معركة «كسر عظم» بين «متمردي فتح» والأجهزة الأمنية في مخيمات بالضفة

السلطة أمام اختبار جديد لفرض الهيبة والقانون في نابلس وجنين

TT

تجد السلطة الفلسطينية نفسها مرة أخرى أمام امتحان فرض الهيبة والسيطرة على مناطق في الضفة الغربية، بعدما نجحت لسنوات في تفكيك الجماعات المسلحة التابعة للفصائل، وإنهاء مظاهر مختلفة للفلتان.

وفي الوقت الذي تجتهد فيها السلطة لرسم صورة «أمنية» وردية في المناطق الخاضعة لسيطرتها الجزئية، خصوصا أن ذلك يشكل بالنسبة لها سببا آخر لإقامة الدولة الفلسطينية، عاد مسلحون فلسطينيون من بعيد في مخيمات في نابلس وجنين ومدن أخرى وأعلنوا بشكل غير مباشر سيطرتهم على هذه المخيمات، وحربا ضد مراكز أمنية.

ومنذ سنوات الانتفاضة الأولى لم يشاهد مسلحون يسيطرون على شوارع في مخيمات الضفة ويطلقون الرصاص مثلما حدث في مخيمي بلاطة شرق مدينة نابلس وفي جنين، وهو مشهد كاد ينسى في الضفة. وآخر ما كانت تحتاج له السلطة الآن وهي تواجه حصارا ماليا دوليا وتعثرا في مسيرتها السياسية والاقتصادية، هو ظهور «متمردين» ينتمون لفتح، الحزب الذي يفترض أنه يحكم الضفة. ولو كان الأمر متعلقا بحماس لكانت المسألة أسهل.

وفورا وصفت السلطة المسلحين بالمنفلتين، وقالت إنها ستحارب أي سلاح آخر غير سلاحها مهما كان. وأكدت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس أعطى تعليماته بإنهاء أي مظاهر للفلتان، ووصفت المسلحين في نابلس وجنين بآخر مظاهر هذا الفلتان. وتجد السلطة نفسها أمام معضلة «المخيمات»، إذ تمثل هذه المخيمات رمزا للاجئين الفلسطينيين، هذا غير أنها مكتظة بشكل كبير بالبيوت والناس، وفي أكثر من مرة لجأت السلطة إلى الحوار مع لجان المخيمات الشعبية من أجل تسوية خلافات أو تسليمها مطلوبين، وحتى في ما يخص تخلف الناس عن دفع مستحقات الكهرباء والماء.

ومن أجل ذلك تواصل مسؤولون على مستوى عال مع المسلحين في محاولة لتسوية الخلافات، لكن من دون حلول. وقال محمد أبو زعبل، الذي يقود تشكيلات المسلحين في بلاطة الذين أطلقوا على أنفسهم «شرفاء فتح»، إنهم ينتفضون من أجل كرامتهم. وتحدث محمد لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقاله ورفاقه قبل 7 شهور من بلاطة ومخيمات أخرى بسبب حيازة أسلحة، وقال إنهم تعرضوا للإذلال والمهانة بشكل غير إنساني. وهي اتهامات تنفيها الأجهزة الأمنية على أي حال.

وقال أبو زعبل «كأني كنت في مسلخ، على الرغم من انتمائي لفتح ولكتائب الأقصى». ويطالب ورفاقه باستعادة أسلحتهم وكرامتهم والحصول على رواتب ووظائف أفضل، ومستحقات مالية. وأضاف «مطلبنا هو استعادة كرامتنا». ودافع محمد عن نفسه ورفاقه وقال إنهم مع القانون وليسوا منفلتين أبدا. وأردف «نحن سياج القانون، ولم ولن نوجه بندقيتنا للشعب أو السلطة». وتابع القول «نحن حمينا مشروع السلطة، ونحن خلف الرئيس (محمود عباس) أبو مازن، لكن قيادات أمنية تضلله عن عمد وسنتصدى لها».

واستخدم أبو زعبل كلمة «نحن المخيمات» أكثر من مرة في حديثه، وعندما سألته ما إذا كان يخشى من أن ذلك يسيء للمخيمات ويثير نعرات، أجاب بالنفي، وقال «مخيمات اللاجئين مستهدفة وحقها مهضوم». وبحسبه فثمة تفاهم بين المسلحين التابعين لفتح في كل مخيمات الضفة على ضرورة التصدي لمراكز أمنية تعمدت إهانتهم وسلبهم حقوقهم في الاعتقالات الأخيرة. ولم يشر أبو زعبل إلى أسماء بعينها.

وكان أبو زعبل ورفاقه قد قضوا بعض الوقت في سجني الظاهرية في الخليل وأريحا في أريحا، وخضعوا لتحقيقات متعلقة بالفلتان وحيازة الأسلحة. وتقول السلطة إنها لن تسمح لأي سلاح آخر غير سلاح رجال الأمن، وسيكون شعارها «سلاح واحد».

وقال بيان للمسلحين في بلاطة إن «بعض قادة الأجهزة الأمنية أصبح مشروعهم الوطني ملاحقة وإذلال وكسر إرادة أبناء فتح». وكان هذا موقف المسلحين في مخيم جنين أيضا الذين أصدروا بيانا طالبوا فيه «بإعادة الاعتبار للذين اعتقلوا لدى الأجهزة الأمنية وإعادة السلاح لهم، مع احترام مصادرة أي سلاح شارك في الفلتان الأمني».

وتعهدت الأجهزة الأمنية في نابلس وجنين بملاحقة أبو زعبل والآخرين. وقبل يومين عندما دخلت السلطة إلى مخيم بلاطة، بحثا عنه وعن آخرين، ووجهت بمقاومة من نساء وأطفال هؤلاء المسلحين، ولم يتطور الموقف. لكن بعد ذلك أغلق المسلحون مدخل مخيم بلاطة. وقال أبو زعبل إن المخيم مغلق في وجه الأجهزة الأمنية في أكبر تحد من نوعه لهيبة السلطة. وأَضاف «بلاطة مغلقة حتى استعادة الحقوق».

ومثلت جنين ونابلس دائما دائرة التحدي الأكبر للسلطة، بعدما كانتا مركزا لنشاط المقاومة الأكبر في الضفة، ومرة أخرى عاد التحدي.