الخلافات تسود لقاء وفد وكالة الطاقة الذرية مع المسؤولين الإيرانيين وينتهي من دون نتائج

مسؤول خليجي رفيع لـ «الشرق الأوسط» : المشكلة في تطبيق إيران للاتفاق مع الوكالة وليس القبول به

TT

انتهت الجولة الثامنة من المفاوضات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية دون إحراز تقدم يذكر في معالجة القضايا الأساسية التي طرحها خبراء الوكالة على طاولة المحادثات. ولم يخرج اللقاء بنتيجة حول سماح إيران لمفتشي الوكالة بتفقد موقع بارشين العسكري النووي.

وأشار دبلوماسيون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن المحادثات شهدت حالة من فقدان الثقة بين الجانبين بإصرار إيران على أن الوكالة تأخذ قضية تفتيش موقع بارشين كذريعة تتذرع بها. وأصر المسؤولون الإيرانيون أن موقع بارشين ليس به أي نشاط لتصنيع سلاح نووي. وأبدى المسؤولون الإيرانيون استعدادهم لتوضيح أي غموض حول البرنامج النووي الإيراني لكنهم ربطوا ذلك بشرط اعتراف الوكالة بحق الجمهورية الإسلامية في استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية - بما يعني إصرار الإيرانيين على الاستمرار في تخصيب اليورانيوم - إضافة إلى مطالبتهم برفع العقوبات المفروضة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ودار الخلاف - وفقا للمصادر الدبلوماسية - بسبب تشكيك إيران في التقارير الاستخباراتية التي تستند عليها وكالة الطاقة في اتهامها لإيران بالقيام بأنشطة نووية غير سلمية. وتتعلق التقارير بقيام إيران بإنشاء نموذج حاسوبي لإنتاج رؤؤس حربية نووية وقامت بتنفيذ الأعمال التحضيرية لاختبار الأسلحة النووية وتطوير صواريخ شهاب الإيرانية 3 متوسطة المدى وتطوريها لتستطيع حمل رؤوس نووية لمسافة طويلة.

وترد إيران بأن تلك التقارير الاستخباراتية مزورة وأنها تستند على معلومات غير صحيحة من وكالة الاستخبارات الأميركية والموساد الإسرائيلي والمخابرات البريطانية MI - 6.

ودفع المسؤولون الإيرانيون بفتوى الخوميني بحظر الأسلحة النووية باعتبارها وثيقة تكفي لإثبات أن إيران لا تسعى لتصنيع أسلحة نووية، فيما رفض مسؤولو وكالة الطاقة ذلك وقالوا: إن الفتوى لها أغراض دينية وليست بالضرورة ملزمة للحكومة الإيرانية.

كان وفد من ثمانية خبراء يرأسهم نائب مدير وكالة الطاقة الذرية هيرمان نيكرتيرس قد وصلوا طهران صباح أمس واستقبلهم مندوب إيران لدى الوكالة الدولية علي أصغر سلطانية. وبدأت المفاوضات بين وفد الوكالة والمسؤولين الإيرانيين برئاسة سعيد جليلي الذي يعد المسؤول الأول عن البرنامج النووي الإيراني.

وقبل بدء المحادثات أكدت عدة مصادر دبلوماسية أوروبية أنها لا تتوقع حدوث أي اختراق أو نتائج محددة خلال هذا اللقاء في ضوء تاريخ إيران الطويل من المماطلات. وكان رئيس وكالة الطاقة الذرية يوكيا أمانو قد عبر عن عدم تفاؤله بخروج المفاوضات عن نتائج.

وتستند وكالة الطاقة الذرية إلى تقارير استخباراتية تشير إلى نشاط في قاعدة بارشين جنوب طهران حيث تقوم إيران بتنفيذ تجارب بالمتفجرات ويشتبه أنها تجارب لتفجيرات نووية. وكانت آخر زيارة قام بها مفتشو الوكالة لموقع بارشين منذ سبع سنوات (في عام 2005). وتشير تقارير أخرى تستند على صور للأقمار الصناعية أن إيران قامت بعمليات كشط للأرض على مساحة 25 هكتارا وإزالة أي آثار للتفجيرات مما دفع الدول الغربية إلى اتهام إيران بتدمير الأدلة على أي عمليات تقوم بها في موقع بارشين.

ومن المتوقع أن تعقد جولة محادثات جديدة بين إيران ومجموعة دول الـ5+1 التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا، بعد أن توقفت منذ الاجتماع الأخير الذي عقد في يونيو (حزيران) 2012 ورفضت إيران طلب مجموعة الـ5+1 تقليص أنشطتها في تخصيب اليورانيوم.

وتنظر مجموعة الدول الـ5+1 إلى اجتماعات وكالة الطاقة الذرية مع المسؤولين الإيرانيين باعتبارها اختبارا لمدى استعداد إيران لتهدئة المخاوف الغربية قبل استئناف الحوار مع دول المجموعة في وقت لاحق نهاية الشهر الجاري.

وقالت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية أمس الأربعاء إن إيران والقوى العالمية ستجتمع يومي 28 و29 يناير (كانون الثاني) الجاري لإجراء مزيد من المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني المتنازع عليه.

وذكرت الوكالة أن مكان الاجتماع لم يتحدد بعد. ولم تكشف الوكالة عن مصدر تقريرها لكنها قالت: إن الموعد قد يتغير استنادا إلى المكان الذي سيعقد فيه الاجتماع. وتحدثت عن إسطنبول وجنيف، ومدن أخرى، كمكان للمحادثات.

وقال دبلوماسي في جنيف «هذا ما سمعناه أيضا. الجدول الزمني هو 28 - 29 يناير ما زلنا نعمل على تحديد المكان».

من جانب آخر، أكد سفير إيران في الأمم المتحدة محمد خزاعي على مراعاة مفاعل بوشهر النووي لأعلى معايير الأمن والسلامة النووية منذ تأسيسه وصولا إلى تدشينه.

كانت صحيفة «نيويورك تايمز» أقدمت أمس على نشر خطاب لسفير إيران لدى الأمم المتحدة محمد خزاعي يؤكد فيه على تطبيق مفاعل بوشهر لشروط ومعايير السلامة المتبعة والمعتمدة.

وفي معرض رده بشأن ما تتداوله وسائل الإعلام العربية والغربية في التشكيك حول تطبيق مفاعل بوشهر النووي لمعايير الأمن والسلامة أكد محمد خزاعي في خطابه أنه استنادا إلى التقارير الرسمية الصادرة من مفتشي وكالة الطاقة الدولية تفيد بأن مفاعل بوشهر يتمتع بأعلى جودة من معايير السلامة الحديثة.

وجاء في خطاب سفير إيران لدى الأمم المتحدة أن مفاعل بوشهر النووي على غرار المفاعلات النووية الحديثة تم مراعاة كافة شروط الأمن.

من جانبه أكد مسؤول خليجي رفيع أن الزيارة التي يقوم بها وفد الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران تأتي في إطار استكمال مجلس المحافظين للإسراع في الوصول إلى وثيقة نهج منظم فيما يتعلق بملف إيران النووي المثير للجدل، معتبرا أن الهم الأكبر لا يكمن في توقيع إيران على هذه الوثيقة وهو ما قد يحدث، إنما في التزامها بما ستتضمنه الوثيقة من التزامات، مضيفا أنه لا بد من التأكد أنه في حال تم التوقيع سيتم التنفيذ خاصة في ظل غياب الثقة الدولية في إيران بسبب تغير وتعدل بعض مواقعها النووية بشكل يعيق دور الوكالة ومفتشيها من التحقق من حقيقة هذه المواقع.

وأضاف المسؤول الخليجي متحدثا لـ«الشرق الأوسط» أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية عقدت عدة اجتماعات للوصول إلى وثيقة منهج منظم لحل جميع المسائل العالقة مع إيران تحت نظر مجلس المحافظين منذ عدة سنوات، لكن غياب الثقة بإيران عرقل الوصول إلى أي نتيجة، وفي العام الماضي «لم ننجح بسبب عدم تمكن الوكالة من التقدم في المفاوضات مع الجانب الإيراني»، لافتا إلى أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تشير إلى أن إيران لا تزال تغير وتعدل بعض مواقعها النووية بشكل يعيق دور الوكالة ومفتشيها من التحقق من حقيقة هذه المواقع وطبيعة النشاط الذي يجري بداخلها، وكمثال على ذلك موقع بارشين النووي حيث تشير صور الأقمار الصناعية إلى تغيرات مستمرة في الموقع وهو ما تنكره إيران وهو أيضا ما يعزز الشكوك لدى الوكالة فيما يتعلق بطبيعة نشاطه.

ويرى المسؤول الخليجي الذي فضل عدم ذكر اسمه أن الثقة بإيران غائبة لأسباب كثيرة وعلى رأسها تاريخ طويل من عدم الالتزام، كما أن إيران لم تكن شفافة في تعاملاتها وهناك أدلة على عدم شفافيتها وكمثال على ذلك منها محطة فوردو تحت الأرض، كل هذه الأنشطة السابقة جميعها تقلل الثقة بشكل عام بإيران في حين أن الدول ترغب في دعم الوكالة للوصول إلى نهج منظم.

وخلص المصدر الخليجي للقول: كل ما تفعله إيران باستقبالها الوفد الولي هو محاولة إيهام المجتمع الدولي بأنها ستوقع على الوثيقة وهي تحاول أن تحشد الدعم لها قبل اجتماع مجلس المحافظين في أول أسبوع من مارس (آذار)، لذلك إيران تحاول أن تبدو إيجابية قبل مداولات البورد، لكن الوكالة متأكدة أن إيران لن تسمح للمفتشين بالذهاب إلى أي مكان والوكالة تطالب بالبروتوكول الإضافي.