نائب نتنياهو: الغرب يتعامل مع العرب بسذاجة وجهل وغطرسة

موشيه يعلون لـ«الشرق الأوسط»: لا فرق بين حماس وأبو مازن إلا في التكتيك

TT

وجه نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي وزير الشؤون الاستراتيجية، موشيه يعلون، انتقادات شديدة اللهجة إلى سياسة دول الغرب في العالم العربي، وقال إن الغرب جاهل ويتصرف بسذاجة وغطرسة. وأضاف في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» أن السلام الإسرائيلي الفلسطيني لن يأتي في القريب، بل قد يحتاج إلى جيل جديد. وهاجم سياسة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، واعتبرها وجها آخر لسياسة حركة حماس «لا فرق بينهما إلا في التكتيك». واعتبر يعلون مبادرة السلام العربية مشروعا سيئا. وقال إن السلام مع مصر ليس سلاما كاملا.

وكان يعلون شغل في الماضي منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وقبلها رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان»، بعد أن تدرج في جميع مراتب الجيش وخدم في معظم أسلحته. وقد ولد في بلدة صغيرة في خليج حيفا سنة 1950، ثم انتقل للعيش في صحراء النقب. وبعد خلعه البزة العسكرية أصبح باحثا في معهد أميركي، حتى سنة 2008، ثم انضم إلى حزب الليكود وانتخب عضوا في الكنيست.

وقال يعلون ردا على سؤال حول استراتيجية إسرائيل وإن كانت لها فعلا توجه بعيد المدى «لو كان الوضع في منطقتنا مثاليا لكانت استراتيجيتنا هي ما ورد في وثيقة استقلالنا، بأننا دولة الشعب اليهودي القومية التي تعيش بسلام مع كل جيرانها. لكن المشكلة هي أننا نجابه أمورا متغيرة في الشرق الأوسط. في إطار هذه الاستراتيجية لا ننجح بالطبع في إقامة سلام مع الجيران. يوجد لدينا سلام مع البعض ولكن ليس الجميع. ولذلك علينا أن نعمل كل ما في وسعنا لكي نردع أولئك الذين يريدون المساس بنا». وأضاف «أردنا أن نقيم سلاما مع سوريا في أعقاب مؤتمر مدريد، لكن هذا لم ينجح. وعملنا ذلك مع الفلسطينيين بشكل جزئي، لكن إذا استعرضنا الوضع منذ اتفاقيات أوسلو وحتى اليوم، فمن الصعب أن نتحدث عن نجاح».

ورفض يعلون الاتهام بأنه لا توجد استراتيجية سلام لدى حكومته، وقال إن «استراتيجية السلام قائمة في مناقشاتنا عندما نجري تقييما سنويا للأوضاع، وقائمة في الحالات التي نضطر فيها إلى اتخاذ قرارات عينية، كما حصل عندما كنا نلاحظ التصعيد في الشهور الأخيرة من قطاع غزة. فمنذ يونيو (حزيران) لاحظنا التصعيد ورحنا نجري أبحاثا خاصة إزاءه. أنا أعتقد أن حكومات إسرائيل في السنوات العشرين الأخيرة تنشد السلام. لكن هناك تغييرات حاصلة في الميدان. فعلى سبيل المثال، نحن نشهد في السنتين الأخيرتين الأحداث في العالم العربي، التي يسميها البعض (الربيع العربي) ويسميها آخرون (شتاء إسلاميا). أنا أعتقد أن كلتا التسميتين راديكالية. لكنها متغيرات درامية، تحتاج منا إلى إعادة تقييم الأوضاع من جديد».

وشكك يعلون في حقيقة السلام مع مصر، وقال «أنا تعلمت شيئا من تجربة اتفاقيات أوسلو، فبدلا من القول إن السلام يجلب الأمن، أقول إن الأمن هو الذي يجلب السلام، وليس العكس. السلام لا يمكن أن يكون فقط على الورق. وأعتقد أن هذا هو أحد الأخطاء التي يقع فيها إسرائيليون أيضا. فعندما يسألون إسرائيليا عن السلام فإن أول ما يخطر بباله هو أنه لن يعود بحاجة إلى القتال. يسألك: متى سأتناول مدمس الحمص في الشام وبيروت؟ ثم يفتش عن رجال القانون لإعداد نصوص الاتفاقيات التي سيوقع عليها الأطراف. ورأيت كيف يعد هؤلاء بنود اتفاقيات، وكيف يتم خرقها فورا. لقد كنت شاهدا على اتفاقيات أوسلو، وكيف قام (الرئيس الفلسطيني الراحل) ياسر عرفات بخرقها منذ اليوم الأول. ففي أول مرة دخل فيها إلى قطاع غزة، عبر بوابة رفح، أدخل في سيارته صواريخ (آر بي جي) الممنوعة حسب اتفاقيات أوسلو، وأدخل جهاد عمارين، الذي كان محظورا عليه الدخول. ونحن قد عرفنا بذلك، لكن قيادتنا السياسية لم ترد أن تضع عراقيل أمام السلام. ولم ترد مجابهة عرفات منذ البداية. وكان لديها خطأ فاحش آخر هو تلك المقولة، بأن علينا أن نتمسك بالسلام كما لو أنه لا يوجد إرهاب، وأن نحارب الإرهاب كما لو أنه لا يوجد سلام. لقد كان علينا أن نشترط استمرار عملية السلام بأن يوقف عرفات الإرهاب بشكل كامل. انظر إلى الشمال، فنحن لا يوجد لنا اتفاق سلام مع سوريا، ومع ذلك فإن حدودها هي الأكثر هدوءا بالنسبة لنا. بالمقابل، يوجد لنا اتفاق سلام مع مصر، لكن حدودها معنا هي الأكثر قلقا ومشاكل. ويفترض أن يعالج الرئيس محمد مرسي هذا».

وقال يعلون إن إسرائيل تستخدم سياسة المصالح، أو سياسة الجزرة والعصا «في سوريا، نستخدم العصا. الرئيس بشار الأسد يخشى من التصعيد معنا. قوة الجيش الإسرائيلي تردعه. لذلك، نراه يحرص على إبقاء الحدود مع الجولان هادئة. إذن أنا لا أفتش عن ورقة موقعة، بل عن سلام يستند إلى المصالح. هذا ما كان قاله أيضا الملك حسين. العلاقات بيننا وبين الأردن بدأت في سنة 1970. ففي يوليو (تموز) من تلك السنة كان هناك لواء من الجيش السوري جاهز لاجتياح الأردن، وأنا كنت يومها جنديا شابا. لقد رابطت قواتنا في غور بيسان (نهر الأردن) مستعدة للدخول من أجل إنقاذ الملك حسين. ومنذ ذلك الوقت، نشأ تحالف استراتيجي بيننا وبين الأردن من دون أن نوقع على اتفاقية سلام. فقد أعددنا قوة عسكرية كبيرة للدخول لنصرة الأردن، وردع سوريا. وقد ارتدعوا ولم يجتاحوا الأردن. وكان هذا بمثابة تحالف من دون توقيع اتفاق. ومعاهدة السلام بيننا، التي وقعت في سنة 1994، كانت برغبة من الرئيس الأميركي، بيل كلينتون، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، إسحق رابين، لكن الملك حسين لم يكن يريدها. فقد سأل: (ما مدى الحاجة لاتفاقية سلام، ونحن نقيم علاقات تحالف منذ 24 سنة؟.. فأنا لا يوجد لي أي اتفاق سلام مع أي دولة عربية مجاورة). فقمنا بإرسال أفرايم هليفي (رئيس جهاز الموساد) ليقنع الملك بضرورة المعاهدة».

واعتبر يعلون السلام مع مصر سلام مصالح غير كامل. وقال إن «جماعة الإخوان المسلمين تطالب بالتخلي عن معاهدة السلام مع إسرائيل، لكن الرئيس مرسي ومن خلال رؤية سياسية واقعية وحسابات المصالح، تجند لجلب الهدوء إلى قطاع غزة، وتعهد بمعالجة أعمال التهريب ونشاط الإرهاب في سيناء»، مضيفا «قلنا له إن هذه هي مصلحته. فالوضع في غزة هو الذي أدى إلى مقتل 16 جنديا مصريا في سيناء. والوضع في سيناء يتسبب في مقتل عشرات الجنود المصريين بأيدي تنظيمات الإرهاب. فهناك تنظيمات تابعة لـ(القاعدة) وللجهاد العالمي في سيناء، فهل هذا في مصلحة مصر بشيء؟».

وتابع يعلون «قالوا لنا وقعوا على اتفاق سلام مع الفلسطينيين ويتحقق الأمن. فهل تحقق لنا الأمن؟.. مقابل اتفاقيات أوسلو، تلقينا الإرهاب وأكثر من ألف قتيل. لماذا؟ لأن كل المناطق التي سلمت للسلطة الفلسطينية تحت قيادة ياسر عرفات، تحولت إلى دفيئة للإرهاب. من هناك جاءنا الانتحاريون. السلام لم يجلب لنا الأمن؟ وليس الأمن فحسب.. نحن نريد أن يعيش ذلك الفلسطيني في نابلس أو غيرها بكرامة، وأن يعول عائلته بكرامة، ويربي أولاده باحترام. لم لا؟ هذه هي مصلحتنا وهذه هي قيمنا».

وردا على سؤال حول تقرير جمعية حقوق الإنسان في إسرائيل الذي يقول إن الفلسطينيين، وبسبب السياسة الإسرائيلية، يعيشون في ظروف مأساوية، وإنه في السنوات الأربع الأخيرة يوجد تدهور في حقوق الإنسان الفلسطيني في الضفة الغربية وتدهور في حرية التنقل والعمل، أجاب «لو لم يكن علينا تهديد من الضفة الغربية لما كانت لنا أي مشكلة».

وتطرق يعلون إلى مبادرة السلام العربية، فقال «إن إسرائيل لا تستخف بأي شيء، إنما هي تفحص كل شيء وفق مصالحها. أنا فرحت عندما طرحت مبادرة سلام. ثم جاءت الجامعة العربية وشددت شروطها في موضوع اللاجئين. هي عمليا تضع علينا شروطا. أولا انسحبوا وأتيحوا إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس ثم نتحدث عن سلام. لذلك أرى أنها مبادرة سيئة».

وعن الرسالة التي توجهها إسرائيل للعالم العربي بالقول إن «مبادرة السلام غير مقبولة، وحماس تحطم نفسها، وحتى (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن الذي يتحدث عن سلام وعن نضال سلمي بلا قذف حجر، تحرضون عليه وترفضونه»، قال يعلون «ليس صحيحا أن إسرائيل تريد كسر أي طرف فلسطيني أو عربي. فإسرائيل كما تعرف، دولة عظمى من الناحية العسكرية. ولو أردنا، لكنا من زمان كسرنا أبو مازن وحماس من الناحية العسكرية. نحن نسأل أنفسنا: وماذا نفعل بعدئذ؟.. إن استراتيجيتنا تقول إنه يجب أن نصنع السلام مع جيراننا. ومستعدون أن نتعامل مع من يعرف كيف يتحمل المسؤولية عن شعبه. يقولون لنا احتلال. وهل يوجد احتلال لنا في غزة؟ لقد انسحبنا حتى آخر شبر. وبالمناسبة، أنا اعترضت على ذلك. وتساءلت: ما دمنا نتحدث عن سلام، فما المشكلة في بقاء المستوطنين؟.. لماذا لا يتم التعايش بين الفلسطينيين واليهود؟ إن المستوطنات في قطاع غزة جلبت الازدهار إلى السكان الفلسطينيين: 6700 عائلة فلسطينية اعتاشت من العمل في المستوطنات نفسها، و4500 عائلة تمتعت من العمل في المنطقة الصناعية التي بنيت على المعبر الحدودي بين إسرائيل وقطاع غزة. فلماذا الهدم؟.. الآن يوجد حماس في غزة وأبو مازن في الضفة. هذا ليس خيارنا. إذا أرادت حماس تستطيع أن تبني دفيئات توت أرضي بدلا من الصواريخ. وفي الضفة عرضنا على أبو مازن، المفاوضات ورفض. إنني لا أرى في الواقع فرقا بين أبو مازن وبين حماس إلا في التكتيك. إنني أقرأ جيدا ما يقوله أبو مازن ونشطاء فتح. إنهم يرفضون الاعتراف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي. ويسيرون على طريقة المراحل: أولا نقيم دولة على حدود 1967، لا نقبل أن نوقع على إنهاء الصراع والمطالب، ولا نعترف بإسرائيل دولة يهودية في يوم من الأيام، هكذا يقول، وعمليا نواصل الصراع. أبو مازن معتدل عندما يتكلم بالإنجليزية. لكن باللغة العربية تتحدث كتب التعليم عنده عن تحرير حيفا ويافا».

وعن الآمال إن كانت موجودة، التي يبثها بوصفه أحد القادة المركزيين في إسرائيل، عشية الانتخابات لشعبه، قال «يوجد أمل لكن ليس في المدى القريب. لقد تعلمت الصبر (قالها باللغة العربية). في الغرب لا يوجد صبر. يأكلون الطعام السريع. ويريدون ديمقراطية الآن فورا. ويريدون السلام الآن فورا. يفرضون الديمقراطية الغربية. يتعاملون بجهل وسذاجة وغطرسة. وأنا أخالفهم الرأي وأقول لهم دعوا العرب يقرروا مصيرهم بأنفسهم ويقرروا طريقة حكمهم وحياتهم بما يلائمهم. ونستون تشرتشل (رئيس وزراء بريطانيا الراحل) قرر من على شرفة بيته في مطلع القرن الماضي أن يقسم العالم العربي إلى دول قومية، واليوم تنهار هذه الدول من العراق إلى ليبيا ومصر وسوريا واليمن. وأنا أقول لهم ولنا: تعلموا الصبر».