آفاق قاتمة للمحادثات النووية مع إيران

قلق بشأن تراجع فرص التوصل إلى اتفاق نتيجة الانقسامات السياسية في طهران والعواصم الغربية

TT

بعد أربعة أسابيع من موافقتها من حيث المبدأ على إجراء جولة جديدة من المفاوضات بشأن برنامجها النووي المثير للجدل، التزمت إيران الصمت بشأن نواياها الخاصة بالمفاوضات، ما أثار حيرة الدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين، واعتبر في الوقت ذاته مؤشرا على وجود خلاف داخلي حول ما يرى محللون في كل من الجانبين أنه أفضل الفرص للتوصل إلى اتفاق نووي مع الغرب.

وتزايدت الشكوك تجاه إمكانية عقد المحادثات التي وصفها المسؤولون الأميركيون بالوشيكة، بعد رفض إيران الرد على مقترحين على الأقل لمواعيد الاجتماعات، بحسب دبلوماسيين غربيين. وكان مسؤولون من الاتحاد الأوروبي قد ناقشوا مع نظرائهم الإيرانيين يوم الاثنين، عبر الهاتف، المسائل اللوجستية وسط آمال بإمكانية عقد لقاء قبل نهاية الشهر.

لكن التقدم البطيء جعل المحللين والمسؤولين في كلا الجانبين يعبرون عن قلقهم بشأن تراجع فرص التوصل إلى اتفاق نتيجة الانقسامات السياسية في طهران والعواصم الغربية، حيث رفض المتشددون في إيران صراحة تقديم أي تنازلات نووية في الوقت الذي حذر فيه المحافظون في الكونغرس من عقد اتفاق يسمح لإيران بامتلاك أي قدرة لتخصيب اليورانيوم حتى وإن كانت لأغراض غير عسكرية.

ويقول سيد حسين موسوي، أحد فريق المفاوضات النووية الإيراني السابق الذي يعيش حاليا في الولايات المتحدة إن «المشكلة بالنسبة للإيرانيين ليست في التوقيت، بل القلق من عدم نجاح الاجتماع. فهم يريدون بدء الاجتماع في أقرب وقت ممكن، لكنهم لا يريدون أن يتحملوا اللوم في حال فشل المفاوضات».

وألقت المناورة حول توقيت ومكان الاجتماع بظلالها على الزيارة التي قام بها مسؤولون من وكالة الطاقة الذرية، التي طالبت إيران بالسماح لمفتشيها بدخول منشآت عسكرية تعتقد الوكالة إجراء أبحاث سرية على الأسلحة النووية فيها منذ عشر سنوات، بينما تصر إيران على سلمية برنامجها النووي.

وعلى الرغم من إعلان الوكالة والجانب الإيراني عن تحقيق تقدم الشهر الماضي تجاه حل النزاع، قال رئيس الوكالة يوكيا أمانو، للصحافيين إنه «غير متفائل بالضرورة» بشأن نتائج الاجتماع. ويقول محللون إن إيران ربما تحتفظ بورقتها التفاوضية من أجل حوار أوسع نطاقا مع مجموعة 5 + 1 التي تضم الولايات المتحدة والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا.

كانت جولات المحادثات الثلاث التي عقدت العام الماضي بين إيران ومجموعة 5 + 1 قد انتهت إلى طريق مسدود، لكن المبعوثين الإيرانيين أشاروا إلى إمكانية تحقيق تقدم دبلوماسي الشهر الماضي بالموافقة على استئناف المفاوضات بشأن القيود المحتملة على البرنامج النووي. دفعت هذه الأخبار الدبلوماسيين إلى الاستعداد لخوض اجتماعات كان المتوقع أن تبدأ منتصف ديسمبر (كانون الأول) أو في أعقاب عطلة العام الجديد مباشرة.

لكن موعدي الاجتماعين المقررين انقضيا دون رد من الجانب الإيراني ما أثار التكهنات أن الإيرانيين كانوا يتوفرون لبعض الوقت أو أنهم دخلوا في نقاش داخلي حول ما إذا كانت ستتم الموافقة على وضع قيود على برنامجها النووي في مقابل تخفيف العقوبات، بحسب محللين ودبلوماسيين.

وقال مسؤول أميركي رفيع المستوي، طلب عدم ذكر اسمه حساسة «إنهم يختبئون. نحن ننتظر والكل يتساءل لكن ما من رد على الإطلاق».

لكن كبار المسؤولين في كلا الجانبين لا يزالون يصرون على أن الأجواء مهيأة للتوصل إلى اتفاق بالنظر إلى القلق الذي يعتري الغرب بشأن احتمالات وقوع نزاع عسكري جديد في الشرق الأوسط والضغوط التي تعانيها إيران بشأن العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة. ففي إيران صرح مسؤولون سابقون وحاليون بشأن ضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي لما يعتبرونه سببا أصيلا في كثير من المشكلات الإيرانية.

ويقول حسن روحاني، المفاوض الإيراني السابق لوكالة أنباء إيرانية: «الحل الوحيد الذي يمكن من خلاله أن يتأكد الغرب من سلامة أنشطتنا النووية، وأن نحصل بمقتضاه على حقوقنا ونتخلص من آثار العقوبات والمسار الصعب الذي أعده العدو لنا هو المفاوضات».

لكن الكثير من خصوم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في الداخل يرفضون منحه الفرصة للتوصل إلى تسوية تتيح له اتخاذ إجراء يتيح له إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة قبل انتهاء ولايته صيف العام الجاري.

وقال محمد علي شعباني، في رسالة إلكترونية: «رغم امتلاك المرشد الأعلى القول الفصل في المسألة النووية، سيتمكن الرئيس الجديد على الأقل من دخول المشهد مع بعض الأفكار الجديدة وسيكون لديه مساحة للمناورة».

على أي حال، لا يتوقع أن يقبل الإيرانيون اتفاقا لا يتضمن جدولا زمنيا واضحا لتخفيف العقوبات، والذي سيكون عاملا أساسيا في الحصول على الدعم الشعبي للتسوية، بحسب مسؤولين ومحللين إيرانيين. فقد أعاقت العقوبات الدولية المتزايدة قدرة إيران على بيع نفطها وإجراء التحويلات المالية مع العقوبات الأجنبية. تسببت العقوبات الاقتصادية في نقص الغذاء والدواء والبنزين المستورد، وتم استبدال الأخير بوقود منخفض الجودة يؤدي إلى تلوث الهواء والذي كان مسؤولا عن مئات الوفيات مؤخرا.

تقول فريده فارحي، أستاذة العلوم السياسية في جامعة هاواي المتخصصة في الشأن الإيراني: «هناك قوى كافية في المجتمع الإيراني تدفع للتغير في العلاقات، لكن في حال أظهرت الولايات المتحدة هي الأخرى مرونة بشأن القضية النووية وتخلت عن السياسات التي فشلت حتى الآن في إخضاع إيران».

لكن من يستطيع اتخاذ القرار في طهران لتبديد هذه الشكوك؟ كان هناك اعتقاد منذ وقت طويل أن السياسة الخارجية الإيرانية تقع فقط في يدي المرشد الأعلى. لكن بمرور الوقت صارت البراغماتية المطلوبة لنمو إيران اقتصاديا وعسكريا وسياسيا في إيران غير مستقرة محل الكثير من التوجهات الأكثر تشددا واتسعت لدخول مزيد من اللاعبين المحليين ذوي مصالح متباينة على الأغلب.

وفي ظل وجود فصائل سياسية معارضة اليوم تسعى إلى تنفيذ أجندتها الخاصة، فما يراه الغرب إشارات مختلطة من قادة إيرانيين هو في الحقيقة مجموعة من الرؤى المتصارعة حول مستقبل الدبلوماسية الإيرانية.

ولا يزال المسؤولون الأميركيون يواجهون صعوبة في فهم القرارات والقيادة المتشرذمة التي تؤثر على السياسة الخارجية الإيرانية، بعد 34 عاما من العلاقات الدبلوماسية المتوترة بين واشنطن وطهران.

كان الاتفاق على وشك أن يتم في عدة مناسبات سابقة، لكنه تبخر بسبب تنامي المعارضة في طهران.

وأوضح دنيس روس، المستشار السابق لأوباما بشأن إيران أن التساؤل الذي يدور بالأذهان يتمثل فيما إذا كان المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، يملك كلا من الدعم السياسي للاتفاق والشجاعة لتقديم تنازلات مؤلمة. ويعتقد روس أن حدوث ذلك غير متوقع. وتساءل روس «هل سيوسع روس من دائرته لصنع القرار حتى يتمكن من اتخاذ هذه الخطوة المعقولة. أنا أتوقع أن تكون النسبة أقل من 50 في المائة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»