القادري.. عالم دين يتطلع لدور سياسي في باكستان

دعم الجنرال مشرف ثم تخلى عنه.. واشتهر في الغرب بفتواه المناهضة للانتحاريين

القادري
TT

برز عالم الدين المسلم والسياسي، محمد طاهر القادري إلى السطح مجددا، بتنظيمه الاحتجاجات الشعبية الحالية الداعية لإقالة الحكومة الحالية في باكستان. وكان القادري قد انضم سياسيا إلى معسكر الرئيس السابق برويز مشرف، فور تدبير هذا الأخير انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 1999، ودافع عن حكمه وفاز بمعقد في البرلمان، لكنه بعد نحو ست سنوات على ذلك، حول مساره السياسي وسعى لإبعاد نفسه عن الجنرال الرئيس.

يعد القادري المولود في عام 1951، بالأساس، عالم دين أسس «مؤسسة منهاج القرآن الدولية»، وهي منظمة عالمية هدفها إرساء مبدأ التفاهم والوحدة والحوار بين الشعوب وتعليم الشباب مبادئ علوم الإسلام التي تروج للسلام. كما أنه مؤسس منظمة توفر الرعاية للمحتاجين، وكذلك جامعة المنهاج الدولية في لاهور. وسياسيا، يعد الرئيس المؤسس لحزب الحركة الشعبية في باكستان.

اعتبر القادري من أكثر العلماء المسلمين صراحة في فتوى صدرت له من ستمائة صفحة بشأن الإرهاب في لندن في 2 مارس (آذار) 2009، حيث وصف القادري الذين يقومون بأعمال تفجيرات انتحارية بأنهم «غير مسلمين» و«زنادقة». وقال في وصفه للانتحاريين في لقاء مع «الشرق الأوسط» قبل ثلاثة أعوام: «لا يمكنهم الادعاء بأن انتحارهم عمل من أعمال الشهادة ليصبحوا من أبطال الأمة، فلن يشموا ريح الجنة، لأنهم سيصبحون من أبطال النار في الجحيم»، مضيفا: «إن الإسلام يعتبرهم كفارا»، واصفا تنظيم القاعدة بأنه «شر قديم باسم جديد».

ووصفه الرئيس الباكستاني السابق الجنرال برويز مشرف بـ«الشخص المفرط في الطموح»، وذلك اعتمادا على تجربة مشرف الشخصية مع هذا العالم الديني الباكستاني «الذي لا يكل ولا يمل». وكان الدكتور القادري قد انضم إلى الحاشية المحيطة بمشرف، كرئيس لحزبه السياسي المنشأ حديثا (حزب عوامي تحريك باكستان)، فور انقلاب أكتوبر 1999. وبدأ القادري في تأييد الحكم العسكري في مختلف القضايا التي تنوعت بين ضرورة الإبقاء على رئيسي وزراء سابقين، بي نظير بوتو ونواز شريف، خارج الحياة السياسية والبلاد بأكملها. في تلك الفترة، كان الجنرال مشرف يعمد لاختيار الأصوات البارزة من المجتمع لضمها إلى حكومته بهدف التصدي للتهديد الناشئ عن خصومه السياسيين، ومنهم نواز شريف وبي نظير بوتو. وسعيا لإثبات جدارته بتولي منصب قيادي في حكومة مشرف، خاض الدكتور القادري الانتخابات البرلمانية، حيث نجح في الفوز بمقعد عن لاهور، وأبدى خلال العام ذاته تأييده الكامل لسعي مشرف للحصول على فترة رئاسية لمدة خمس سنوات من خلال تعديل الدستور، الأمر الذي قوبل باعتراض قوي من جانب الأحزاب التي تشكل التيار السياسي الرئيسي في البلاد، بينها حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية - نواز شريف. واعتبر القادري في تصريح له في عام 2002، تعديل الدستور لتمديد فترة رئاسة مشرف بأنها «ضمان لاستمرار وتعزيز الديمقراطية الحقيقية في البلاد». وفي خضم التصريحات ذاتها، انتقد القادري دور كل من نواز شريف وبي نظير بوتو اللذين تلاعبا، على مدار الـ13 عاما الماضية بمصير الأمة بأكملها، حسبما قال، لكن دعم القادري لمشرف لم يدم طويلا، حيث سارع لإبعاد نفسه عن نظام الأخير عام 2005، بعدما أعلن أن الحكومة العسكرية تبدي اهتماما أكبر بالظهور بمظهر «ليبرالي أمام الغرب»، وبالتالي «ليس بها مكان لعالم دين في صفوفها الأولى». وحينها، حول القادري مساره تماما، وبدأ في توجيه انتقادات قاسية إلى حكومة مشرف. واستقال من البرلمان، وأصدر بيانا من 59 صفحة، أدان فيه نظام مشرف بشأن القضايا كافة، من السياسات الموالية للولايات المتحدة وصولا إلى التعديلات غير الديمقراطية التي أدخلها على الدستور. ومنذ ذلك الحين، امتنع الدكتور القادري تقريبا عن الحديث بشأن السياسة، وكرس جهوده للدعوة الدينية والوعظ. وظهر بانتظام كل مساء على إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة (قناة «قرآن») حيث يلقي محاضرة على مدار ساعة حول قضايا دينية وشرعية مختلفة تتعلق بالمجتمعات المسلمة في العصر الحديث. يمثل القادري حالة فريدة من علماء الدين التقليديين في المجتمع الباكستاني، وهو ما يتضح عبر النظر إلى سيرته الأكاديمية. فهو لم يلتحق القادري بنظام المدارس الدينية التقليدية، وإنما درس العلوم الإسلامية في جامعة البنجاب بلاهور، وحصل منها على درجتي الليسانس ثم الماجستير في مطلع السبعينات من القرن الماضي، إضافة إلى تعلمه العلوم الإسلامية من والده وشيوخ آخرين في عصره.