شبح الحرب يخيم على موريتانيا.. و«التوحيد والجهاد» تغلق الحدود مع النيجر وبوركينافاسو

قيادي في «أنصار الدين» لـ «الشرق الأوسط» : سيطرنا على ديابالي انتقاما لدعاة موريتانيين قتلهم الجيش المالي

TT

بينما تواصل الطائرات الفرنسية شن غاراتها على مواقع الحركات الإسلامية المسلحة في شمال مالي، أكد قيادي في حركة أنصار الدين لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الحركات سيطرة مساء أول من أمس على مدينة ديابالي، القريبة من الحدود مع موريتانيا، والتي كانت تحت سيطرة الجيش الحكومي المالي.

وديابالي، هي المدينة التي احتضنت الجنود الماليين الذين فروا من مدينة تومبوكتو أمام المقاتلين الإسلاميين، في إبريل (نيسان) الماضي، لتشتهر بعد ذلك بأنها أكثر المناطق خطورة بالنسبة للمشتبه في انتمائهم للجماعات الإسلامية المسلحة.

وشكلت العدائية التي عرف بها عناصر حرس الحدود المالي المرابطين في ديابالي، حديث جميع المارين من هذه المنطقة التي تذوب فيها الحدود، أمام تداخل السكان الذين يمارسون التجارة وتنمية المواشي والتهريب في عالم صحراوي فسيح.

هذه الصورة القاتمة التي ارتبطت بـ«ديابالي» غذتها حادثة إقدام وحدة من حرس الحدود المالي ترابط فيها على إعدام 12 موريتانيا من جماعة «الدعوة والتبليغ»، كانت في طريقها لحضور مؤتمر في العاصمة باماكو، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وهي الحادثة التي أعادت إلى الأذهان ما يتهم به الجيش المالي من تصفيات عرقية تستهدف العرب والطوارق في إقليم «أزواد».

وقال قيادي في حركة أنصار الذين، فضل عدم ذكر اسمه في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، بشكل مقتضب: «لقد سيطرنا على مدينة ديابالي انتقاما للدعاة الذين قتلهم الجيش المالي»، مؤكدا في نفس السياق أن وحدات الجيش التي كانت ترابط في المدينة أخلت هذه الأخيرة عندما علمت بقدومهم.

وحسب ما أكده بعض السكان المحليين، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، فإن المقاتلين الإسلاميين لم يدخلوا ديابالي، وإنما اكتفوا بالوجود بالقرب منها؛ وهو ما فسره هؤلاء السكان بخشية المقاتلين من التعرض للقصف في حالة دخلوا الثكنة العسكرية الموجودة وسط المدينة، خاصة في ظل وجود أنباء عن إرسال الجيش المالي لمروحيات نحو المدينة التي تبعد 400 كيلومتر إلى الشمال من العاصمة باماكو.

وزاد تحرك هذه الجماعات بالقرب من الحدود الموريتانية، وتوقع مهاجمتها في أي وقت من طرف المقاتلات الفرنسية، الشعور بالخوف لدى ساكنة الشرق الموريتاني، الذي بدأ في استقبال المئات من اللاجئين الماليين، حيث قال عمر ولد سيدي محمد، العامل في منظمة أطباء بلا حدود بمقاطعة باسكنو الموريتانية، إنه «منذ يوم الأحد تم تسجيل أكثر من 500 لاجئ، قدموا من المناطق المالية القريبة من الحدود ومناطق أخرى في العمق كمدينة تمبوكتو».

وذكر ولد سيدي محمد، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أن «الخوف هو القاسم المشترك بين السكان المحليين واللاجئين»، مضيفا أن «اللاجئين عبروا عن خوفهم من القصف الذي لا يفرق بين المدني الأعزل والإرهابي المسلح».

وعن الشعور العام في المناطق الموريتانية المحاذية للحدود مع مالي، قال ولد سيدي محمد، الذي يتحرك في هذه المنطقة بحكم مهنته «إن حالة من القلق تنتشر في المنطقة»،مشيرا إلى أن «السكان يتداولون بكثرة الأخبار المقبلة من ديابالي، والتي يعتبرون أنها تشير إلى إمكانية اقتراب المواجهات أكثر من مناطق سكنهم».

وأمام هذه التطورات قامت وحدات من الجيش الموريتاني بتعزيز مواقعها على الحدود، حيث أكد ولد سيدي محمد أن «بعض التجار الذين التقى بهم أكدوا له رؤيتهم لتعزيزات أمنية موريتانية في المنطقة، وأن هناك تحركا ونشاطا أمنيا على الحدود منذ اندلاع الحرب».

وأضاف أن «هذه التعزيزات خلفت نوعا من الطمأنينة لدى السكان المحليين»، وذلك على الرغم من قلق البعض من إمكانية دخول موريتانيا في الحرب، مما سيجعلهم في معمعان الجبهة بين الجيش الموريتاني والجماعات الإسلامية المسلحة، وهو ما يعيد إلى أذهانهم مواجهات غابة «وغادو» و«حاسي سيدي» بين الجيش الموريتاني وهذه الجماعات.

وكانت السلطات الموريتانية قد أعلنت في السابق أنها لن تشارك في الحرب على الجماعات الإسلامية التي تحتل شمال مالي، مؤكدة أنها تسعى إلى تأمين حدودها مع مالي، والتي تصل إلى ألفي كيلومتر في صحراء شاسعة تعتبر مرتعا خصبا للتهريب بكل أنواعه.

وجاءت آخر التصريحات الموريتانية بهذا الخصوص، على لسان وزير الدفاع أحمد ولد الدي ولد محمد الراظي، أمام البرلمان مطلع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حين قال إن «موريتانيا لن تشارك في الحرب التي يتم التحضير لها في مالي».

وأضاف الوزير الراضي آنذاك أن «الجيش الموريتاني سبق أن خاض حروبا مع الجماعات الإرهابية وطاردها وكبح جماحها كلما اعتدت على البلاد»، مؤكدا أن الجيش الموريتاني «أصبح الآن أكثر قوة وبفضل ذلك أصبح البلد محصنا وآمنا»، مشيرا إلى أن موريتانيا تكتفي بـ«تحصين وتأمين» حدودها. وعلى صعيد ذي صلة، قامت حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، إحدى الحركات الإسلامية المتشددة التي تسيطر على شمال مالي، بإغلاق الحدود بين مناطق نفوذها ودولتي النيجر وبوركينافاسو، وذلك بعد أن أعلنت الدولتان نيتهما إرسال 500 جندي من كل منهما، لمساندة الجيش الحكومي المالي في حربه على الجماعات الإسلامية المسلحة.

وجاء في بيان صادر عن الحركة ونشره موقع «صحراء ميديا» الموريتاني أمس، أن إغلاق الحدود سيتم عن طريق «زرع الألغام» إضافة إلى «إرسال تعزيزات عسكرية لمواجهة دول الطوق المرتدة»، وذلك في إشارة إلى بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي تستعد لإرسال قوة أفريقية لشمال مالي.

وكان الطيران الحربي الفرنسي قد تدخل مساء الجمعة الماضي، من أجل مساندة الجيش المالي الذي تعرض لهزيمة كبيرة على يد مقاتلي هذه الجماعات الإسلامية المسلحة، في بلدة «كونا» وسط البلاد.

وقامت الطائرات الفرنسية أول من أمس بتنفيذ ضربات جوية لمواقع تابعة لهذه الجماعات، من بينها معسكرات تدريب ومخازن أسلحة بالقرب من مدينة غاو، كانت تابعة لحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، وكتيبة الملثمين التي يقودها خالد أبو العباس الملقب «بلعور».

وأعلن أبو الوليد الصحراوي، أمير حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، أنه «بعد التطورات الأخيرة في مالي قررت الجماعة غلق المعابر مع بوركينافاسو والنيجر والبدء في عملية زرع الألغام، وإرسال التعزيزات العسكرية لمواجهة جيوش دول الطوق المرتدة والعميلة لعباد الصليب».