المشرعون الروس يطاردون السيارات والأفلام الأجنبية

في إطار عملية «التطهير الوطني» والعمل على تقليص «التأثير من الخارج»

جانب لاحدى دور السينما في وسط موسكو أمس (نيويورك تايمز)
TT

عاد أعضاء مجلس النواب الروسي، الذين مرروا العام الماضي الكثير من القوانين الصارمة التي لم تحظ بنقاش كبير إلى الحد الذي جعل المعلقين يشبهونها بـ«الطابعة المحمومة»، إلى العمل الأسبوع الماضي في إطار حملة الوطنية التي دشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبعد جذب انتباه العالم خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي من خلال منع الأسر الأميركية من تبني أطفال روس، تقدم أعضاء البرلمان بمجموعة من المقترحات لتطهير السياسة الروسية والمجتمع المدني من التأثيرات الأجنبية. من بين هذه المقترحات منع الأسر الأجنبية من تبني الأطفال الروس تماما، وإلزام أبناء المسؤولين الروس بالعودة مباشرة إلى روسيا فور انتهائهم من الدراسة بالخارج وإلا يتعرض آباؤهم لخسارة مناصبهم. كذلك من مشاريع القوانين منع أبناء المسؤولين من الدراسة في الخارج بالأساس، وألا تقل نسبة عرض الأفلام الروسية في دور السينما عن 20 في المائة وإلا سيتعرض صاحب الدار إلى دفع غرامة تصل إلى 400 ألف روبل، أي ما يعادل نحو 13 ألف دولار.

ويعمل مجموعة من أعضاء مجلس النواب على مشروع قانون يمنع أي شخص يحمل جنسية أجنبية، بما فيها الروسية، من انتقاد الحكومة على التلفزيون. ويحظر أحد القوانين المقترحة استخدام رخص قيادة أجنبية، ويلزم مشروع قانون آخر المسؤولين بقيادة سيارات روسية الصنع. وأوصى أحد الأعضاء بفرض قيود صارمة على الزواج بين المسؤولين الروس والأجانب على الأقل من الدول التي لم تكن تابعة يوما ما للاتحاد السوفياتي.

تبدو الكثير من هذه الأفكار غريبة الأطوار في عاصمة يسافر نخبتها كثيرا وتربطها بالغرب صلة قوية. ومن غير المرجح أن تتحول هذه الأفكار إلى قوانين، لكنها بالتأكيد لن تضر بمهنة أي شخص في البيئة السياسية الحالية.

ويقول أليكسي مكاركين، المحلل في «مركز الوسائل التكنولوجية السياسية» في موسكو: «هناك مبدأ يتعلق بقضايا الوطنية أو حماية مصالح الدولة، كما تراها السلطات، وهو أن المبالغة أفضل من إظهار الضعف. إذا بذلت جهدا كبيرا وتوصلت إلى مشروع قانون غريب فاضح ومعيب، فأنت في كل الأحوال واحد مننا. وربما تكون عاطفيا جدا، فتصبح حينها وطنيا».

ومنذ تولي بوتين منصب الرئاسة، سارع مجلس النواب الروسي، الغرفة الصغرى في البرلمان، نحو إقرار مجموعة من المبادرات التي تحكم سيطرة الدولة على المعارضين والناشطين السياسيين. وزاد المجلس الغرامات على الروس الذين يشاركون في احتجاجات غير مصرح بها، وألزم المنظمات التي لا تهدف للربح بتسجيل نفسها كـ«عملاء أجانب»، إذا كانوا يتلقون أموالا من الخارج. كذلك أعاد طرح بعض مشاريع القوانين الخاصة بتجريم السبّ والقذف وتوسيع نطاق مفهوم الخيانة بحيث يشمل مساعدة المنظمات الدولية.

عندما تم إقرار منع تبني الأميركيين لأطفال روس، لم يعارضه سوى أربعة نواب من بين 406 أعضاء، ووافق عليه 400، بينما امتنع اثنان عن التصويت. ووصف غريغوري يافلينسكي، مؤسس الحزب الليبرالي «يابلوكو»، على مدونته التصويت بأنه مثل «حمى الإجماع الوطني الزائف».

وخلال فترة العطلة البرلمانية، ركّز نشطاء المعارضة جهودهم على مجلس النواب أملا في أن يعيد منع الأجانب من تبني الأطفال الروس زخم الاحتجاجات مرة أخرى. ووافق مجلس مدينة موسكو على تنظيم مظاهرة يوم الأحد ضد المشرعين تحت اسم «مسيرة الأوغاد». وأعلنت صحيفة «نوفايا غازيتا» يوم الخميس الماضي أنها جمعت مائة ألف توقيع لحلّ مجلس النواب وهو عدد كافٍ لعمل مراجعة رسمية.

وجاء في الالتماس: «فليقرّوا مشروع قانون يتعلق بحق المواطنين الروس في طلب سحب الثقة عن مجلس النواب على سبيل المثال. من الضروري أن يتم إدخال هذا التعديل على الدستور الروسي. وينبغي أن يكون للشعب الحق في استدعاء نوابه الجالسين على مقاعدهم الوثيرة إذا عملوا ضد مصالحه وإرادته». وقال يفجني مينشينكو، مدير المعهد الدولي للخبرة السياسية، إن مسؤولين في إدارة بوتين ساهموا في إقرار الجزء الأكبر من تشريعات مجلس النواب خلال العام الماضي. وقال إن العام الماضي أكّد أن البرلمان يعمل «كأداة» في يد الكرملين. وأوضح قائلا: «للأسف أرى أن هناك خطرا في أن تكون الطريقة الوحيدة لتوحيد كل الفصائل في البرلمان هي تقديم مبادرات متنوعة مناهضة للغرب».

لقد جعل بوتين من الوطنية موضوعا رئيسيا لفترته الرئاسية الثالثة. وقال يفجني فيودوروف، عضو مجلس النواب عن حزب «روسيا المتحدة»، إن دعم السيادة الروسية هو «أهم توجه» داخل مجلس النواب حاليا. وقال فيودوروف إنه يود أن يرى تعديلا في الدستور يسمح بآيديولوجيا وطنية، وهو أمر غائب عن نصوص الدستور حاليا، لكنه يؤكد أن هذا سيستغرق وقتا. وقال إن حظر تبني الأطفال الروس على الأجانب أو كما يسميه «حظر تصدير الأطفال» مؤشر على بداية سلسلة طويلة من المحاولات الرامية إلى «دعم سيادة روسيا» من خلال تطهير الحياة المدنية من التأثيرات الأجنبية.

وأضاف: «إنك تعلم القول المأثور: (نحن نستغرق وقتا طويلا في الاستعداد للانطلاق لكننا نقود بسرعة كبيرة). وما زالت رحلة التحول في أولها، ومن المتوقع أن يتم اتخاذ أكثر خطوات التغيير جذرية، بما فيها تلك المرتبطة بالدستور، في غضون ثلاث أو أربع سنوات».

وحظي فيودوروف، الذي تقدم باقتراح لمنع مسؤولي الحكومة من شراء عقارات في الخارج، ببعض الدعم في الكرملين. وأوضح أن أي علاقات دائمة بين مسؤولي الحكومة ودول أجنبية، مثل أن يكون لديهم أبناء يقيمون في الخارج أو أن يمتلك شريك حياتهم عقارا في الخارج، تمثل «وجها من الأوجه الموجبة لفقدان الثقة»، التي يمكن أن تؤدي إلى إقالة المسؤول من منصبه بموجب القانون الذي تم إقراره العام الماضي. وأوضح أن المهمة طويلة الأمد هي «إصلاح النخبة تدريجيا بحيث تتواءم مع الروح الوطنية» مشيرا إلى أن وجود علاقة وطيدة بين مسؤول ودولة أجنبية أمر يوجب فقدان الثقة. وما يعقّد هذه المهمة هي العلاقة الوثيقة التي تربط الطبقة الحاكمة في روسيا بدول أوروبا الغربية. وواجه سيرغي زليزنياك، أحد قادة هذه الحملة التشريعية وعضو مجلس النواب عن حزب «روسيا المتحدة»، نقدا لاذعا من المدون أليكسي نافالني لأن بناته يدرسن في مؤسسات راقية في سويسرا وبريطانيا. مع ذلك قرر الكرملين وضع ممتلكات المسؤولين الحكوميين تحت السيطرة لأن ذلك انعزال عن الشعب على حد قول سيرغي ماركوف، المحلل السياسي الذي كان عضو مجلس نواب عن حزب «روسيا المتحدة» حتى العام الماضي.

وقال: «يرى الشعب أن النخبة نصف أجنبية، فممتلكاتهم ومنازلهم وزوجاتهم وأطفالهم في الخارج. حتى رجال الصناعة الروس يعملون عبر شركات في الخارج. الناس يتساءلون: لماذا يدير هؤلاء الرجال روسيا؟».