اليمن: هادي يؤكد أن «هيكلة الجيش» ماضية ولا تراجع

مسؤول يمني لـ «الشرق الأوسط» : خطة إعادة الهيكلة تبدأ خلال أسبوعين > سلسلة القرارات تمتد الى القوات المسلحة والأمنية

عبد ربه منصور هادي
TT

أكد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أن عملية إعادة هيكلة الجيش تمضي في طريق التنفيذ بصورة دقيقة وعلمية، فيما ذكر مسؤول يمني أن الخطة سيبدأ تنفيذها خلال أسبوعين. وقال الرئيس اليمني أثناء لقائه بأعضاء اللجنة الفنية للإعداد والتحضير للحوار الوطني الشامل ومعهم سفراء الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية أمس إنه لا مجال لغير هيكلة الجيش بشكل دقيق «من أجل أن يكون الجيش ملكا للشعب وليس ملكا لأشخاص أو جماعات أو أحزاب أو جهات بعينها» وأضاف هادي: «إننا بدأنا المرحلة معا ونريد إنجاز العملية بصورة كاملة وناجحة حسب ما هو مرسوم». حسبما نقلت عنه وكالة الأنباء اليمنية (سبأ).

إلى ذلك ذكر مسؤول يمني في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» في لندن أن «البدء بتنفيذ القرارات الجمهورية الأخيرة الخاصة بإعادة هيكلة الجيش سوف يكون خلال أسبوعين»، وأضاف المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه: «هناك مساعدات فنية من الجانب الأميركي والأردني فيما يخص إعادة الهيكلة التي من المتوقع أن تمتد لعدة شهور، يتم خلالها توزيع الجيش على المناطق العسكرية السبع، التي تم تحديدها ضمن القرار الجمهوري الخاص بالهيكلة، ثم إصدار اللوائح والتشريعات الخاصة بعمل القوات المسلحة والأمن».

وأصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قرارات رئاسية بإعادة هيكلة الجيش، ليضم أربعة مكونات رئيسية فقط هي القوات البرية والبحرية والجوية وحرس الحدود. وقضت القرارات بإلغاء بقية تشكيلات الجيش ودمجها تحت قيادة وزارة الدفاع وفي مقدمتها الحرس الجمهوري الذي يقوده العميد أحمد علي عبد الله صالح نجل الرئيس السابق وإلغاء الفرقة المدرعة الأولى التي يقودها اللواء علي محسن، الذي أعلن انضمامه للانتفاضة الشعبية ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح. كما قضت القرارات بإقالة يحيى محمد عبد الله صالح نجل شقيق الرئيس السابق من قيادة أركان حرب الأمن المركزي. وتضمنت القرارات أيضا ضم الأسلحة الاستراتيجية كمنظومة الصواريخ والقوات الخاصة لتكون تحت قيادة مباشرة من الرئيس بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة. وتهدف الإصلاحات إلى توحيد قوى الجيش اليمني، ودمج كافة تشكيلاته تحت قيادة وزارة الدفاع، ويرى مراقبون أن القرارات التي اتخذها الرئيس هادي تهدف إلى الحد من نفوذ الرئيس السابق على المؤسسة العسكرية. وهذه الإصلاحات هي جزء محوري من اتفاق نقل السلطة الذي تم برعاية خليجية وأميركية ووقع في السعودية ويهدف إلى منع حدوث انشقاقات داخلية وحركات انفصالية في البلاد والتصدي للتحدي الذي يمثله تنظيم القاعدة في البلاد.

وقد أصدر الرئيس اليمني خلال عام 2012. حزمة من القرارات الجمهورية القاضية بإجراء تغييرات هيكلية في المؤسستين العسكرية والأمنية في إطار جهوده لهيكلة الجيش، واتسمت تلك القرارات بالجرأة وخاصة القرار الأخير الذي أعاد تشكيل هيكل القوات المسلحة اليمنية، بتقسيمها إلى أربعة تشكيلات، هي القوات البرية والجوية والبحرية وحرس الحدود، وتقسيم اليمن إلى سبع مناطق عسكرية، يتولى القيادة في كل منها قائد عسكري تحت قيادة وزير الدفاع. وتهدف القرارات إلى توحيد الجيش اليمني والحد من نفوذ أقارب الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح على المؤسستين العسكرية والأمنية.

* انقسام الجيش

* قبل اندلاع أحداث فبراير (شباط) 2011 في اليمن كان الجيش اليمني غير خاضع لقيادة موحدة يمثلها وزير الدفاع، ولكن كما هو معروف كان هذا الجيش منقسما إلى فصيلين رئيسيين إجمالا هما، الحرس الجمهوري الذي كان يقوده نجل الرئيس السابق العميد أحمد علي عبد الله صالح، والفرقة الأولى مدرع التي كان يقودها اللواء علي محسن الأحمر المنتمي أيضا إلى منطقة سنحان التي جاء منها الرئيس صالح. وبعد اندلاع أحداث الانتفاضة ضد نظام صالح، وبعد مقتل ما يزيد على 50 من المتظاهرين في يوم جمعة الكرامة 18 مارس (آذار) 2011 أعلن اللواء علي محسن الأحمر انشقاقه عن نظام حكم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وتأييده للثورة، وهو الأمر الذي كرس انقسام الجيش وانقسام العاصمة صنعاء إلى شطرين، جنوبي يخضع لسيطرة قوات النظام، وشمالي يخضع لسيطرة قوات الفرقة والمسلحين القبليين الموالين لها وعلى رأسهم مقاتل الشيخ صادق الأحمر. بعد كل تلك الأحداث، وبعد التوقيع على المبادرة الخليجية كان لا بد من إعادة هيكلة القوات المسلحة لتحاشي الانزلاق للحرب الأهلية، وللدخول في الحوار الوطني.

* قرارات الهيكلة

* من أهم الشخصيات العسكرية التي استهل الرئيس هادي هيكلة الجيش بإقالتها من منصبها وتعيينها في مناصب أخرى اللواء محمد صالح الأحمر قائد القوات الجوية والدفاع الجوي، والأخ غير الشقيق للرئيس السابق، وقد كان تنفيذ القرار من أصعب المهام، حيث رفض الأحمر في البدء قرار الإقالة، واعتصم في قاعدة الديلمي الجوية القريبة من مطار صنعاء، والتي يوجد بها مكتب قائد القوات الجوية، وحضر للقاعدة وفي محيط المعسكر عدد من المسلحين الموالين للواء محمد صالح الأحمر، مما أدى إلى عرقلة سير الملاحة الجوية بعض الوقت، غير أن الأمر انتهى بتسليم قيادة القوات الجوية والدفاع الجوي لقائده الجديد اللواء راشد الجنيد، بعد ضغوط دولية قادها المبعوث الدولي إلى اليمن جمال بن عمر، وقد صدر القرار رقم (43) لسنة 2012 بتعيين اللواء الركن محمد صالح الأحمر (الأخ غير الشقيق لصالح) مساعدا لوزير الدفاع لهيئة التصنيع العسكري عوضا عن قيادة القوات الجوية. كما أصدر الرئيس هادي قرارا مهما ضمن سلسلة قرارات إعادة الهيكلة، وهو القرار رقم 10 لعام 2012 الذي قضى بتعيين اللواء مهدي مقولة نائبا لرئيس هيئة الأركان العامة للقوى البشرية، ونقله من قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية، ويعد اللواء مقولة من أقرب المقربين للرئيس السابق، ولم تكن هناك أي ممانعة أو تمرد على القرار الذي طال شخصية مهمة ومنصبا مهما، وقد عين اللواء سالم قطن الذي اغتالته القاعدة فيما بعد خلفا للواء مقولة، واللواء قطن من القيادات العسكرية التي كانت تحظى باحترام واسع لدى القيادتين السياسية والعسكرية في اليمن، وكان له دور في حرب 94 وهو من المقربين للرئيس الحالي، وقد كان له دور في مكافحة القاعدة في المناطق الجنوبية، الأمر الذي جعل التنظيم يسعى لاغتياله، حيث نجح في اقتناصه في عدن في عملية انتحارية قام بها أحد عناصر القاعدة من الصومال. كما أصدر الرئيس هادي القرار رقم (41) لسنة 2012 بتعيين العميد الركن علي محمد الجايفي قائدا للمنطقة العسكرية الشرقية وقائدا للواء «27 ميكا» وترقيته إلى رتبة لواء، وذلك خلفا للواء الركن محمد علي محسن الأحمر، الذي عين بموجب القرار نائبا لرئيس هيئة الأركان العامة لشؤون القوات البرية. واللواء محمد علي محسن الأحمر يعد من المقربين للواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى الذي انشق وأيد الثورة، كما أن اللواء محمد علي محسن قد أيد الثورة في حينها، منسجما في موقفه مع موقف قائد الفرقة الأولى مدرع اللواء علي محسن الأحمر. كما أصدر الرئيس هادي في 13 مارس (آذار) 2012 قرارا بنقل طارق محمد عبد الله صالح من قيادة الحرس الخاص وتعيين العميد ركن صالح محمد الجعملاني بدلا منه، ونقل طارق إلى قيادة لواء في حضرموت شرق البلاد، غير أن ابن عمه قائد قوات الحرس الجمهوري أحمد صالح (نجل الرئيس السابق) عينه قائدا للواء الثالث حرس جمهوري، وهو اللواء المهم الذي عين له الرئيس هادي قائدا جديدا هو العميد ركن عبد الرحمن الحليلي، وحينها ذكرت الأنباء أن نجل شقيق صالح رفض تسليم اللواء الثالث قبل أن يتمكن جمال بن عمر من إقناع صالح بتسليم اللواء إلى قائده الجديد. ومن القرارات التي تمهد لهيكلة الجيش قرار تعيين العميد الركن عبد الله سالم علي عبد الله قائدا للقوات البحرية والدفاع الساحلي، بعد ترقيته إلى رتبة لواء، وقد شهدت قوات خفر السواحل نقلة نوعية خلال الشهور الماضية، حيث تم ضبط عدد لا يستهان به من السفن وقوارب الصيد التي تحمل شحنات أسلحة مهربة من إيران أو تركيا، تحاول دخول البلاد بصفة غير قانونية، وقد ظهرت لوسائل الإعلام خلال الفترة الماضية أنباء هذه الشحنات غير القانونية التي اتهمت أطراف بجلبها إلى البلاد، حيث كانت الجهات الحكومية تشير إلى الحوثيين في الشمال الذين غالبا ما يتهمون بحصولهم على دعم مالي وعسكري إيراني. وفي 17 سبتمبر (أيلول) 2012 صدر قرار من الرئيس بتعيين اللواء الركن أحمد حسين صالح العقيلي مديرا لمكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بدلا من أحد الإخوة غير الأشقاء للرئيس السابق. كما أصدر هادي قرارا رقم (105) لسنة 2012 بشأن إعادة تشكيل مجموعة الصواريخ، حيث جعل قيادة الصواريخ تتبع مباشرة رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، والقرار من القرارات المهمة، لأن الصواريخ الاستراتيجية كانت تخضع لنجل الرئيس السابق قائد الحرس الجمهوري الذي سلمها لاحقا لوزارة الدفاع.

وفي 19 ديسمبر (كانون أول)، صدر قرار رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة رقم 104 بشأن المكونات الرئيسة للهيكل التنظيمي للقوات المسلحة، ونص على أن يتكون من السلطة القيادية وجهاز الإدارة السياسية العسكرية، وتضمن المكونات الرئيسية للقوات المسلحة من القوات البرية والقوات البحرية والدفاع الساحلي والقوات الجوية والدفاع الجوي وقوات حرس الحدود والاحتياط الاستراتيجي. ويعد هذا القرار أهم وأخطر القرارات التي اتخذها الرئيس هادي، ذلك أنه في مضمونه ألغى التشكيلات التي كانت تحول دون إعادة هيكلة الجيش اليمني، ذلك أن القرار ألغى تشكيلات الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع، وهما التشكيلان اللذان قسما الجيش اليمني إلى مؤيد للنظام ومؤيد للثورة خلال انتفاضة 2011 ضد النظام السابق في اليمن. وبإلغاء الحرس الجمهوري والفرقة الأولى مدرع يكون هادي قد أعاد رسم الخارطة العسكرية للجيش بتقسيمه على أربعة تشكيلات ضمن سبع مناطق عسكرية في البلاد كما مر معنا. ويعني إلغاء هذين التشكيلين إقالة قائديهما العميد أحمد علي عبد الله صالح وهو النجل الأكبر للرئيس السابق، وكذا إقالة اللواء علي محسن الأحمر من منصبيهما. ويتردد حاليا أن نجل صالح سيعين قائدا لإحدى المناطق العسكرية السبع التي أعيد توزيع الخارطة العسكرية عليها، ويتردد أنها ربما تكون المنطقة العسكرية المركزية التي تشمل العاصمة صنعاء، كما يتردد أن اللواء علي محسن الأحمر ربما يكون قائدا لإحدى المنطقتين العسكريتين: الغربية أو الشمالية، غير أن أيا من المنصبين الجديدين بالتأكيد يعد أقل بكثير مما كان عليه الرجلان قبل القرار الأخير بإعادة تشكيل الجيش. وبالنسبة لنجل صالح، فقد غادر اليمن قبل القرار إلى روما، ومن ثم يتردد أنه غادر إلى ألمانيا، وهناك حديث عن عدم رغبته بتاتا في تولي أي منصب عسكري في البلاد، غير أن اللواء الأحمر لا يزال في البلاد، وتتردد أنباء غير مؤكدة عن خلافات طرأت بينه وبين الرئيس هادي في الفترة الأخيرة وعلى خلفية القرار الأخير رغم طول فترة الانسجام بين الرجلين منذ انتخاب هادي رئيسا مطلع العام الماضي، غير أن السفير الأميركي قال في مؤتمر صحافي إنه لا علم لديه عن خلافات بين الرجلين حول هيكلة الجيش، وكلام السفير يؤخذ بالاعتبار، لأن الولايات المتحدة تضطلع تحديدا بالمساعدة في إعادة هيكلة الجيش اليمني بدعم فني من الأردن كما هو معروف.

* قرارات هيكلة المؤسسة الأمنية

* وفي المؤسسة الأمنية - أيضا - أصدر الرئيس هادي عددا من القرارات، أجرى بموجبها تغييرات في صفوف الأجهزة الأمنية، حيث أصدر القرار رقم 59 لسنة 2012 في 21 مايو (أيار) 2012 قضى بموجبه تعيين اللواء فضل يحيى بن ناجي القوسي قائدا لقوات الأمن المركزي. كما صدر القرار رقم 60 لسنة 2012 بتعيين العميد حسين محمد حسين الرضي قائدا لقوات النجدة، والعقيد يحيى علي عبد الله حميد أركان حرب لقوات النجدة، ويرقى إلى رتبة العميد، وخلف العميد حميد نجل شقيق الرئيس السابق يحيى محمد عبد الله صالح الذي كان يقود أركان حرب الأمن المركزي، والذي أرسل بشكل لافت برقية تأييد للرئيس هادي عبر عن قبوله بالقرار وتأييده له، بل وهنأ الرئيس هادي على اتخاذ هذه القرارات الشجاعة، وبعد القرار غادر نجل شقيق صالح صنعاء إلى بيروت التي يقيم بها حاليا دون تحديد موعد عودته إلى اليمن. وغالبا ما كانت تتهم قوات الأمن المركزي بالاعتداء على المتظاهرين في الفترة التي شهدت احتجاجات الشباب ضد نظام حكم الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.

وفي 3 سبتمبر 2012 صدر القرار رقم (124) لسنة 2012، عين بموجبه العميد ناصر عبد الله الطهيف وكيلا مساعدا لمصلحة الهجرة والجوازات والجنسية للشؤون العربية والأجنبية، ومصلحة الجوازات من أهم الإدارات التابعة لوزارة الداخلية، وربما أضاف التعيين الجديد قدرا من الضبط على إصدار الجوازات التي يقال إن أعدادا كبيرة من غير اليمنيين تمكنوا من الحصول عليها بعد تزوير أوراق هوية يمنية. وقضى القرار رقم (125) لسنة 2012م بتعيين العقيد عبده حسين الترب قائدا لشرطة حراسة المنشآت وحماية الشخصيات، وتعاني اليمن من هجمات متعددة على المنشآت الحكومية، وبشكل خاص على المنشآت النفطية والغازية، حيث تهدر ملايين الدولارات جراء هجمات من باتوا يعرفون بالمخربين على خطوط النفط والغاز في البلاد.