باريس تمتنع عن تحديد سقف زمني لتدخلها العسكري في مالي

الضربات الجوية الفرنسية تتسع وتستهدف مواقع للإسلاميين شمال البلاد وغربها

TT

واصلت الطائرات الحربية الفرنسية المرابطة في القواعد الأفريقية، وتحديدا في تشاد أمس لليوم الثالث على التوالي، مهماتها فوق مالي مستهدفة قوافل ومراكز المقاتلين الإسلاميين. وقال وزير الدفاع جان إيف لودريان، صباح أمس، «ثمة غارات «جوية» متواصلة، وهناك غارات في هذه اللحظة بالذات كما حصلت غارات الليلة «الماضية» وستحصل غارات غدا (اليوم)».

بيد أن وزير الدفاع الفرنسي أعلن في وقت لاحق أمس أن أربع مقاتلات فرنسية من نوع «رافال» شنت أمس غارات جوية استهدفت محيط مدينة غاو في شمال مالي، ودمرت معسكرات تدريب ومخازن للمجموعات الإسلامية المسلحة المنتشرة في هذه المنطقة، حسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

وقال الوزير الفرنسي في بيان «نفذت هذه المهمة أربع مقاتلات من نوع (رافال) أقلعت من فرنسا وهي بذلك تعزز الغطاء الجوي الفرنسي» في المنطقة. وأضاف البيان أن «الطيران الفرنسي الحربي استهدف ودمر أمس عددا من الأهداف في شمال مالي على مقربة من غاو. وقال الوزير أيضا في بيانه إن «معسكرات تدريب وبنى تحتية ومخازن لوجيستية تشكل قواعد خلفية للمجموعات الإرهابية قد دمرت».

وبعد أن شارك لأول مرة الجمعة في قصف شمال مدينة موبتي في وسط مالي ضرب الطيران الفرنسي أمس شمالي الخط الذي يفصل بين شمال البلاد حيث تسيطر القوات الإسلامية وبين الجنوب حيث السيطرة للقوات الحكومية.

وتابع بيان الوزير: أن «هدف فرنسا هو شن هجوم لا هوادة فيه على المجموعات الإرهابية عبر منع أي هجوم جديد لهذه المجموعات باتجاه جنوب مالي ما قد يهدد استقرار هذا البلد الصديق، وعبر الحد من قدراتهم في أي مكان». وكرر الوزير الفرنسي التصميم الفرنسي «الكامل» في هذه العملية وأكد أن «الأعمال العسكرية القائمة ستتواصل ما دام ذلك ضروريا».

وفي مالي، أكد مصدر أمني أن طائرات فرنسية أغارت بعد ظهر أمس على معسكر كبير للإسلاميين في منطقة كيدال، على بعد 1500 كلم شمال باماكو، في أقصى شمال مالي. وقال المصدر: نفذت الطائرات الفرنسية للتو غارات في منطقة كيدال، وتحديدا في أغابو على بعد 50 كلم من كيدال. وتوجد في أغابو قاعدة عسكرية كبيرة لجماعة أنصار الدين الإسلامية المتشددة. الى ذلك قالت مصادر دفاعية أمس إن الخط الذي تلتزم به السلطات في باريس «يترك الباب مفتوحا لتواصل العملية العسكرية حتى تحقق أهدافها من غير تحديد سقف زمني لها من شأنه أن يغل يدي الرئيس فرنسوا هولاند».

وكان هولاند قد أعلن عصر السبت أن التدخل الفرنسي نجح في وقف تقدم الإسلاميين نحو جنوب مالي، وأن خسائر مهمة لحقت بهم. غير أن أهم ما جاء على لسان الرئيس الفرنسي، هو اعتباره أن المهمة الموكولة للقوات الفرنسية تتمثل في «تحضير الأرضية لانتشار قوة التدخل الأفريقية التي ستمكن مالي من استعادة السيطرة على جميع أراضيها، وفق منطوق قرارات مجلس الأمن»، الأمر الذي يعني، عمليا، طرد المجموعات الإسلامية المتمثلة في حركة أنصار الدين، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة التوحيد والجهاد في أفريقيا الغربية، من المنطقة الممتدة من خط الاحتكاك الحالي بين الشمال والجنوب الذي تشكل بلدة كونا مركزه وحتى حدود مالي الدولية شمالا وغربا. وتساوي مساحة هذه المنطقة تقريبا مساحة فرنسا.

وتفيد التقارير المتوافرة في باريس عن التدخل العسكري الفرنسي أنه يقوم على ثلاثة محاور: أولها الضربات الجوية التي تستهدف قوافل سيارات الدفع الرباعي المسلحة، ومراكز تجمعها خصوصا في محيط بلدة كونا التي كانت سيطرة الإسلاميين عليها السبب المباشر لإطلاق العملية الفرنسية، وثانيها، تعزيز وحدات القوات الخاصة التي نقلت إلى ميدان المعركة من قواعد تمركزها في بوركينا فاسو المجاورة، والتي شاركت في استعادة بلدة كونا الاستراتيجية يوم الجمعة. وتسببت المعارك في مقتل قائد طائرة مروحية عسكرية، وأحد ضباط القوة، بينما لم يعرف بالضبط ما إذا كانت المروحية قد دمرت أم لا. أما المحور الثالث، فيقوم على تعزيز القوة الفرنسية المرابطة في العاصمة باماكو بعناصر إضافية من الوحدات الفرنسية المرابطة في البلدان الأفريقية المجاورة بغرض توفير الحماية للمواطنين الفرنسيين والأوروبيين وللمصالح الفرنسية.

واللافت أنه لا وزارة الدفاع، ولا قيادة الأركان الفرنسية، أعطت تفاصيل عن المعارك الدائرة أو عن الوسائل المستخدمة. فمقتل ضابط القوات الخاصة أعلنته مصادر مالية وليست فرنسية، كما أن باريس لا تذكر بدقة المواقع المعادية التي تستهدفها الضربات الجوية. وتعتمد باريس على أسطول جوي مكون من 12 طائرة مرابطة في تشاد بينها خمس طائرات «ميراج» للقيام بالضربات بينما وضعت قيد التأهب في فرنسا نفسها مجموعة من طائرات «رافال»، وهي أحدث ما يملكه الجيش الفرنسي.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر في قصر الإليزيه أن المجموعات الإسلامية في مالي «مسلحة ومدربة بشكل جيد»، وتمتلك معدات حديثة ومتطورة أغلبها جاء من مخازن السلاح الليبية بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي. وهذه الصورة تخالف الصورة التي كانت قائمة، وهي أنهم عبارة عن مجموعات من الجنود المرتزقة يمتطون عربات «تويوتا» رباعية الدفع، ويملكون بعض الأسلحة. كذلك أشارت هذه المصادر إلى تدريبهم الجيد وقدرتهم على استخدام الأسلحة التي يمتلكونها.

ولليوم الثالث على التوالي أيضا، عقد اجتماع لمجلس الدفاع في قصر الإليزيه برئاسة الرئيس هولاند لمتابعة تطورات العملية العسكرية الفرنسية في مالي، والوضع الميداني، فضلا عن التدابير الأمنية التي بدأ تنفيذها لإجهاض أي أعمال إرهابية على الأراضي الفرنسية نفسها أو ضد المصالح الفرنسية في الخارج.

وكانت السلطات الفرنسية، التي دخلت، كما تقول، في حرب ضد الإرهاب إلى جبهتين أفريقيتين في الصومال ومالي، قررت رفع مستوى التدابير الاحترازية الأمنية لجهة تشديد المراقبة في المواقع الحساسة خصوصا في العاصمة، وتشمل أماكن التجمع العامة، ومحطات القطارات، والإنفاق، والمطارات، والمباني الحكومية. واستدعيت وحدات من الجيش لمؤازرة القوى الأمنية. لكنها ليست المرة الأولى التي تعتمد فيها الحكومة إجراءات مشابهة إذ سبق أن لجأت إليها مرات كثيرة في السابق.

وتستبعد المصادر الأمنية حصول اعتداءات على المدى القريب على الأراضي الفرنسية. غير أنها تتخوف من الخلايا النائمة التي يمكن «تشغيلها» خصوصا تلك المرتبطة بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أو بمنظمات قريبة منها.

وحتى مساء أمس، كانت الطبقة السياسية الفرنسية على اختلاف مشاربها، اصطفت وراء قرار الرئيس هولاند التدخل العسكري في مالي. غير أن الصوت النشاز جاء من رئيس الوزراء اليميني الأسبق، دومينيك دو فيلبان، الذي انتقد القرار، واعتبر أن «أيا من الشروط الضرورية لنجاح العملية غير متوافر».

ويبدو واضحا في باريس، أن التدخل العسكري الفرنسي أخذ، من جهة، بتغيير قواعد اللعبة ميدانيا من جهة أخرى، بتسريع التدخل الدولي، عبر القوة الأفريقية العائدة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. كذلك، تعول باريس على المساندة متعددة الأشكال «معلومات استخبارية، وسائل مراقبة وتقصي، ذخائر، تموين جوي» التي يمكن أن تقدمها لها الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا. وكان منتظرا أمس بداية وصول طلائع القوة الأفريقية التي ستعمل تحت غطاء دولي، والتي سيعود لها وللجيش الرسمي المالي مهمة استعادة السيطرة على شمال البلاد.