الحرس الثوري الإيراني يتوقع اضطرابات في مدن عدة قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة

رجل دين بارز يدعو للعودة إلى النظام البرلماني في البلاد

صف من طائرات تابعة للخطوط الجوية الإيرانية في مطار مهراباد بطهران أمس حيث يعاني قطاع الطيران الإيراني مشكلات متصاعدة (أ.ف.ب)
TT

أكد القيادي في الحرس الثوري الإيراني ناصر شعباني إمكانية نشوب اضطرابات في إيران خلال المستقبل القريب بسبب تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وضيق سبل العيش أمام الطبقة العاملة الإيرانية.

وقال شعباني في تصريحات صحافية أمس: «الافتراض لدينا أن الاضطرابات قد تنشأ في المدن الإيرانية البعيدة عن طهران، ويمكن أن تحدث الاضطرابات في المستقبل القريب». وأضاف: «ضيق سبل العيش وتأثيره على الطبقة العاملة هي العوامل التي يمكن أن تثير الاضطرابات، لكن نحن لدينا تجربة معينة للتعامل معها».

وأوضح المسؤول العسكري أن الحرس الثوري يقوم حاليا بتحليل إمكانات نشوب اضطرابات يمكن أن تسببها القضايا الاقتصادية، مثل سوء الإدارة وتأثير العقوبات الدولية، وكيف يمكن أن تقود إلى اضطرابات محتملة. وقال قائد الحرس الثوري: «من الممكن أن يستغل بعض الأفراد هذه العوامل كأدوات سياسية ونحن على مشارف الانتخابات الرئاسية المقبلة».

ومن المقرر أن تتم الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 14 يونيو (حزيران) 2013 لاختيار خلف للرئيس محمود أحمدي نجاد.

وأشار شعباني إلى أن الحرس الثوري اتخذ التدابير اللازمة لضمان الاستقرار خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقال: «أعطينا المرشحين في الانتخابات قائمة بالخطوط الحمراء ليكونوا على دراية بها، وقد عانينا بالفعل في أحداث الانتخابات عام 2009، واكتسبنا خبرة بشأن كيفية منع مثل هذه القضايا».

وقال شعباني إن أحمدي نجاد خرج عن مسار الثورة الإسلامية، وقال: «كان بإمكانية أن يتابع مسيرة الثورة لكن بدلا من ذلك وضعها تحت التهديد».

أيضا، كان السعيدي شهرودي ممثل آية الله الخميني قد أبدى ندمه على مساندة أحمدي نجاد في الانتخابات عام 2009، وخرج بتصريح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قال فيه: «أعترف أنني دعمت أحمدي نجاد في الماضي، لكن لم يكن لدينا علم دقيق بما يجري في عقله أو ما يريد أن يفعله في المستقبل، فمحمود أحمدي نجاد كان يمكن أن يكون بطلا لكنه تصرف بطريقة جعلت حتى المقربين منه يتحولون إلى المعارضة وينقلبون عليه».

وقال مكراك كاتز أستاذ الحكومة والسياسة بجامعة جورج ميسون: «إن المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها إيران يمكن بالطبع أن تقود إلى غضب جماهيري، وهناك احتمال حدوث اضطرابات عامة بشأن خلافة محمود أحمدي نجاد الذي لا يمكن أن يترشح لولاية ثالثة على التوالي».

ويشير كاتز إلى 3 أزمات يمكن أن تواجهها إيران خلال الشهور المقبلة، منها الاضطرابات مع الانتخابات الرئاسية، واحتمال عجز أو وفاة المرشد الأعلى علي خامنئي، مما سيؤدي إلى صراع على السلطة لخلافته ويؤدي أيضا إلى اضطرابات داخل البلاد، والاحتمال الثالث هو أن تتزايد الأزمة النووية الإيرانية بما يؤدي إلى قيام الولايات المتحدة أو إسرائيل، أو كليهما، بشن هجوم مسلح لمنع طهران من الحصول على أسلحة نووية.

ويقول أستاذ السياسة بجامعة جورج ميسون: «إن قيادة الجمهورية الإسلامية تريد أن تتجنب اندلاع اضطرابات خلال الانتخابات الرئاسية قي يونيو 2013 مثل التي حدثت في عام2009، إضافة إلى التجربة التي رأتها من سقوط زعماء وحكام خلال ثورات دول شمال أفريقيا في كل من تونس ومصر وليبيا، وقدرة الانتفاضات الشعبية على إسقاط الأنظمة. ولذا أصدرت لوائح جديدة تشدد الرقابة الدينية لمن يسمح له بالترشح».

وأكد كاتز أن الشعب الإيراني قد يطلق جهدا أكثر تنسيقا ردا على أي نتائج يعتبرها غير شرعية في الانتخابات الرئاسية مما كان عليه في عام 2009.

ويشير كاتز إلى أن خامنئي الذي يبلغ من العمر 73 عاما لن يكون قادرا على الحكم لمدة عشر سنوات مقبلة وهو في حالة صحية سيئة، وليس واضحا من يمكن أن يحل مكانه، وأحمدي نجاد ليس مؤهلا لهذا المنصب، ورجال المؤسسة الدينية لا يعتبرونه مناسبا لمنصب القيادة العليا؛ ولذا قد يندلع صراع بسهولة.

والسؤال الحقيقي هو مدى ما يمكن أن يؤدي إلى تلك الأزمات من تأثير على قوة واستقرار النظام الإسلامي الإيراني، حيث يمكن للاضطرابات السياسية الداخلية الناجمة عن رد فعل الجمهور الغاضب من نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة أن تقوض بشدة شرعية النظام وتؤدي إلى سقوطها في عملية مماثلة لثورات الربيع العربي. ويمكن لردود فعل سلبية لاختيار المرشد الأعلى بعد عجز أو وفاة خامئني أن تؤدي إلى تقويض شرعية النظام؛ ولذا تسعى طهران إلى استغلال الأزمة النووية لتشويه سمعة المعارضة الإيرانية من خلال توجيه اتهامات لها بأنها مدعومة من قبل أميركا.

ويشير أستاذ السياسة إلى أن الولايات المتحدة تراقب الموقف داخل إيران، وتريد البقاء بعيدا عن الاضطرابات، ومن المتوقع أن تقوم طهران باتخاذ إجراءات صارمة ضد المعارضين على خلفية اتهامهم بتلقي دعم من الولايات المتحدة الأميركية التي تهدد بشن حرب على إيران مع حليفتها إسرائيل.

وينصح المحلل السياسي وأستاذ السياسة بجامعة جورج ميسون الولايات المتحدة بأن تفكر بعناية في سياساتها؛ لأن أي هجوم إسرائيلي على إيران لمنعها من امتلاك أسلحة نووية يمكن أن يؤدي إلى ردود فعل قومية وزيادة الدعم الشعبي للقيادة الإيرانية.

في غضون ذلك ورغم أن المرشد الأعلى لإيران السيد علي خامنئي رفض في وقت سابق تحويل النظام الجمهوري في إيران إلى نظام برلماني، بحجة استناد النظام الحالي إلى الدستور، فإن رجل دين إيرانيا بارزا دعا أمس إلى ضرورة انتخاب الرئيس في إيران عن طريق البرلمان وليس عبر التصويت المباشر، معتبرا أن ذلك «سيجنب الأمة الإيرانية الشقاق والخلاف وإهدار الطاقات»، داعيا رجال السياسة لدراسة المقترح، معتبرا أنه ليس من الضروري أن يطبق ذلك في الانتخابات المقبلة، سبق أن ارتفعت أصوات كثيرة للمطالبة بهذا التغيير الذي يفتح الباب أمام البرلمان لإقالة رئيس الدولة ووزرائه بطريقة هادئة وطبيعية، إذا ما انتهكوا السياسات الأساسية بعيدا عن التوترات والأزمات السياسية والاجتماعية.

ودعا المرجع الديني جعفر سبحاني إلى انتخاب الرئيس الإيراني القادم عبر البرلمان وليس عبر التصويت المباشر للشعب. وقال إن ذلك «سيجنب البلد قضية الاتهامات بين السياسيين المرشحين، التي تلقي بظلالها على الوحدة الوطنية، كما يجنب البلد الخسائر المادية للدعاية الانتخابية»، على حد وصفه.

ويعتبر السبحاني من رجال الدين المشهورين في إيران، فبالإضافة إلى مهمات التدريس والتأليف، له مشاركات في مؤتمرات التقريب بين المذاهب المنعقدة في مكة المكرمة، وهو يدير مؤسسة الإمام الصادق، وهي مؤسسة ثقافية إسلامية يتركز نشاطها في مجالات التأليف والتحقيق.

واقترح رجل الدين الشهير آية الله جعفر سبحاني، أن ينتخب الرئيس من خلال نظام برلماني بدلا من النظام الحالي الذي ينتخب الرئيس فيه عبر تصويت الشعب مباشرة، طالبا من السياسيين والبرلمانيين دراسة هذا الاقتراح وبحثه، مضيفا أن الاقتراح الذي تقدم به «لا يعني أنه يجب أن يطبق قبل الانتخابات الرئاسية المقررة بعد ستة أشهر، وإنما قد يكون مناسبا للانتخابات الرئاسية التي تليها».

إلى ذلك حدد سبحاني جوانب تفصيلية للمقترح الذي طرحه تتمثل في ضرورة وحدة الإيرانيين ووقوفهم صفا واحدا لبناء النظام السياسي، معتبرا أن «وحدة الإيرانيين (نعمة إلهية)، وأن النظام الانتخابي الحالي في إيران يتماشى مع الدستور الإيراني، وهو الدستور الذي صدر من قبل جمعية الخبراء، ومع ذلك أصبحت الانتخابات مصدرا للعداء، وليس التنافس، بين الناس، وهذا العداء يمكن أن يقوض وحدتنا الوطنية»، مشددا على اقتراحه بأن يتم اختيار رؤساء إيران من خلال البرلمان، وهو ما يعرف بمجلس الشورى، ويتم انتخاب أعضاء البرلمان من خلال تصويت الشعب المباشر ليكون «رأيهم بذلك هو رأي الشعب في البرلمان»، معتبرا أن الخلافات الناجمة عن الانتخاب المباشر للرئيس «ليست في صالح أمتنا، فإذا تم تحديد الرئيس من خلال نظام برلماني، سيتم حل مثل هذه المشكلات».

وفي ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي أعلن رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، أن المرشد علي خامنئي يرفض تحويل النظام الجمهوري في إيران إلى نظام برلماني، مشيرا إلى أن النظام السياسي يستند إلى الدستور، وأن إجراء عمليات الإصلاحات يتطلب وجود نخب استراتيجية واعية إزاء الدستور الذي يمتلك هوامش واسعة في إجراء التغييرات، مؤكدا أن خامنئي أبلغه بأن «القضية لا تتطلب إيجاد التغيير، بل وجود الإدارة الصحيحة التي تستند في تحركاتها إلى الدستور، وأننا لسنا بصدد تغيير النظام».

ويؤكد مؤيدو الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أنه لا يهدف من وراء انتقاد البرلمان إلى تخريب تلك المؤسسات، بل طرح الملاحظات البناءة، وأن مشاركته في جلسات المجمع تأتي لمناقشة اقتراحه القاضي بتجميع النشاطات الاقتصادية في إيران بمركز واحد يكون مرجعا لكافة الأنشطة الاقتصادية.

وبعد 22 عاما على إلغاء منصب رئيس الوزراء من هيكلية نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هناك همسات في البرلمان الإيراني الذي يسم «مجلس الشورى الإسلامي» تدل عل إحياء هذا المنصب وإعادته؛ فالخلافات الحادة التي نشبت بين رئيس الجمهورية آنذاك آية الله السيد علي خامنئي، ورئيس الوزراء مير حسين موسوي، على أسلوب إدارة الحكومة، ومن ثم الصراع بين الحكومة والبرلمان، أدا إل إعادة النظر في الدستور في 1989، وألغي منصب رئاسة الوزراء من الإدارة الإيرانية، وفوضت وظائفه إل رئيس الجمهورية، ويرى مراقبون أن هذا التغيير جر النظام الإيراني من نظام برلماني نحو نظام رئاسي.

وبحسب الكاتب الإيراني محمد مظهري فإن خطاب أحمدي نجاد، في حوار تلفزيوني، كان نقطة الانطلاق للنقاشات الراهنة بشأن النظام البرلماني والرئاسي في إيران؛ إذ طرح فيه قضية أثارت جدلا واسعا بين الكتل السياسية، وهي أن البرلمان، أو كما يسمونه «المجلس»، لم يعد يعتبر صاحب القرار الأول في كل الأمور، مشيرا إل كلام الإمام الخميني: «المجلس هو صاحب القرار الأول في کل الأمور»، موضحا أن «المجلس المقصود في کلام الإمام الخميني هو المجلس في النظام البرلماني، ونحن نظامنا بعد إصلاح الدستور حاليا نظام رئاسي، والشعب يختار رئيس الجمهورية مباشرة عبر الاقتراع، إذن السلطة التنفيذية هي صاحبة القرار الأول».