النيابة المصرية تقبل عروض النظام السابق لـ «التصالح» في جرائم المال العام

تتضمن رد أموال تبلغ ملايين الدولارات.. و«الدستورية» تنظر حل الشورى اليوم

أنصار الرئيس المصري السابق حسني مبارك يحملون صوره أمام المجمع الطبي في المعادي أمس (رويترز)
TT

بدأت النيابة العامة المصرية في اتخاذ خطوات جديدة نحو التصالح مع عدد من رموز النظام السابق في القضايا الجنائية محل التحقيق ضدهم، أو قضايا أحيلت بالفعل إلى المحاكم، عن وقائع تتعلق بارتكابهم لجرائم إهدار المال العام والإضرار العمد به والتربح، وتتضمن هذه الخطوة رد أموال تبلغ ملايين الدولارات لخزانة الدولة. وتلقت النيابة عروض عدد من هؤلاء المتهمين بسداد قيمة الأموال العام التي كانوا قد تحصلوا عليها جراء ارتكابهم لجرائم العدوان على المال العام، نظير حفظ التحقيقات وعدم تحريك القضايا ضدهم. ويأتي هذا في وقت تترقب فيه البلاد إصدار المحكمة الدستورية العليا اليوم (الثلاثاء) حكمها في دعاوى تتعلق بحل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية.

وعلى الرغم من أن القوانين المصرية تجيز التصالح في معظم الجرائم المتعلقة بالعدوان على المال العام، إلا أن مثل هذا الإجراء كان يتم على استحياء وبصورة ضعيفة في الوقت السابق، غير أنه في ظل العجز الشديد الذي يعانيه الاقتصاد المصري، بدأت النيابة العامة في الآونة الأخيرة في قبول تصالح المتهمين بجرائم المال العام شريطة أن يقوموا بإعادة ما تحصلوا عليه إلى الدولة أو سداد قيمته للخزانة العامة للدولة.

وقامت النيابة بالفعل بالموافقة على تسويات مع عدد من كبار المسؤولين السابقين ورجال الأعمال، الذين أظهرت التحقيقات قيامهم إما بالحصول على مساحات شاسعة من الأراضي بأسعار زهيدة وأثمان بخسة تقل عن سعر بيعها في السوق، أو الحصول على هدايا باهظة بغير صفة من مؤسسات تتبع الدولة على سبيل المجاملات على نحو يشكل إهدارا للمال، أو إسناد صفقات مالية لشركات ومؤسسات بعينها مجاملة لها بالمخالفة للقانون.

وبدأت نيابة الأموال العامة العليا في إجراء تسويات مالية مع المتهمين في القضية التي اشتهرت إعلاميا بقضية «هدايا الأهرام»؛ حيث كانت النيابة قد أسندت إلى 26 شخصية، يتقدمهم الرئيس السابق حسني مبارك وأفراد أسرته وعدد من الوزراء ورئيسا مجلسي الشعب والشورى السابقين وقيادات صحافية بالمؤسسات الصحافية القومية السابقين، حصولهم على هدايا باهظة الثمن تقدر بنحو 100 مليون جنيه (نحو 18 مليون دولار)، مستغلين في ذلك صفاتهم الرئاسية والوزارية في تقاضي هذه الهدايا، بما يشكل عدوانا على المال العام.

وقام 10 أشخاص من بين المتهمين، بسداد الأموال التي تساوي قيمة تلك الهدايا التي تمثلت في ساعات قيمة، وأقلام ذهبية، وجنيهات من الذهب وربطات عنق وأطقم من الألماس ومجوهرات وحقائب جلدية للسيدات والرجال وأحزمة جلدية، على نحو ترتب عليه إلغاء قرارات التحفظ على أموالهم وكافة ممتلكاتهم وكذا إلغاء قرار منعهم من السفر على ذمة التحقيقات، تمهيدا لحفظ التحقيقات معهم في وقت لاحق.

وشملت قائمة الأسماء المسددين للأموال قيمة الهدايا كلا من الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب الأسبق، والدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية الأسبق، ومحمد سامي سعد زغلول الأمين العام لمجلس الوزراء الأسبق، ويسري الشيخ مدير مكتب رئيس مجلس الشعب الأسبق، والكاتب الصحافي علي هاشم رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير الأسبق، وأبو طالب محمود أبو طالب مدير مكتب رئيس الوزراء الأسبق، والكاتب الصحافي عبد الله كمال رئيس تحرير جريدة «روز اليوسف» الأسبق، والدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة الأسبق، وسامي مهران أمين عام مجلس الشعب السابق، وأبو الوفا رشوان سكرتير الرئيس السابق، فيما ينتظر أن يقوم مبارك وأفراد أسرته بإجراء مماثل بسداد الأموال المستحقة عليهم، والبالغة قيمتها نحو 17 مليون جنيه تمثل قيمة الهدايا التي تحصلوا عليها خلال الفترة من 2006 وحتى 2011.

وقال مصدر قضائي مسؤول إن النيابة تلقت عروضا مشابهة من رجال أعمال ورموز بالنظام السابق، لتسوية موقفهم المالي في قضايا جديدة يجري فيها التحقيق حاليا، مشيرا إلى أن النيابة تعمل صحيح حكم القانون في شأن جرائم المال العام التي يجوز فيها التصالح.

وأكد المصدر أن النيابة لا تبادر من جانبها لعرض التسوية أو الضغط لفرض التصالح على من يتبين لها ارتكابه لجريمة، وإنما تتلقى الطلبات بهذا الشأن، وتقوم ببحثها وبيان مدى اتفاقها وصحيح القانون، دون التغاضي عن القواعد القانونية أو التفريط في حقوق الدولة، وأن النيابة لا تتعنت مع أي شخص يخوله القانون في المضي قدما في إجراءات التصالح.

وأوضح المصدر أن النيابة العامة سبق لها وأن وافقت على اتخاذ إجراءات مماثلة بالتصالح في قضايا الحصول على الأراضي بأسعار زهيدة، وقضايا تتعلق بالاحتكار والعدوان على المال العام، مثل القضية التي تصالح فيها رشيد محمد رشيد وزير الصناعة الأسبق مع النيابة في أغسطس (آب) الماضي، والتي كان قد اتهم فيها رشيد بارتكاب جرائم بموجب قانون جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في قضية تتعلق بإحدى الشركات المصنعة للزجاج المسطح.

وأضاف المصدر أنه تم استرداد مبلغ 850 مليونا و279 ألف جنيه لصالح الدولة، وأراض أخرى، بالإضافة إلى قطعة أرض بمدينة الغردقة تبلغ مساحتها 500 ألف متر قدرت قيمتها بـ25 مليون دولار.

على صعيد متصل من المتوقع أن تصدر المحكمة الدستورية العليا اليوم، حكمها في دعاوى تتعلق بحل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور الجديد المعمول به حاليا في البلاد. ومن شأن الحكم بحل الشورى والتأسيسية وضع البلاد في مأزق سياسي وقانوني قبل موعد الانتخابات النيابية في أبريل (نيسان) المقبل.