الجزائر: تضارب الأنباء بشأن مقتل رهائن في غارة لمروحيات الجيش

وفد من أعيان الصحراء يبدأ مفاوضات مع الخاطفين نيابة عن السلطات الجزائرية

مواطنان جزائريان يتابعان أحداث مالي في كشك لبيع الصحف في العاصمة الجزائرية (إ. ب)
TT

تضاربت الأنباء أمس بشأن مقتل عدد كبير من الرهائن مع بعض الخاطفين في غارة جوية شنها الجيش الجزائري، على المنشأة الغازية في عين أمناس بجنوب شرقي الجزائر، التي تحتلها مجموعة مسلحة تطلق على نفسها اسم «الموقعون بالدم»، فيما أعلنت وكالة الأنباء الجزائرية عن تحرير 600 عامل جزائري من المنشأة.

وقال محمد السعيد أوبلعيد، وزير الاتصال (الإعلام) الجزائري، إن الجيش لا يزال يواصل عملياته لتحرير جميع الرهائن المحتجزين في المنشأة الغازية، مؤكدا سقوط قتلى وجرحى.

وأوضح محمد السعيد، في تصريح للتلفزيون الجزائري أمس أن القوات البرية للجيش هاجمت القاعدة النفطية في وقت سابق من يوم أمس بعد استنفاد كل السبل السلمية مع محتجزي الرهائن، موضحا أن عناصر الجيش أطلقوا في البداية عيارات تحذيرية لكن المسلحين الذين كانوا مدججين بأسلحة ثقيلة وينتمون لدول عدة رفضوا الانصياع وحاولوا مغادرة القاعدة باتجاه بلد آخر (على الأرجح مالي)، ومعهم الرهائن لاستخدامهم كورقة ضغط على سلطات هذا البلد.

وأكد محمد السعيد سقوط قتلى وجرحى في الهجوم دون أن يذكر عددهم وجنسياتهم بحجة أن الحصيلة النهائية لم يتم إعدادها بعد، كما أكد على تحرير عدد كبير من الرهائن.

وقال الوزير: «نأسف لسقوط قتلى وجرحى، لكن العملية كانت معقدة بالنظر إلى مركب (منشأة إنتاج الغاز) الذي تضمه المنشأة النفطية. العملية ما زالت متواصلة حتى تحرير كامل الرهائن».

وأشار إلى أن سلطات بلاده توجد في اتصال مع عواصم دول الرعايا المحتجزين، مشددا على أن بلاده ذهبت ضحية اعتداء متعدد الجنسيات هدفه ضرب استقرارها، وتوريطها في مالي وضرب اقتصادها القائم بشكل أساسي على المحروقات. كما اعتبر منشأة الغاز في عين أميناس من أهم مصانع الغاز.

وأكد أن الجزائر لن تتفاوض مع الإرهابيين ولن تقبل أي مساومة ولن تتراجع أبدا عن مكافحة الإرهاب.

وكانت الإذاعة الجزائرية قد ذكرت في وقت سابق أمس أن الجيش احكم قبضته على المنشأة النفطية عصر أمس، وأنه قتل جميع المسلحين، مشيرة إلى أن عدد الرهائن الجزائريين المفرج عنهم وصل إلى 400.

وفي السياق ذاته قال مصدر مطلع على الأحداث في عين أمناس (1600 كم جنوب العاصمة الجزائرية)، لـ«الشرق الأوسط»، إن أربعة فنيين أجانب هربوا من المنشأة في حدود العاشرة من صباح أمس. وأوضح أن أحد الفارين مواطن فرنسي، وكان هؤلاء حسب المصدر متخفين في أزقة المنشأة الكبيرة.

ونقل المصدر ذاته عن أحد أعيان منطقة عين أمناس، الذي دخل في اتصال مع الخاطفين، إنهم يشترطون الإفراج عن مساجين إسلاميين ونقلهم إلى شمال مالي. ولم يوضح المصدر البلد الذي يوجد به السجناء، ويرجح إما أن يكونوا بالجزائر أو مالي أو موريتانيا. وجدد الخاطفون مطلبا طرحوه ساعات بعد الهجوم على المنشأة النفطية، يتمثل في إحضار 20 سيارة رباعية الدفع وفتح طريق لهم وتأمينه إلى غاية شمال مالي. وهو ما رفضته السلطات على لسان وزير الداخلية دحو ولد قابلية، الذي قال «إننا ننصت إلى مطالبهم، لكننا لا نتفاوض مع الإرهابيين».

وقصفت مروحيات تابعة للجيش الجزائري أجزاء خارجية من المنشأة صباح أمس، وشوهدت طائرات حربية تحلق في شمال تيقنتورين، حيث توجد المنشأة، وتبعد عن عين أمناس بنحو 40 كم، وعن الحدود الليبية بنحو 100 كم. ورجحت مصادر محلية أن الجيش قصف المنشأة بغرض إحداث حالة من الهلع في نفوس الخاطفين، وتوفير فرصة لعشرات الرهائن الأجانب للفرار. وتمكن 30 عاملا في الصباح من الفرار، حسبما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن «مصدر من ولاية إليزي» التي تتبع لها تيقنتورين إداريا.

وتضاربت الأنباء بخصوص مقتل رهائن وعدد من الخاطفين في قصف مروحيات الجيش الجزائري. ولم تؤكد أي جهة رسمية ما وقع، في حين نقل عن أحد الخاطفين الذي تحدث إليه أحد أعيان منطقة إليزي عبر الهاتف، قوله إن القصف المكثف تسبب في مقتل 25 رهينة أجنبيا (من 41 محتجزا) على الأقل و15 مسلحا من «كتيبة الموقعون بالدماء» التي نفذت العملية أول من أمس.

وجاء في مواقع الجهاديين على شبكة الإنترنت، التي تروج لأعمال شبكة «القاعدة»، أن 34 رهينة و15 من «المجاهدين» قتلوا في القصف الجوي، من بينهم قائد مجموعة الخاطفين الملقب بـ«أبو البراء». وأشارت إلى أن الخاطفين هددوا بقتل من بقي من الرهائن إذا واصل الطيران الجزائري القصف.

وأفاد مسؤول بشركة «سوناطراك» للمحروقات بالعاصمة، لـ«الشرق الأوسط»، بأن أحد الموظفين بالمنشأة أبلغه بأن الجيش الجزائري اقتحم المدخل الغربي للمنشأة، القريب من البنايتين اللتين يتحصن بداخلهما الخاطفون. ونقل عن الموظف نفسه قوله إنه سمع تبادل إطلاق نار بين عساكر من القوات الخاصة والخاطفين. ونفى الموظف نفسه سقوط قتلى في الغارات التي قال إنها كانت بعيدة نسبيا عن البنايتين، حيث يوجد الرهائن وخاطفوهم.

وقال إبراهيم غومة، برلماني وأحد أعيان الصحراء، في اتصال به، إنه يوجد في منطقة إليزي رفقة وجهاء ورجال دين، بهدف الدخول في مفاوضات مع الخاطفين نيابة عن السلطات. وأوضح قائلا «بدأنا الاتصالات بالخاطفين.. قال لنا أحدهم إنهم سيطلقون سراح الرهائن إذا وفر لهم الجيش ممرا آمنا إلى مالي، لكن السلطات ترفض ذلك ولا ترضى إلا بالإفراج عنهم من دون شرط». وحول خبر مقتل رهائن وخاطفين في غارة جوية، قال غومة «أستبعد أن يوجه الجيش الجزائري نيرانه إلى موقع الرهائن. هذا غير معقول».

وأفاد عضو آخر من وفد الأعيان بأنه أبلغ الخاطفين بأن السلطات ستتركهم يغادرون المنشاة إلى مالي، ولكن من دون الرهائن وهو ما رفضه الإرهابيون، حسبه.

وذكر موفد صحيفة محلية إلى عين أمناس في اتصال به «أستغرب سقوط الأشخاص الموجودين داخل المنشاة إثر الغارات التي شنها الطيران الحربي، فأنا لم أشاهد سيارات إسعاف تنقل قتلى أو جرحى».

وأفادت وكالة الأنباء الجزائرية نقلا عن «مصدر محلي» بأن الجيش حرر 600 عامل جزائري وأربعة رهائن أجانب في المساء، اسكتلنديين وفرنسي وكيني، وذلك في عملية للقوات الخاصة، من دون تقديم تفاصيل. ونقلت عن المصدر نفسه قوله بأن «نصف الرهائن تم تحريرهم حتى الآن»، من دون تحديد جنسياتهم. واللافت أن هناك تضاربا بشأن عدد الموجودين داخل المنشأة.

وقال المصدر نفسه للوكالة الرسمية إن «عملية تحرير الرهائن خلفت عدة ضحايا»، من دون تحديد عددهم وما إذا كانوا من الرهائن أو الخاطفين. وأضافت الوكالة الجزائرية أن الجيش أطلق النار على سيارتين بداخلهما خاطفون حاولوا الهرب.

وأفاد مسؤول «سوناطراك» التي تملك مشاريع في المنشأة بأن غالبية الفنيين الأجانب الذين يشتغلون في حقول النفط بالمنطقة غادروا مواقع عملهم إلى الجزائر العاصمة، تمهيدا للعودة إلى بلدانهم. وينتمي الفنيون إلى شركات كبيرة أهمها اليابانية «جي جي سي» والإنجليزية «بيتروفاك». ويتوقع أن يخلف الرحيل الجماعي لخبراء المحروقات الأجانب خسارة كبيرة للقطاع الذي يعتبر حيويا بالنسبة للجزائر.

إلى ذلك، أعربت الإدارة الأميركية عن قلقها حيال العملية العسكرية الجارية في الجزائر للإفراج عن الرهائن الذين يحتجزهم متشددون إسلاميون ومن بينهم أميركيون، مؤكدة سعيها إلى الحصول على «توضيحات» من السلطات الجزائرية.

وأوضح جاي كارني، المتحدث باسم الرئيس الأميركي باراك أوباما «بكل تأكيد أننا قلقون حيال المعلومات عن وقوع خسائر في الأرواح».

وأضاف في لقاء صحافي «إننا نحاول الحصول على توضيحات من الحكومة الجزائرية».

وشن الجيش الجزائري أمس هجوما على موقع لإنتاج الغاز في جنوب شرقي البلاد لتحرير رهائن جزائريين وأجانب يحتجزهم مسلحون إسلاميون مرتبطون بتنظيم القاعدة، ما أسفر بحسب الخاطفين عن مقتل 34 رهينة بينهم غربيون، بينما أكدت الجزائر تحرير 600 من مواطنيها و4 أجانب،ولكن كارني قال إنه ليس بوسعه تأكيد هذه الحصيلة، مضيفا «للأسف فإن أفضل معلومات لدينا الآن تشير إلى وجود أميركيين في عداد الرهائن».

وفي باريس، اعتبر الرئيس الفرنسي أمس أن أزمة الرهائن «تتخذ كما يبدو منحى مأساويا».

وأضاف هولاند أمام مسؤولين اقتصاديين واجتماعيين في الاليزيه أن «السلطات الجزائرية تطلعني على الوضع بانتظام لكنني ما زلت لا أملك العناصر الكافية لتقييمه».

وقال الرئيس الفرنسي «أخاطبكم في مرحلة شديدة التوتر بعد عملية خطف رهائن تشمل عشرات الأشخاص من جميع الجنسيات حصلت (الأربعاء) في الجزائر».

وقال الرئيس الفرنسي «إن ما يحدث في الجزائر يشكل تبريرا إضافيا للقرار الذي اتخذته باسم فرنسا لمساعدة مالي عملا بميثاق الأمم المتحدة وتلبية لطلب رئيس هذه البلاد».

وتابع «الأمر يرمي إلى وقف هجوم إرهابي وإفساح المجال أمام الأفارقة للتحرك من أجل حماية وحدة أراضي مالي».

وفي لندن، أعرب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن أسفه لعدم قيام السلطات الجزائرية بإبلاغه مسبقا بالعملية التي شنتها قواتها المسلحة لتحرير مئات الرهائن الجزائريين والأجانب.

وقال متحدث باسم رئاسة الوزراء البريطانية إن كاميرون أبلغ بهذه العملية بعد بدئها وذلك خلال اتصال هاتفي مع نظيره الجزائري عبد المالك سلال في الساعة، مشيرا إلى أنه كان يفضل لو تم إبلاغه مسبقا.

وأضاف أن «الحكومة الجزائرية على علم بأننا كنا نفضل لو تم الاتصال بنا مسبقا».

وأكد المتحدث أن لندن كانت تأمل «بحل الوضع سلميا بأكبر قدر ممكن»، مشيرا إلى أن الحكومة البريطانية عرضت تقديم المساعدة إلا أن الجزائر لم تطلب المساعدة.

وتابع «إنها عملية يقودها الجزائريون بالكامل على أراض تحت السيادة الجزائرية».

وأكد المتحدث أيضا وجود «الكثير» من البريطانيين في عداد الرهائن الأجانب المحتجزين في موقع إنتاج الغاز.