهة، إن «العملية العسكرية ستستمر طالما دعت الحاجة ما يترك الباب مفتوحا لكل الاحتمالات».

وبحسب وزارة الدفاع، فإن الضربات الفرنسية المختلفة أدت حتى الآن إلى مقتل العشرات من المقاتلين وتدمير عربات في مدينة كونا ووسائل عسكرية وأسلحة مخبأة فضلا عن مركز قيادة. وتتوقع باريس أن تلقى مساندة أميركية وأوروبية. وبحسب مسؤولين أميركيين، فإن واشنطن التي أيدت بقوة العملية الفرنسية، تدرس كيفية المشاركة في إنجاحها من خلال إرسال طائرات من غير طيار وطائرات للتزود بالوقود. وكشف رئيس الأركان أدوار غيو أن قائد الطوافة الذي قتل أصيب بسلاح خفيف وتوفي لاحقا. ويعد الملازم بواتو أولى ضحايا التدخل الفرنسي في مالي.

وأعلن وزير الخارجية لوران فابيوس أن القوات الفرنسية «لن تكون في الخطوط الأمامية» في عملية استعادة شمال مالي وأن مسؤولية ذلك تقع على القوات المالية نفسها وعلى القوة الأفريقية التي تشكل لهذا الغرض وستعمل بموجب الانتداب الذي أعطاه مجلس الأمن الدولي. وواضح أن الروزنامة الدولية ستقلب رأسا على عقب بسبب المبادرة الفرنسية إذ إن الموعد المنتظر للعملية الدولية كان الخريف المقبل. لكن باريس طلبت أول من أمس من مجلس الأمن «التسريع» في إطلاقها.

في غضون ذلك، قال متحدث باسم جماعة أنصار الدين أمس، إن تدخل الجيش الفرنسي في شمال مالي سيعرض المواطنين الفرنسيين للخطر بمن فيهم الرهائن.. وقال سنده ولد بوعمامة لوكالة «رويترز»: «ستكون هناك عواقب ليس على الرهائن الفرنسيين فقط بل جميع المواطنين الفرنسيين أينما وجدوا في العالم الإسلامي». وأضاف: «سنستمر في المقاومة والدفاع عن أنفسنا. ونحن على استعداد للقتال حتى الموت». وتابع: «الرهائن يواجهون الموت، ويبدو أن فرنسوا هولاند يتمنى موت الرهائن. لقد اختار الحرب ولهذا فإن الرهائن سيقتلون بدلا من التفاوض بشأنهم».

كما توالت ردود الفعل الإقليمية والدولية على تطورات الوضع في مالي. وأعلن وزير التوحيد في ساحل العاج علي كوليبالي أن مجموعة «الإيكواس» ستبدأ بإرسال جنود إلى مالي بحلول يوم الاثنين ضمن مهمة لطرد المقاتلين المرتبطين بتنظيم القاعدة. كما أعلن مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة تفكر في دعم فرنسا في العملية العسكرية في مالي خصوصا بطائرات من دون طيار، مؤكدة أن البيت الأبيض يشاطر (باريس) هدف مكافحة الإرهاب. وفي المقابل، اعتبر الممثل الخاص للكرملين في أفريقيا أمس أن أي عملية عسكرية في أفريقيا ينبغي أن تتم بإشراف الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. من جانبها، أعلنت نيجيريا صباح أمس أنها لم ترسل حتى الآن قوات إلى مالي، لكنها أوفدت فريقا تقنيا من القوات الجوية وكذلك القائد المقبل للقوة الأفريقية، وهو نيجيري. وقال متحدث رئاسي إن نيجيريا سترسل كتيبة في إطار قوة الدعم الدولية من دون أن يحدد حجمها، لكن أوساطا في أبوجا تحدثت عن إرسال 600 عنصر.