البرلمان التونسي يبدأ مناقشة المسودة الثانية للدستور اليوم

المقرر العام للدستور لـ«الشرق الأوسط»: التصويت النهائي على الدستور الجديد قد يستغرق 4 أشهر

TT

ينطلق المجلس التأسيسي (البرلمان) التونسي بداية من اليوم في مناقشة المسودة الثانية للدستور، وسط موجة من التشكيك في إمكانية التوصل إلى صياغة نهائية بعد نحو شهرين ونصف الشهر، كما صرح بذلك مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي. ولا يزال مشروع الدستور محل خلاف بين عديد الأطراف السياسية، من بينها التيارات اليسارية التي ترى في المسودة الحالية التفافا على حرية الإبداع وابتعادا عن كونية حقوق الإنسان في شموليتها وترابطها وتكاملها وعدم تجزئتها، كما عبرت عن ذلك إحدى المنظمات التونسية المهتمة بالانتقال الديمقراطي في تونس.

ولئن تضمنت تصريحات القيادات السياسية أن الدستور التونسي الجديد سينبني على توافق كل التونسيين ولن يكون دستور حزب أو جماعه معينة، فإن خبراء في القانون الدستوري يرون أن الواقع السياسي أكثر تعقيدا من مجرد التصريحات.

وتنطلق مناقشات هذه المسودة الثانية ببحث باب الحقوق والحريات في جلسة عامة، وهو باب لقي انتقادات عدة من قبل منظمات حقوقية دولية من بينها منظمة العفو الدولية خاصة مجال احترام الحريات الشخصية والقضاء على جميع أشكال التمييز بين الرجل والمرأة.

وتقدم حزب التحرير، أحد الأحزاب السياسية الدينية المرخص لها بعد الثورة، بمشروع دستور إلى المجلس التأسيسي خلال الأسبوع الماضي، وصرح رضا بلحاج، القيادي في حزب التحرير، لـ«الشرق الأوسط»، بأن المشروع متكامل، وهو ينبني على الشريعة الإسلامية في تدبير كل شؤون الحياة بما فيها السياسية. وانتقد تخلي الائتلاف الثلاثي الحاكم خاصة حركة النهضة عن إدماج الشريعة كمصدر أساسي للتشريع في الدستور الجديد. وقال إنه وجه رسالة مطولة إلى أعضاء المجلس التأسيسي يطالبهم من خلالها بضرورة اعتماد الشريعة في صياغة الدستور الجديد، وهو ما يجهز الساحة السياسية للكثير من الجدل السياسي حول فصول الدستور التي ستقع مناقشتها داخل قبة المجلس التأسيسي (البرلمان) فصلا فصلا.

وكان حمادي الجبالي، رئيس الحكومة التونسية والأمين العام لحركة النهضة ذات التوجه الإسلامي، قد دعا في تصريحات تلفزية سابقة إلى تولي رؤساء الكتل البرلمانية الممثلة في المجلس التأسيسي بلورة وتقديم آراء تلك الكتل بشكل جماعي أمام أعضاء المجلس دون الرجوع إلى المناقشات الأحادية الحادة التي عرفها قطبا الحكم بعد الثورة (حركة النهضة والمعارضة)، لكن هذه الدعوة لم تحظ بكثير من الاهتمام وتقررت مناقشة مشروع الدستور بالتفصيل.

ويطرح موضوع الصلاحيات التي ستمنح لرئيس الدولة خلافات بين الكتل السياسية، ويفتح على تنازع السلطات بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية. ويشكل النظام السياسي الذي سيعتمد في تونس بدوره مجالا واسعا للجدل السياسي، فحركة النهضة التي أعلنت قياداتها عن التراجع عن النظام البرلماني لصالح نظام رئاسي معدل تأمل من خلال الدستور الجديد في الحد من صلاحيات الرئيس خشية عودة نفس النظام الديكتاتوري السابق في ثوب آخر، ومحافظة على دور فاعل لرئيس السلطة التنفيذية.

وفي هذا السياق، صرح الحبيب خضر، المقرر العام للدستور، لـ«الشرق الأوسط»، بأن مدة شهرين ونصف كافية مبدئيا لإتمام مناقشة الدستور التونسي بكل تفاصيله. وقال إن الاتفاق المبدئي حول الفصل الأول للدستور الجديد قد فصل الكثير من نقاط الخلاف بين الحكومة والمعارضة. وأضاف أن الدستور الجديد سيكون جاهزا للتصويت أمام أعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان) خلال شهر أبريل (نيسان) المقبل. واعتبر في تصريحه أن التوافق بين «الفرقاء» السياسيين حول الصياغة النهائية للدستور هو الأفضل، إلا أنه لم يستبعد على الرغم من ذلك إمكانية المرور إلى الاستفتاء إذا لم تحظ النسخة النهائية للدستور بموافقة أكثر من ثلثي أعضاء المجلس التأسيسي. ولم ينف خضر إمكانية إثارة أكثر من نقطة أمام الجدل السياسي، وصنف الأمر برمته ضمن الظاهرة الصحية التي ترافق الانتقال الديمقراطي في تونس.

* فصول محل خلاف في الدستور الجديد

* لا تزال بعض فصول المسودة الثانية من الدستور التونسي التي تضم 170 فصلا قانونيا تثير جدلا بين أطراف حقوقية وسياسية، على الرغم من موافقة حركة النهضة على الاحتفاظ بالفصل الأول من دستور 1959 الذي ينص على أن تونس جمهورية الإسلام دينها والعربية لغتها من دون التنصيص الصريح على اعتماد الشريعة كمصدر للتشريع. وكان الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، قد حسم أمر النقاشات المطولة حول الهوية العربية الإسلامية لتونس، وأقر نفس الفصل الوارد في دستور أقره الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي الأسبق سنة 1959.

ولا تزال العديد من الفصول تلاقي معارضة داخلية وخارجية على غرار انتقاد منظمة العفو الدولية (أمنستي) لستة فصول في المسودة الثانية للدستور وهي الفصول 5 و16 و17 و18 و23 و73، حيث قالت إنها لا تستجيب للمعايير الدولية وتفتح الباب أمام التأويلات التي قد تمس الحقوق الأساسية للتونسيين خاصة ما يتعلق بحرية المرأة وحرية التعبير.

وطرح الفصل 28 المتعلق بالمساواة بين الرجل والمرأة نقاشا مستفيضا حول مبدأ المساواة أم مبدأ التكامل في الإطار الأسري، حسب ما قدمته حركة النهضة في المشروع، وتم الاتفاق في النهاية على اعتماد مبدأ المساواة تماشيا مع المعاهدات والمواثيق الدولية.

ومن المتوقع أن يشهد المجلس التأسيسي نقاشات حادة في ما يتعلق بالفصل 68 من مسودة الدستور، والذي ينص على إقرار الحصانة القضائية لرئيس الدولة للأفعال التي يقوم بها بمناسبة أدائه مهامه، وتواصل تمتعه بنفس الحصانة بعد انتهاء مباشرته مهامه. ويعد هذا الفصل الدستوري مواصلة لحكم بن علي بعد أن أقره في تعديل دستوري منذ سنة 2002.