إسلام آباد: القادري يصعد احتجاجه الشعبي ومحللون يرسمون سيناريوهات عدة

الجيشان الباكستاني والهند يجنحان للتهدئة بعد مقتل خامس جندي في مناوشات كشمير

الآلاف من أنصار القادري يتظاهرون ضد الحكومة في إسلام آباد لليوم الثالث على التوالي أمس (أ.ب)
TT

تزايد الضغط الداخلي على الحكومة الباكستانية، من معسكر رجل الدين طاهر القادري، الذي دعا أمس الأحزاب المعارضة الأخرى إلى الانضمام لحركته الاحتجاجية المتواصلة وتعهد بمنع الحزبين السياسيين الرئيسيين من «سرقة» الانتخابات المقبلة. وجاء هذا تزامنا مع توصل الجيش الباكستاني ونظيره الهندي إلى اتفاق حول «خفض حدة التوتر» العسكري في كشمير، بعد سلسلة من الاشتباكات الدامية في هذا الإقليم المتنازع عليها.

ودعا القادري الذي يتظاهر مناصروه في إسلام آباد منذ ثلاثة أيام، أمس، معارضي الحكومة الآخرين إلى الانضمام إليه مواصلا الضغط على السلطة التي تعاني أصلا من صعوبات بسبب صدور مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء. وأطلق القادري الذي عاد الشهر الماضي من منفاه الطوعي في كندا، «مسيرة كبرى» هذا الأسبوع على 400 كلم بالسيارة بين مقر إقامته في لاهور (شرق) والعاصمة للمطالبة بإصلاحات عاجلة ترمي إلى إحلال الديمقراطية في الحياة السياسية بدءا بحل البرلمان.

ويخيم عشرات آلاف من مناصريه منذ مساء الاثنين في جادة جنة في وسط إسلام آباد غير المعتادة على التجمعات السياسية الكبرى. ودعا القادري أمس أنصاره إلى مواصلة حركتهم. وقال في خطاب طويل استغرق ثلاث ساعات ألقاه أمام أنصاره من منصة أحيطت بزجاج مصفح «ابقوا جالسين، لا تتحركوا! كونوا مصممين! فمصيركم يقترب. قريبا سيصدر قرار لصالحكم، إن لم يحدث الآن فلن يحدث على الإطلاق». وتعهد القادري بعدم السماح للحزبين السياسيين الرئيسيين في البلاد، حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (نواز)، بسرقة الانتخابات المقبلة، كما تعهد أيضا بوقف أي ممارسات فساد في الانتخابات العامة المقبلة بالقوة. وقال: «هذه مسيرة مليونية ولن نسمح للحزبين السياسيين بسرقة الانتخابات العامة المقبلة والقفز على السلطة مجددا». وتحمل الآلاف من أنصار القادري برودة الطقس ومكثوا في ممرات إسلام آباد للمطالبة بإقالة حكومة حزب الشعب الباكستاني. وقال القادري: «لقد فشلت هذه الحكومة من جميع الوجوه وفقدت شرعيتها. أحذر الحكومة من عدم تنفيذ مطالبنا قبل منتصف ليلة اليوم».

وتموضع رجل الدين في صلب اللعبة السياسية الباكستانية منذ عودته من كندا ودعا الأحزاب السياسية إلى الانضمام إليه لا سيما حزب نجم الكريكت السابق عمران خان وهو المعارض الأخير الذي سطع نجمه ويندد كذلك بسيطرة النخب الحاكمة وفسادها. وقال القادري، إن «عمران خان يرفض كذلك الوضع القائم. نريد أن يودع كل من يخالف القانون السجن»، وهو ملف ساخن حاليا بعد أن أمرت المحكمة العليا الباكستانية الثلاثاء بتوقيف رئيس الوزراء راجة أشرف بتهمة تلقي رشاوى مقابل منح عقود كهرباء في أثناء توليه وزارة الطاقة قبل نحو خمس سنوات.

وتأتي هذه الاضطرابات مع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية المقررة في منتصف مايو (أيار) المقبل على أبعد تقدير. ووسط هذه الفوضى تناول مراقبون أمس عدة سيناريوهات تتراوح بين استمرار الوضع القائم وتدخل الجيش مرورا بتشكيل مسرع لحكومة انتقالية يفترض أن تعد للانتخابات في غضون 90 يوما تسبق الاستحقاق. وقال المعلق السياسي أنيس جيلاني: «أعتقد أن الحكومة ستتصرف كالمعتاد وتتحدى قرار المحكمة» مؤكدا أن السلطة ستواجه صعوبات جمة إذا انضمت المعارضة إلى المتظاهرين. وأشار الأستاذ في جامعة كراتشي مطهر شيخ إلى أن «كل شيء جاهز من أجل إرجاء الانتخابات وتشكيل حكومة انتقالية يمكنها تولي القيادة لا لمدة 90 يوما بل لفترة طويلة». من جهة أخرى طلب رئيس حزب المعارضة الرئيسي نواز شريف من الحكومة أن تعلن «بلا تأخير» موعد الاستحقاق وتولي الحكومة الانتقالية مسؤولياتها رسميا. غير أنه رفض الانضمام إلى المتظاهرين ومنح دورا للجيش وللقضاء في تعيين هذه الإدارة. ويتوقع قسم من السكان انقلابا عسكريا جديدا ينفذه الجيش وسط الفوضى السائدة. لكن المحلل امتياز غول استبعد هذا السيناريو معتبرا أن الجيش قد يتحرك في الكواليس لكن ليس في العلن.

وخارجيا، توصلت إسلام آباد ونيودلهي أمس إلى اتفاق لخفض التوتر في كشمير. وقال المتحدث العسكري باسم الجيش الهندي جاغديب داهيا أمس إنه «تم التوصل إلى اتفاق بين المديرين العامين للعمليات العسكرية على خفض حدة توتر الوضع على طول خط المراقبة». وأضاف المتحدث الهندي أن المديرين العامين، الجنرال الهندي فينود باتيا والجنرال الباكستاني أشفق نديم «تحدثا ابتداء من الساعة العاشرة بالتوقيت المحلي طوال عشر دقائق». وأوضح أن «المدير العام الباكستاني قال إنه صدرت تعليمات صارمة لعدم انتهاك وقف إطلاق النار» من الجانب الباكستاني. وأكد المتحدث الهندي أيضا أن القوات الهندية المتمركزة على طول خط المراقبة لن تنتهك هي الأخرى وقف إطلاق النار، وقال: «لقد احترمنا دائما وقف إطلاق النار وعمدنا فقط إلى الرد».

يذكر أن خط المراقبة أو خط الهدنة الذي يشكل حدود الأمر الواقع، يرسم الحدود بين الشطر الهندي والشطر الباكستاني من كشمير التي يتنازع البلدان السيادة عليها. وقد ازدادت حدة التوتر صباح أمس عندما أعلن الجيش الباكستاني مقتل أحد جنوده بإطلاق نار «غير مبرر» للجيش الهندي على خط المراقبة. وهذا خامس قتيل يعلن عنه الجيشان منذ السادس من يناير (كانون الثاني) الحالي.

وتطرقت وزيرة الخارجية الباكستانية حنا رباني خار، خلال كلمة ألقتها في مؤتمر بنيويورك أول من أمس، إلى تجدد التوتر بين بلادها والهند، وقالت إن «الدعوة للحرب» المقبلة من حدود الهند تقوض عملية السلام بين الدولتين. وقالت خار خلال مؤتمر في معهد «ايجيا سوسايتي» الذي يعمل على دفع تفهم متبادل بين آسيا والولايات المتحدة: «إننا نرى حالة الحرب، وإنه لأمر مقلق سماع تصريحات تصعيدية» من قبل مسؤولين سياسيين في الهند. وأوضحت مع ذلك أن «أبواب الحوار مفتوحة». وتابعت أيضا: «يجب أن نلتقي على جميع المستويات وأعتقد أنه يتوجب علينا أن نجري اتصالات هاتفية ويجب أن نصبح دولتين ناضجتين». ونقت الوزيرة الباكستانية الاتهامات الهندية حول مقتل جنديين هنديين في الثامن من يناير.