وزراء خارجية أوروبا يبحثون اليوم في بروكسل أزمة مالي.. وواشنطن تدرس إرسال «مستشارين عسكريين»

باريس بدأت الإعداد لاستعادة «ديابالي» والتأهب للانقضاض على «كونا»

الرئيس المالي ديوكوندا تراوري لدى زيارته الجنود الفرنسيين في قاعدة باماكو الجوية (رويترز)
TT

أصبحت اجتماعات مجلس الدفاع الفرنسي الذي يضم رئيسي الجمهورية والحكومة ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية ورئيس أركان القوات المسلحة شبه يومية. فالرئيس فرنسوا هولاند، الذي حطت طائرته العائدة من دولة الإمارات في الثالثة من صباح أمس في مطار باريس، ترأس الاجتماع لتقييم آخر تطورات الوضع الميداني، حيث بدأت المرحلة الثانية من العمليات الفرنسية في مالي.في حين يلتئم اليوم في بروكسل اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين بناء على طلب فرنسي للنظر فيما تستطيع الدول الأوروبية المساهمة به لدعم أكبر عملية عسكرية فرنسية في الخارج منذ التدخل العسكري في أفغانستان عام 2001. وحتى الآن، حرصت باريس على الامتناع عن انتقاد العواصم الأوروبية، بيد أن مصادر فرنسية رفيعة المستوى لا تتردد في القول إن الأوروبيين «أوكلوا لنا مهمة مقاتلة الإرهابيين في مالي، لكنهم يكتفون بالحد الأدنى من الدعم الذي يوفرونه لنا». وبالفعل، يبدو الدعم الأوروبي، حتى الآن، متواضعا للغاية، ويقتصر على توفير بعض طائرات النقل العسكري (بريطانيا، بلجيكا، الدنمارك، ألمانيا) واللوجستي والإنساني، بينما توفر واشنطن، إلى جانب النقل، وسائل المساعدة في حقلي الاستعلام الإلكتروني (التجسس بالوسائل الجوية والطائرات من غير طيار) والاتصالات.

وقالت مصادر فرنسية دفاعية لـ«الشرق الأوسط» إن الأوروبيين «ليسوا في وارد البحث في توفير دعم ميداني»، كما أن اهتمامهم بما هو حاصل في مالي «ليس في المستوى نفسه في جميع العواصم» إذ إنه «في حده الأدنى» خصوصا في عواصم وسط وشرق بلدان الاتحاد الأوروبي.

وأمس، بدأت المرحلة الثانية من العمليات الفرنسية المتمثلة في نشر قوات أرضية في مواقع الالتحام مع مقاتلي الشمال، وذلك على جبهتين متوازيتين في الشمال الغربي، لإحكام السيطرة على الخط الواقع إلى يمين نهر النيجر وخصوصا لاستعادة مدينة ديابالي التي احتلها مقاتلو القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يوم الاثنين الماضي رغم القصف الجوي الفرنسي. وفي الشمال الشرقي، أرسلت تعزيزات فرنسية ومالية لاستعادة مدينة كونا، التي كان احتلالها السبب المباشر في إطلاق العملية العسكرية الفرنسية يوم الجمعة الماضي. ورغم التأكيدات المتسرعة حول استعادة السيطرة على المدينة من الإسلاميين المتشددين، فإن وزير الدفاع أفاد أن القوات الفرنسية والمالية لم تدخلها حتى الآن، مما يعني أن ما تم هو «احتواء» تقدم مقاتلي الشمال باتجاه الجنوب، وتهديد مطار موبتي الاستراتيجي ومدينة سيفاري.

وتفيد المعلومات الدفاعية في باريس أن المعارك بدأت لاستعادة ديابالي والتأهب للانقضاض على مدينة كونا بالاعتماد على المدرعات الفرنسية الخفيفة التي وصلت إلى منطقة المعارك من ساحل العاج وعلى القوات الخاصة الفرنسية التي استقدمت من بوركينا فاسو.

وأكد وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان أن قواته الموجودة في مالي بلغ تعدادها حتى مساء الثلاثاء 1700 رجل منهم 800 منتشرون ميدانيا وآخرون للدعم والإسناد والخدمات اللوجستية. وتريد باريس أن ترفع العدد في الأيام القليلة القادمة إلى 2500 رجل بانتظار أن تبدأ طلائع القوة الأفريقية الدولية بالوصول إلى مالي.

وأعلن لودريان أن الطلعات الجوية التي تقوم بها الطائرات الفرنسية المقاتلة المرابطة في نجامينا (عاصمة تشاد) وفي مطار العاصمة المالية باماكو مستمرة في استهداف مواقع «الإرهابيين» شمال مالي. وتستخدم باريس 17 طائرة عسكرية منها 6 طائرات مقاتلة من طراز «ميراج» و4 من طراز «رافال» و5 للتزود بالوقود جوا، واثنتين للتجسس والاستعلام فضلا عن مجموعة من الطوافات التي تستخدمها القوات الخاصة في عملياتها ومنها طوافات «غازيل» الهجومية المزودة بصواريخ «هوت» جوـ أرض.

وتعتمد باريس بقوة على سلاح الجو لتغطية شمال مالي الشاسع من أجل ضرب إمدادات مقاتلي الشمال ومراكز تجمعهم ومخازن السلاح والوقود ومقرات القيادة وبحسب لودريان، فإن ما تطلبه بلاده من الأوروبيين والأميركيين هو «المساعدة على نقل القوة الأفريقية الدولية إلى مالي والإسراع في تحضيرها، وتأهيلها لتبدأ سريعا في تنفيذ المهمة التي أوكلها لها مجلس الأمن، وهي مساعدة الجيش المالي على استعادة السيطرة على منطقة الشمال».

وفي واشنطن، وبعد تصريحات مسؤولين أميركيين بأن الولايات المتحدة تقدم مساعدات استخباراتية للقوات الفرنسية التي تدخلت في مالي لمواجهة المقاتلين الإسلاميين، قالت مصادر إخبارية في واشنطن إن الحكومة الأميركية تدرس زيادة دورها، وتقديم مساعدات لوجستيكية، وربما «مستشارين عسكريين».

وقالت المصادر إن إدارة الرئيس باراك أوباما تحتاج إلى إذن من الكونغرس قبل إشراك القوات المسلحة في عمل عسكري في الخارج، وأن القانون الأميركي يمنع مساعدة حكومة، مثل حكومة مالي، جاءت إلى الحكم بواسطة انقلاب عسكري أطاح بحكومة ديمقراطية. ولهذا، لن يكون سهلا على الرئيس أوباما التدخل المباشر. ولم تصدر تصريحات من قادة جمهوريين في الكونغرس تأييدا لتدخل مباشر، وحتى قادة ديمقراطيون، قالوا إنه، في أجواء المشكلة الاقتصادية، ومحاولات تخفيض النفقات الحكومية، ومع توقع الانسحاب من أفغانستان، لا يبدو أن هناك تأييدا في الكونغرس لتدخل عسكري في دولة إسلامية أخرى.

وكانت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، فكتوريا نولاند، قالت: «هام جدا وقف هجوم المجموعات الإرهابية باتجاه جنوب مالي لمنع انهيار الحكومة. وهام جدا إسراع تطبيق قرارات مجلس الأمن بشأن مالي». وأضافت: «في هذا السياق، ترحب الولايات المتحدة ترحيبا كبيرا بالتحرك العسكري الفرنسي في مالي».