لبنان: اقتراح «اللقاء الأرثوذكسي» يحرم تيار المستقبل من 10 نواب مسيحيين وجنبلاط من 5

لجنة قانون الانتخاب سلمت محاضر جلساتها.. وبري «لن يقدم على أي خطوة ما دام النقاش مستمرا»

TT

سلمت اللجنة النيابية الفرعية، التي عكفت خلال الأيام الماضية على البحث في الصيغ المقترحة لقانون الانتخابات النيابية المقبلة، رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أمس محضر جلساتها. ونقل رئيس اللجنة النائب روبير غانم عن الرئيس بري تركيزه «على استمرار عمل اللجنة للتوصل إلى قانون انتخابي ينال رضا الجميع والعدالة في التمثيل الصحيح»، موضحا أن اللجنة «ستستمر من هذا المنطلق في العمل للتوصل إلى مشروع مقبول من كل الأطراف من دون إجحاف لأي طرف». وتزامن حراك اللجنة الفرعية مع مطالبة الرئيس اللبناني ميشال سليمان «بالمباشرة بمناقشة مشروع القانون المقدم من الحكومة الذي يعتمد النسبية وإدخال التعديلات اللازمة عليه إذا دعت الحاجة»، في إشارة واضحة لمعارضته اقتراح «اللقاء الأرثوذكسي»، داعيا إلى «المضي في التحضير لإجراء الانتخابات النيابية ضمن ضوابط الديمقراطية الميثاقية التي يعتمدها لبنان». وأوضح سليمان، خلال استقباله أعضاء السلك الدبلوماسي، أن «اللبنانيين ما زالوا يعيشون ارتدادات اغتيال اللواء وسام الحسن (رئيس فرع المعلومات) ويتخوفون من تداعيات الأزمة السورية وتنامي أعداد النازحين وينظرون بقلق للأزمة السياسية وتعذر انعقاد هيئة الحوار»، مشددا على «وجوب أن تعمل الدولة على رفع هذه التحديات ومن بينها إبقاء التشاور قائما مع الجميع لإيجاد حلول للخروج من حال التأزم والاستمرار في دفع الفرقاء للعودة إلى طاولة الحوار في هذه المرحلة الدقيقة ودعوة الأطراف كافة إلى عدم التورط في العنف الإقليمي». وفي موازاة تأكيد رئيس اللجنة النيابية الفرعية، النائب روبير غانم، «انفتاح الرئيس بري على أي قرار تتخذه اللجنة»، قالت مصادر مقربة من رئيس المجلس النيابي لـ«الشرق الأوسط» إن الرئيس بري «لن يقدم على أي خطوة ما دامت اللجنة قررت الاستمرار في اجتماعاتها واستكمال النقاش للتوصل إلى صيغة تجمع عليها الأطراف كافة»، مستنتجة «أن لا شيء لدى الرئيس بري لرفعه إلى الهيئة العامة لمجلس النواب».

وأكدت مواقف النواب الأعضاء في اللجنة الفرعية، بعد الاتفاق على تسليم محضر الجلسات السابقة إلى الرئيس بري، الانفتاح على مواصلة النقاش في المرحلة المقبلة حتى التوصل إلى تصور مشترك حول قانون الانتخاب يرضي الأطراف كافة، في حين شدد البعض على إقرار قانون ينصف التمثيل المسيحي؛ وكان أبرزهم النائب عن حزب الكتائب سامي الجميل الذي دعا «الذين رفضوا مشروع (اللقاء الأرثوذكسي) إلى أن يقدموا البدائل». وقال: «قررنا إقرار (الأرثوذكسي) على نظام أكثري وليس نسبيا»، مؤكدا «انفتاح (الكتائب) على كل الاقتراحات، ولكن لن نقبل أن يبقى تمثيلنا المسيحي كما هو اليوم».

وفي سياق متصل، يتمسك «التيار الوطني الحر» الذي يترأسه النائب ميشال عون، باقتراح «اللقاء الأرثوذكسي»، حيث شدد النائب إبراهيم كنعان أمس على أن «أي قانون غير مشروع (اللقاء الأرثوذكسي) للانتخاب لا يؤمن المناصفة الفعلية هو غير دستوري ويتحمل مسؤولية إقراره من يطالب به». وأشار بعد اجتماع لكتلة عون النيابية، إلى أن «(المشروع الأرثوذكسي) لا يزال يمثل المناصفة الفعلية في النظام السياسي، وهي مناصفة دستورية ميثاقية بامتياز»، مؤكدا «أننا مع (اللقاء الأرثوذكسي)، وعلى الرغم من الانتقادات، فإننا لم نسمع الطروحات البديلة التي تؤمن المناصفة الفعلية».

في الجانب الآخر، يتصدى «تيار المستقبل» بشراسة لاقتراح «اللقاء الأرثوذكسي»، باعتباره أكثر المتضررين منه. وجددت كتلة «المستقبل» أمس، في بيان بعد اجتماع أعضائها، رفضها «الخوض في أي مشروع يناقض العيش المشترك ومبادئ الدولة اللبنانية ويخالف مقدمة الدستور»، ورأت أن الاقتراح «الأرثوذكسي» يحول الشعب إلى «قبائل مذهبية لا تجمعها المصلحة الوطنية ويعطي رسالة خاطئة عن لبنان». وأكدت في الوقت عينه «استعدادها للبحث بما يريح شركاء الوطن في الهواجس التي يثيرها البعض من دون مناقضة الشراكة الوطنية وإثارة هواجس لدى فريق آخر»، مشددة على «ضرورة التوصل إلى قانون وفق القواعد الميثاقية».

ومن شأن إقرار اقتراح «اللقاء الأرثوذكسي»، الذي ينص على جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، حيث تنتخب كل طائفة نوابها وتعتمد النسبية في العملية الانتخابية لضمان تمثيل المناطق، أن يؤدي إلى خسارة بعض الكتل النيابية عددا من نوابها، وفي مقدمها تيار المستقبل، الذي يخسر وحده عشرة مقاعد مسيحية في حال إقراره، يليه رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط بخمسة نواب، فيما يخسر كل من حزب الله وحركة أمل نائبين مسيحيين. وخسارة هذه الكتل هذا العدد من النواب مرتبط بكونهم ينتخبون من قبل أصوات غير مسيحية. ففي محافظة عكار على سبيل المثال، يتمكن تيار المستقبل، ذو الغالبية الشعبية، من إيصال ثلاثة نواب مسيحيين، لن يتمكن مع إقرار «الأرثوذكسي» من إيصالهم. وفي قضاء عالية، لن تتحكم الغالبية الدرزية المؤيدة للنائب جنبلاط بإيصال 3 نواب مسيحيين.

في موازاة ذلك، يستغرب عراب اقتراح «اللقاء الأرثوذكسي»، نائب رئيس مجلس النواب السابق، إيلي الفرزلي اعتراض بعض الأطراف السياسية على الاقتراح بوصفه «يعزز المذهبية وينسف ميثاقية اتفاق الطائف». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أستغرب أشد الاستغراب هذه الاتهامات لأننا نعيش المذهبية وليس الطائفية فحسب في لبنان»، موضحا أن «خطابنا طائفي بامتياز، ونظام القيم طائفي بامتياز، والنواب يترشحون على أساس طائفي بامتياز، ووظائف الدولة يتم تقاسمها طائفيا، فهل يتحدثون عن الجمهورية الفاضلة، أم عن جمهورية لبنان الطائفية؟».

ويؤكد الفرزلي أن «كل ما نطالب به هو تحقيق المساواة وتطبيق (الطائف)، وعندما نتحدث عن تطبيق النسبية داخل كل طائفة، فالهدف تفجير الطوائف من الداخل ونقل الصراع من صراع بين الطوائف إلى صراع داخل كل طائفة»، مشددا على «أننا نتمسك بـ(الطائف) ونعتبره الكفيل الوحيد لانتظام الحياة السياسية في لبنان». ويوضح: «إننا عندما نتحدث عن المناصفة، فهي جوهر اتفاق الطائف، لكننا نريد مناصفة بين المسيحيين والمسلمين تؤمن الشراكة الحقيقية والفعلية، لا أن يبقى الوضع على حاله حيث ينتخب غير المسيحيين نواب المسيحيين».

في موازاة ذلك، دعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع منتقدي «الأرثوذكسي» إلى «تقديم مشروع انتخابي آخر يحظى بتأييد 65 نائبا على الأقل مع مراعاة صحة التمثيل»، وكشف أنه «في حال وجدنا البدائل المعقولة عن (الأرثوذكسي)، فنحن على استعداد للتباحث بها، مع الإشارة إلى رفضنا المشروع المقدم من قبل الحكومة على خلفية العيوب الكثيرة التي تشوبه»، وأعلن عن وجود «تواصل دائم مع الرئيس سليمان وحلفائنا رغم الاختلاف في وجهات النظر»، منوها بـ«الجهود التي يبذلها الرئيس بري للتوصل إلى توافق حول قانون معين».

وقال جعجع: «لا يعتقدن أحد أننا لم نحاول إيجاد المشروع الأنسب، فبعد اتفاقنا مع حلفائنا في تيار (المستقبل) على مشروع الدوائر الصغرى، الذي لم نستطع تأمين أكثرية نيابية لصالحه، فلم نجد إلا (الأرثوذكسي) مشروعا لديه الأكثرية النيابية بعدما فشل مشروعنا ومشروع الحكومة في تأمين الأكثرية»، متسائلا: «أليس الإبقاء على الستين هو ضرب للعيش المشترك؟». من ناحيته، أوضح وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي أن «قرار إنجاز القانون الأرثوذكسي للانتخابات بشكله الحالي أو تعديله يعود للرئيس بري»، ولفت إلى «وجود مشروع سيرسل من الحكومة ومشاريع أخرى قد تطرح وتناقش»، مشيرا إلى أن «النقاش لا يزال مفتوحا ولا يمكن حسمه وإقفاله عند هذا المشروع فقط»، وقال في حديث لـ«وكالة أنباء الأناضول»، ردا على سؤال عما إذا كان وزراء الحزب «التقدمي الاشتراكي» سينسحبون من الحكومة في حال إقرار المشروع الأرثوذكسي: «لم ولن نتعاطى بهذا الشكل والأسلوب مع القضايا، ومن حقنا الاعتراض والرفض داخل المؤسسات الدستورية».