عبد العزيز بلخادم: التدخل الفرنسي في مالي ينبغي أن يحسب لتداعياته ألف حساب

أمين عام «جبهة التحرير الجزائرية» في حوار مع «الشرق الأوسط»: حزبنا لم يتقهقر.. ولست منزعجا من المطالبة برحيلي عن قيادته

TT

قال عبد العزيز بلخادم، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية (غالبية حكومية) ورئيس الحكومة الجزائرية الأسبق، إن حزبه لم يتقهقر إطلاقا بل كسب مواقع جديدة، مشيرا إلى أنه حصل عام 2007 على 136 نائبا، وفي 2012 حصل على 221 نائبا.

واعتبر بلخادم المطالبة بالرحيل شيئا عاديا، لأنها لا تقتصر على جبهة التحرير الوطني. وقال في حوار مع «الشرق الأوسط» إنه ينظر إلى المطالبة برحيله كممارسة ديمقراطية. وزاد قائلا «الأمر أصبح وكأنه عدوى طالت أكثر من حزب، لذلك أنا لست منزعجا من هذا الأمر، لأن الذي نحتكم إليه هو الهيئة التي تعطي الثقة وتسحبها، أي اللجنة المركزية، وبالتالي أنا قلت لهم لنذهب إلى الهيئة التي انتخبتني ونطرح قضية الثقة أو عدمها للتصويت. فاللجنة المركزية سيدة. فهي إما تجدد الثقة في أو تسحبها، وأنا لا أخشى نتائج التصويت».

إلى ذلك، قال بلخادم إن رقعة المعارضين له لم تتوسع، مشيرا إلى أن ثمانية من وزراء الجبهة أحدثوا ضجة إعلامية بعد صدور بيانهم، لكن الحقيقة، حسب قول بلخادم، هي «أنني أتعامل مع هؤلاء الوزراء كمناضلين وليس كوزراء، لأن من له سلطة على الحكومة هو رئيس الجمهورية، ومن يراقبهم هو الوزير الأول والبرلمان. وبالنسبة لي لا فرق بين وزير وحاجب، وبين مدير وسفير وعاطل عن العمل، فالمقياس الوحيد يبقى هو النضال».

وكشف بلخادم أنه ليس في نيته على الإطلاق إحالة هؤلاء الوزراء إلى لجنة الانضباط، وقال «أنا لم أقل ذلك، ولن أفعل ذلك. لأن حرية الرأي موجودة داخل الجبهة». لكنه أشار إلى أن عتبه «على إخواني المناضلين أعضاء الحكومة، هو أنهم كونوا كتلة وتحدثوا باسم كتلة لا وجود لها في أدبيات الحزب، لأن الحزب يتحدث عن هيئات يحق لكل مناضل عبرها أن يعبر عن وجهة نظره وأن يطرح أفكاره، وأن يقنع الناس بصواب أفكاره، أو يقتنع بصواب أفكار غيره، فخارج هذا الإطار لا ينبغي أن تطرح مثل هذه القضايا».

وتحدث بلخادم عن قضايا الساعة في الجزائر والعالم العربي بما فيها الوضع في مالي.. وفي ما يلي نص الحوار..

* رغم الانتصارات التي حققها حزبكم في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، فإن رقعة المطالبين برحيلكم عن الأمانة العامة للحزب اتسعت بعد التحاق ثمانية وزراء بما يسمى «الحركة التصحيحية»، كما وجهت لكم اتهامات تتعلق في مجملها بسلوكيات تسببت في عزلة الحزب واستعداء المحيط الإداري والسياسي، وهو ما يهدد، حسب هؤلاء، مستقبل ريادة الحزب.. فهل تراجع حزبكم في انتخابات مجلس الأمة الأخيرة يصب في ذلك؟

- لا علاقة لنتائج انتخابات مجلس الأمة بمكانة الحزب وتجذره، لأن الكل يعرف أن انتخاب مجلس الأمة غير مباشر. وفي الانتخاب غير المباشر عندما تكون الهيئة الناخبة معروفة ومحدودة العدد، تستعمل وسائل أخرى غير الانتماء الحزبي، وغير القناعات السياسية من أجل الحصول على المقعد. فهناك أمور تتجاوز الانتماء الحزبي إلى أشياء قبلية أو جهوية، واستعمال المال أيضا. إن حزبنا لم يتقهقر إطلاقا بل كسب مواقع جديدة. ففي 2007 كانت حصيلتنا 136 نائبا، وفي 2012 أصبحنا 221 نائبا، وبعد قرار المجلس الدستوري صرنا 209 نواب. وإذا قارنا الأرقام نجد أنه من حيث عدد الأصوات انتقلنا من مليون وثلاثمائة ألف صوت إلى مليونين وثمانمائة ألف صوت، وبشأن عدد المقاعد المحصل عليها انتقلنا من نحو 5 آلاف مقعد بين بلديات وولايات (محافظات) إلى 8 آلاف مقعد. فبكل المقاييس تقدمنا ولم نتأخر.

أما المطالبة بالرحيل فهي شيء عادي، إذ لا تقتصر على جبهة التحرير الوطني، وننظر إليه كممارسة ديمقراطية. فالأمر أصبح وكأنه عدوى طالت أكثر من حزب، لذلك أنا لست منزعجا من هذا الأمر، لأن الذي نحتكم إليه هو الهيئة التي تعطي الثقة وتسحبها، أي اللجنة المركزية، وبالتالي أنا قلت لهم لنذهب إلى الهيئة التي انتخبتني ونطرح قضية الثقة أو عدمها للتصويت. فاللجنة المركزية سيدة. فهي إما تجدد الثقة في أو تسحبها، وأنا لا أخشى نتائج التصويت.

أنتم تقولون إن رقعة المعارضين وجبهتهم توسعت، وأنا أقول إنها لم تتوسع، صحيح أن ثمانية وزراء أحدثوا ضجة إعلامية بعد صدور بيانهم، لكن الحقيقة أنني أتعامل مع هؤلاء الوزراء كمناضلين وليس كوزراء، لأن من له سلطة على الحكومة هو رئيس الجمهورية، ومن يراقبهم هو الوزير الأول والبرلمان. وبالنسبة لي لا فرق بين وزير وحاجب، وبين مدير وسفير وعاطل عن العمل، فالمقياس الوحيد يبقى هو النضال.

وبشأن تخوفهم من أن يُعزل الحزب أقول إن عزلة الحزب أو عدمها أمر ليس مرتبطا بالقرب أو البعد عن هذه الدائرة في الحكومة أو تلك. فالقناعات التي يمكن أن ينقلها المناضلون للمواطنين والمواطنات، ومدى تجاوب هؤلاء معها، هما ما يسهم في انتشار الحزب أو عزلته، والشعب الجزائري في الذكرى الخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية أعطى لجبهة التحرير الوطني ما يفوق 45 في المائة من المقاعد في البرلمان، ومنحنا الصدارة في الانتخابات المحلية والولائية (المحافظات). الصدارة في 1031 بلدية من مجموع 1541، والصدارة في 43 مجلسا ولائيا من مجموع 48 مجلسا.

وبخصوص قضية التحالف وتأويل فقرة من فقرات المادة 80 التي جاءت في تعليمة وزارة الداخلية، نحن كنا ضد هذا التأويل، لأنه خاطئ من وجهة نظرنا، وذلك لأنه تدخل للسلطة التنفيذية في السلطة التشريعية وفي السلطة القضائية، والدستور يفصل بين هذه السلطات. وإذا كان هذا هو السبب الذي يجعل زملائي المناضلين الموجودين في الحكومة يقولون إنني أستعدي المحيط الإداري، أقول لهم إننا صغنا مع بعضنا البعض الرسالة التي بعثنا بها إلى الوزير الأول وإلى وزير الداخلية، فهم شركاء في ذلك، وبالتالي كيف يتنصلون الآن من قرار أو سلوك كانوا شركاء في اتخاذه. أما بالنسبة لقولهم باستعداء المحيط السياسي، فأنا لا أفهم ماذا يقصدون بذلك. نحن في تعددية، والتعددية تقتضي المنافسة في الانتخابات، وهذا معناه أنني أدافع عن حزبي مثلما يدافع الآخرون عن أحزابهم، فمن أين جاء الاستعداء السياسي؟.. لأننا حينما نتحدث عن الاستعداء السياسي نتحدث عن الأحزاب السياسية، ونحن نريد أن تكون المنافسة معهم شفافة، وعملنا على ذلك، وجرت الانتخابات بمراقبة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية وغيرها من المنظمات الدولية، والكل شهد بأنها كانت عادية ونزيهة، وبالتالي أنا لا أفهم هذا الأمر.

* هناك أنباء تفيد بإحالة الوزراء الثمانية إلى لجنة التأديب والانضباط داخل الحزب بهدف فصلهم وتجريدهم من عضوية المكتب السياسي له في حال امتنعوا عن حضور اللجنة.. هل هذا صحيح؟

- أنا لم أقل ذلك ولن أفعل ذلك. لماذا؟.. لأن حرية الرأي موجودة داخل جبهة التحرير الوطني، لكن عتبي على إخواني المناضلين أعضاء الحكومة هو أنهم كونوا كتلة وتحدثوا باسم كتلة لا وجود لها في أدبيات الحزب، لأن الحزب يتحدث عن هيئات يحق لكل مناضل عبرها أن يعبر عن وجهة نظره وأن يطرح أفكاره، وأن يقنع الناس بصواب أفكاره، أو يقتنع بصواب أفكار غيره، فخارج هذا الإطار لا ينبغي أن تطرح مثل هذه القضايا. هؤلاء وزراء عينهم رئيس الجمهورية لانتمائهم لحزب جبهة التحرير الوطني، فهم في الحكومة يعملون في إطار وحدة متضامنة متماسكة مع بقية الوزراء من الأحزاب الأخرى، وكل ما يتعلق بتنفيذ برنامج الرئيس نحن ندعمه، ونعمل من أجل إنجاحه، أما أن تكون لهم مواقف في حزبهم فهذا ينبغي أن يعود إلى الهياكل والكوادر الحزبية وليس إلى الكوادر الحكومية، ومع ذلك أنا أقول إننا نحتكم إلى الهيئة الناخبة عن طريق الصندوق الشفاف بسرية تامة، التي تضمن حرية الرأي وحرية القرار لكل عضو من أعضاء اللجنة المركزية، وليس في نيتي على الإطلاق إحالة أي أحد إلى لجنة الانضباط.

* البعض يرى أن الحراك السياسي الذي يعيشه حزب جبهة التحرير الوطني، وغيره من الأحزاب الجزائرية، يأتي في سياق التحضير لخارطة سياسية جديدة في البلاد قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأنه سيتم إسقاط كل شخص يحاول منافسة الرئيس بوتفليقة على منصب الرئاسة.. هل هذا صحيح؟

- لا أعتقد ذلك على الأقل بالنسبة لحزبنا، نحن في راحة من أمرنا، لأن رئيس الجمهورية هو رئيس الحزب، وبالتالي إذا كان رئيس الجمهورية هو الذي يرغب في الترشح فنحن أول من يدعمه، هذه طبيعة الأمور. أنا لم أر حزبا في دولة من الدول يترك رئيسه ويرشح آخر، وبالتالي فالأمر طبيعي جدا بالنسبة لحزب جبهة التحرير الوطني في ما يخص مساندة ودعم الرئيس بوتفليقة، إذا رغب في الترشح لولاية رابعة، طبعا مع العودة إلى اللجنة المركزية لأنها صاحبة القرار، ولأن هناك مادة في القانون الأساسي تقول إن مرشح الحزب للرئاسات تزكيه اللجنة المركزية، وبالتالي فنحن مرتاحون من هذا الجانب. أما على مستوى الأحزاب الأخرى فكل حزب له هيئاته وقراراته، وإذا ساندوا الرئيس نحن أول من يسعد بذلك، وان أرادوا تقديم من ينافس الرئيس فنحن أمام انتخابات تعددية.

* أعلنتم في عدة مناسبات أنكم لا تخططون للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وتزكون الرئيس بوتفليقة - الرئيس الشرفي للحزب - لولاية رابعة، لكن هناك أحزابا طالبت الرئيس بعدم الترشح، لأن وضعه الصحي قد لا يساعده على ممارسه مهامه بشكل كامل.. ما موقفكم من هذه المطالب؟

- الصحة كالإيمان تزيد وتنقص، ولا احد يدري هل نحن الأصحاء أم المرضى.. هم الذين يطول عمرهم أم نحن.. وبالتالي هذا قضاء الله وقدره، ولكل أجل كتاب، لكن ما دامت الأمور كما نعلم ونرى فإن الرئيس بخير ويقوم بنشاطاته بطريقة عادية جدا، ويستقبل الوفود ويرأس المجالس الوزارية، يوجه ويخطط، وبالتالي لا نرى داعيا للتخوف من ذلك. كما أنني أتساءل: هل من سيكون بديلا له ضامن للخلود؟ لذا لا أحد يستطيع أن يتحدث عن هذا الموضوع باليقين، نحن نقول «ما دام الرئيس قادرا على العطاء، وإذا كان راغبا في الاستمرار فنحن نؤيده». إن الآخرين لهم آراؤهم، ونحن لا نعلق على آراء الآخرين.

* هل هناك فعلا توجه نحو تمديد فترة الولاية الرئاسية إلى سبع سنوات في التعديل الدستوري المرتقب، وبالتالي استمرار الرئيس بوتفليقة في منصبه إلى غاية 2016؟

- سمعنا هذا الحديث، ونحن الآن بصدد انتظار إعلان الرئيس عن تعديل الدستور، وعن مضمونه. وعندما نطلع على ذلك سندلي بموقفنا.

* هل لديكم على مستوى الحزب مقترحات بشأن التعديل الدستوري المرتقب؟

- نحن في جبهة التحرير الوطني لدينا بعض الاقتراحات سأعرضها خلال الدورة القادمة للجنة المركزية التي ستلتئم نهاية الشهر الحالي، وأتمنى أن تكون هادئة ودسمة تتخذ فيها القرارات، سواء بتجديد الثقة في شخصي أو سحبها. سنتحدث في مقترحاتنا عن التجوال السياسي، وعن الولاية الرئاسية، وعن منظومة الحكم التي نريدها أن تكون منظومة رئاسية برأس واحد هو رئيس الجمهورية، مع توزيع الصلاحيات بين رئيس الجمهورية والوزير الأول أو رئيس الحكومة، حسب المصطلح الذي سيعتمده الدستور لاحقا. كما سنتحدث عن توزيع المهام في التنفيذ، والتوازن في الصلاحيات بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في ظل استقلالية السلطة القضائية. سنتحدث أيضا عن التعمق في الحريات الفردية والجماعية وضمانها لتكريس الديمقراطية، وإعطاء حيز أوسع لمهمة الرقابة بكل أنواعها من أجل محاربة الفساد، ومن أجل توسيع دائرة المشاركة السياسية، وضمان حقوق الأفراد والجماعات. كل هذا موجود في اقتراحاتنا.

* وماذا بشأن تحديد مدة الولاية الرئاسية وعددها؟

- هناك أكثر من موقف داخل الحزب، هناك من يرى أن من الديمقراطية السماح بالترشح لكل من يرغب في ذلك، على أن تتوافر فيه شروط الترشح، ويبقى الشعب هو السيد، سواء كان المرشح رئيسا أو لم يكن رئيسا. فإذا كان رئيسا يجدد له أو لا يجدد له، وإذا لم يكن رئيسا تعطى له الثقة أو لا تعطى له.. هذا طرح.. وهناك طرح آخر يقول إنه لا بد أن نحدد مهمة الرئيس في ولايتين سواء كانت الولاية مدتها خمس سنوات أو أكثر. فهناك أكثر من طرح، وهذا موضوع نقاش.

* ملف الاعتذار عن جرائم فرنسا في الجزائر خلال الفترة الاستعمارية أصبح، حسب البعض، ملفا موجها للاستهلاك الإعلامي فقط، لأن الحكومة الجزائرية لم تقدم أصلا طلبا بهذا الشأن للطرف الفرنسي، وحسب وزير الخارجية مراد مدلسي فإن هذا الملف غير مطروح أصلا بالنسبة للطرف الجزائري، وهو ما اتضح خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي للجزائر الذي استقبل استقبالا شعبيا ورسميا حافلا..

- هذا موقف الحكومة الجزائرية، لكن الأحزاب السياسية لديها مواقف أخرى. نحن لسنا مقولبين في موقف واحد خاصة في هذا الأمر تحديدا، لا سيما أن جبهة التحرير الوطني ورثت عن الجبهة التاريخية هذا الرصيد الذي نفتخر به، لأن جبهة التحرير الوطني هي التي قادت ثورة التحرير، وبالتالي لا يمكننا على الإطلاق أن نحيد عن مبدئنا الثابت في كون الاستعمار جريمة في حد ذاته، وفي كون فرنسا الاستعمارية أصابت الجسم الجزائري بجروح لم تندمل بعد، سواء بالمجازر التي ارتكبتها، أو التعذيب والاغتصاب إلى جانب سلب الأراضي والخيرات، وغير ذلك من أشكال الاضطهاد. كل هذه الجرائم ينبغي أن تعترف بها فرنسا الرسمية، هذا موقفنا في جبهة التحرير الوطني ولن نحيد أبدا عنه.

* هل توافق الرأي القائل إن هولاند لم يأت إلى الجزائر حبا في عيون الجزائريين وإنما جاء فقط من أجل إنقاذ بلاده من أزمة اقتصادية خانقة.. ومصنع السيارات «رونو»، حسب خبراء الاقتصاد الجزائريين، لا يحقق للجزائريين المردودية التجارية إلا بعد ثلاث سنوات، على عكس المشروع المماثل في المغرب. ما تعليقكم على ذلك؟

- القضية ليست بين «رونو المغرب» و«رونو الجزائر»، في كل الأحوال المستفيد شركة «رونو»، ثم نحن نبارك لإخواننا في المغرب إذا كان هناك شيء ما يعود عليهم بالفائدة، لأنهم أشقاء وإخوان وجيران، ونريد لهم كل الخير، كما نريد كل الخير لجيراننا سواء في تونس أو ليبيا أو موريتانيا أو الصحراويين، وحتى مالي والنيجر.

أما أن الرئيس الفرنسي لم يأت حبا في عيون الجزائريين، أكيد أنه لم يأت حبا فيهم، فهو رئيس الجمهورية الفرنسية، وهدفه تحقيق مصالح الجمهورية الفرنسية، وما نريده نحن كجزائريين هو أن تكون الأرباح والمنافع متقاسمة، تستفيد منها الجزائر كما فرنسا، وهذا المشروع سيمكن على المدى المتوسط أو البعيد من نقل التكنولوجيا وإنشاء وحدات تساعد على إنتاج السيارات بالجزائر، لذا نحن نرحب به.

* هل تعتقد أن التدخل الفرنسي في مالي تم الاتفاق بشأنه خلال زيارة هولاند إلى الجزائر؟

- أنا لم أحضر هذه اللقاءات، وبالتالي لا يمكن أن أجزم بشيء تقرر بين الرئيسين، وبين السلطتين، لكن أعطيكم وجهة نظري بخصوص التدخل العسكري الفرنسي.. هو مثله مثل كل تدخل أجنبي في شؤون بلد سيد، يجر إلى عواقب وخيمة، سواء تعلق الأمر بالعراق أو أفغانستان أو الصومال أو السودان أو ليبيا أو مالي أو أي بلد آخر. لا ينبغي للآخر أن يتدخل في شؤون بلد سيد، وهذا التدخل العسكري حتى لو كان بطلب من السلطات المالية فإنه ينبغي أن يحسب له ألف حساب بشأن ما سيترتب عنه من تداعيات، لأن مالي بلد جار وبيننا وبينه 1400 كم من الحدود، التي تعرف مناخا صعبا، وظروفا صعبة. نحن نخشى من انتشار السلاح، وفلول اللاجئين، ونخشى أيضا من انتقال العدوى، والتضامن القبلي. هناك أشياء كثيرة تخيفنا، لكننا في الوقت نفسه نقول إنه لا بد من الحفاظ على وحدة مالي ترابا وشعبا.. لا بد من إعطاء الناس حقوقهم في الشمال والجنوب، ولا بد من العمل على تقليل مساحة النزاعات المسلحة بالبحث عن حل سياسي عن طريق الحوار بين كل مكونات الشعب المالي.

* خلال الفترة الأخيرة تغنت الدبلوماسية الجزائرية بأنها حققت انتصارا من خلال منع حدوث تدخل عسكري شمال مالي، إلا أن الذي حدث كان عكس ذلك. ففرنسا تدخلت، وأكثر من ذلك رخصت الجزائر للطائرات الفرنسية بعبور مجالها الجوي من دون شروط، وهو ما أعلن عنه وزير خارجية فرنسا وليس الوزير الجزائري، واعتبره البعض انتكاسة للدبلوماسية الجزائرية. ماذا تقول بشأن ذلك؟

- طبعا كمواطن جزائري أنا أستاء من هذا الأمر، لأنه حتى إذا كان القرار سيدا كان من المفروض أن تعلن عنه جهة جزائرية، وليس وزير خارجية فرنسا من باريس، لكن الأكيد أن السلطات الجزائرية لديها ما يبرر هذا القرار، لكن ينبغي تقديم المعلومة إلى شعبنا من لدن مسؤولينا، وعبر وسائلنا قبل أن نسمعها من مسؤولين أجانب وعبر وسائل إعلام خارجية.

* في نظرك، هل سيحد التدخل العسكري من انتشار الحركات الإسلامية المتطرفة في منطقة الساحل؟

- استعمال السلاح والاعتماد فقط على الحل الأمني لا يحقق الأهداف السياسية، لأن ما يتركه من أموات وضحايا وجرحى ودمار للبنية التحتية تكون له آثار في ما بعد وقف إطلاق النار، وبالتالي كل الحروب انتهت باتفاقات سياسية، لماذا نذهب إلى الحروب، ولا نذهب مباشرة إلى الاتفاقات السياسية؟ هذا موقفنا، ولا أعتقد أن هذا الموقف مرتبط بهذا اللون السياسي أو ذاك، لأن الشعب سيد، وهو الذي يختار من خلال ما يعرض عليه من خيارات بين اللائكيين والإسلاميين والاشتراكيين أو الليبراليين، ولا بد أن تُترك الحرية لأصحاب الشأن لاختيار مسؤوليهم وتوجهاتهم السياسية.

* ألا تعتقد أن التدخل العسكري الفرنسي في مالي، وترخيص الجزائر للطائرات الفرنسية بعبور أجوائها، يعرض حياة الدبلوماسيين الجزائريين المحتجزين في مالي منذ أشهر للخطر؟

- الخطأ كان في اختطاف الدبلوماسيين وليس في الموقف السياسي، لأن الدبلوماسي ضيف ومحصن بالقوانين الدولية، ولا ينبغي أن يساء إليه بمنطق الضيافة ومنطق القانون الدولي، لهذا نتمنى أن يطلق سراح الدبلوماسيين في كل دول العالم بما في ذلك دبلوماسيونا، لأنهم يقومون بعملهم في إطار شرعي وقانوني تسمح به القوانين الدولية. ونتمنى أن يعودوا إلى بلدهم وذويهم سالمين آمنين، كما نتمنى ألا تستعمل الخلافات السياسية في تصفياتهم سواء تعلق الأمر بهؤلاء الرهائن أو بباقي الرهائن في كل دول العالم.

* رسمت الجزائر منذ مدة قصيرة حدودها البحرية مع تونس، وأشارت إلى أنها ستقوم بعمل مماثل مع المغرب.. كيف تقيمون هذه الخطوة، وأثر ذلك على التقارب المغاربي؟

- هذا شيء جيد، والاتفاقات حاصلة منذ زمان بيننا وبين تونس، وبيننا وبين المغرب، وحتى بيننا وبين ليبيا، وبالتالي الآن ننتقل من مرحلة إلى مرحلة، أي من مرحلة الاتفاق إلى مرحلة ترسيم معالم الحدود.. بدأنا مع تونس وهذا شيء جيد جدا، ونتمنى أن يتواصل العمل مع بقية الدول الأخرى إن شاء الله.

* احتفلت تونس مؤخرا بمرور سنتين على انطلاق ثورة الياسمين، وهي الثورة التي أعلنت ميلاد الربيع العربي.. كيف تقيم تجربة هذا الحراك السياسي في العالم العربي؟

- مثلما قلت سابقا أنا لا أتدخل في شؤون الآخرين.. كل شعب سيد في ما يقوم به من حراك ومن تغيير، الشيء الوحيد الذي أقوله كمنتمٍ للأمة العربية هو أن هذه البلدان التي عرفت حراكا أو كما تسمونه «ربيعا عربيا»، ما زالت لم تستقر، ومؤشرات الاقتصاد في هذه البلدان كلها تتجه نحو الهبوط وليس نحو الارتفاع، ومعنى ذلك أننا ينبغي أن ندرك أن الشعوب سيدة في اختيار توجهها المتعلق بمنظومة الحكم وطبيعة الدستور واختيار من يمثلها في المؤسسات المنتخبة، لكن ينبغي أن يستتب الأمن والاستقرار من أجل دفع عجلة التنمية فيها. لكننا للأسف لا نشاهد ذلك في هذه الدول التي عرفت هذا الحراك.

* الربيع العربي أوصل جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة.. فكيف تقيم تجربة حكم «الإخوان»؟

- مثلما قلت سابقا الشعب سيد نفسه، لديه مجموعة من الأحزاب تقدم مرشحين في كل المجالس، بما في ذلك الرئاسة. والشعب هو الذي يختار من يريد، ولا ينبغي أن يكون هناك وصي عليه. الشعب اختار «الإخوان المسلمين» في مصر فليكن ذلك، مثلما اختار حركة النهضة في تونس، لكن في ليبيا الشعب اختار توجها آخر، وفي اليمن هناك اختيار آخر. والشيء الوحيد الذي ينبغي أن ينبذ هو استعمال العنف للوصول إلى الحكم.. هذا هو الذي ينبغي أن نقف في وجهه، أما الوصول إلى الحكم عن طريق الإرادة الشعبية فالشعب سيد.

* يبدو الوضع في سوريا كارثيا بكل المقاييس، ورغم مرور أكثر من سنة على بداية المطالبة برحيل بشار الأسد، فإنه لا الأسد رحل ولا العنف توقف، وكل يوم يسقط المزيد من الضحايا، ومئات آلاف السوريين لاجئون في المخيمات وسط ظروف إنسانية سيئة للغاية.. كيف تقرأ تعامل الدول العربية مع الوضع في سوريا؟

- نتحسر لما يجري لأشقائنا في سوريا، كما تحسرنا قبل ذلك لما جرى لأشقائنا في العراق وفي أماكن أخرى من عالمنا العربي. للأسف الشديد كل أماكن التوتر هي بلدان العالم العربي والإسلامي، من أفغانستان إلى باكستان مرورا بالصومال والسودان، ثم العراق وليبيا ومالي وسوريا.. هذا النزيف في جسم المسلمين وبخاصة في جسم العرب والذي يسمى «الربيع العربي» إذا كان المقصود به هو تجذير الممارسة الديمقراطية فإن ذلك ينبغي أن يتم بالطرق السلمية، من أجل تمكين المواطنين من التعبير عن رغبتهم ورأيهم، والوصول إلى تقوية المؤسسات التي تعبر حقا عن إرادة الشعب في تجذير الممارسة الديمقراطية.

ما يجري الآن في سوريا هو دمار بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان.. دمار لصورة سوريا، ودمار للشعب السوري ولمقوماته، وللبنية التحتية للبلاد، ولصورة الجيش السوري، ولصورة المعارضة السورية أيضا. هو دمار لكل شيء. إن ما نتمناه هو أن يلجأ الجميع إلى العقل، وأن يتم الحوار بين الأطراف من أجل تمكين الشعب السوري من اختيار مسؤوليه ومنظومة حكمه، وطبيعة دستوره، وإنهاء هذا النزيف لأنه لا يعقل على الإطلاق أن تتحول الأمور من مظاهرات سلمية إلى معارضة مسلحة.

* يرى بعض المراقبين أن هناك تقاربا خليجيا جزائريا من خلال زيارات قامت بها شخصيات سعودية وإماراتية، كانت آخرها زيارة أمير قطر وإبرام عدة اتفاقيات تعاون.. كيف تقيمون العلاقات الثنائية بين الجزائر ودول الخليج العربي؟

- علاقاتنا مع أشقائنا العرب هي علاقات تاريخية، وكدت أقول إنها علاقات عضوية، لأننا جزء من هذا الوطن العربي، وبالتالي ليس جديدا أن يكون هذا التفاعل بين الدول الخليجية أو بين دول عربية أخرى. ثم إن الجزائر بلد واعد اقتصاديا، فكثير من الدول ترغب في الاستثمار بها، لأنها تمتلك طاقة، وهي سوق في حد ذاتها، وموقعها الجيوستراتيجي يجعلها على بعد ساعة من إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، ومدخلا للمغرب العربي، ومدخلا لأفريقيا. وإلى جانب الموقع الجغرافي هناك الطاقات الكامنة في الجزائر من بترول وغاز وطاقة شمسية. كل ذلك يستقطب الاستثمارات سواء كانت خليجية أو أوروبية أو أميركية، ونحن نشجع ذلك.